شكل موضوع مأزق الوضع العربي الراهن محور الندوة التي نظمت أول أمس الأربعاء في إطار فعاليات موسم أصيلة الثقافي، وجاء في الكلمة الافتتاحية لمدير منتدى أصيلة محمد بنعيسى أن موضوع هذه الندوة «ليس مجرد ترف فكري بل هو استجابة لنداء ملح يلاحق النخب والرأي العام في كل الأقطار العربية، سواء تلك التي تعاني ظروفا صعبة أو مثيلاتها التي تتوجس من المجهول»، وأضاف أن «الإحساس بالأزمة ووطأة الظروف يعاني منه أغلبية العرب، لأنهم جزء من هذا العالم المضطرب ولأن لهم نصيبا من مشاكلهم الداخلية»، وأكد على أن « مأزق الوضع العربي، ليس مصيرا، بقدر ما هو حالة عابرة، قد تطول وقد تقصر، لا ينفع معها جلد الذات والتعبير عن الأسف واليأس»، كما أشار المتدخل إلى أن «المعني بمأزق الوضع العربي، هو مناطق بعينها، تعرف أزمات بلغت مستوى الحروب الداخلية، وكأن العقل السياسي فيها أخذ عطلة ممدة أو استقال عن التفكير بتعبير المفكر محمد عابد الجابري»، ولم يغفل الإشارة إلى أنه «توجد مناطق عربية أخرى فيها بصيص من الضوء والأمل تنعم بالكثير من مظاهر الاستقرار، يجوز اعتبارها أمثلة وتجارب يمكن أن تسعف الباحثين والمحللين بملامح وخطط عمل لتجاوز الأوضاع العسيرة التي تعصف بها..»، وضرب المثال بالتجربة المغربية، حيث « كادت أن تصاب بدورها في الصميم، لولا الحكمة والشجاعة والإرادة الثابتة لملك البلاد محمد السادس، الذي قرر بوعي وتفكير استباقي التصدي للمشاكل في جذورها واجتثاث مسبباتها، ليس بالوسائل العنيفة والقرارات المتسرعة، بل بالحوار المنفتح والتأكيد عليه عبر إشراك كافة القوى والفعاليات السياسية والنقابية وتعبيرات المجتمع المدني، حيث تم تحرير دستور جديد، بهندسة مغايرة وآليات للتشاور غير مسبوقة.. ونجحت البلاد من خلال نخبها في رسم معالم طريق لمنظومة حكم جديدة، مستشرفة لآفاق المستقبل بتحدياته وآماله..». وتحدث الخبير في الشؤون السياسية تاج الدين الحسيني الذي أطر هذه الندوة الافتتاحية، عن حراك الشارع العربي، مذكرا بأنه لم يؤت أكله وأنه خلف أزمة في العمق، ورغم أنه كان هناك توجه من طرف بعض الأنظمة العربية نحو الإصلاح إلا أن هذا الإصلاح لم يصل إلى مداه. واعتبر وزير خارجية مصر سابقا عمرو موسى أن مأزق الوضع العربي الراهن هو عنوان لفشل النظام العربي، فشل في التواصل مع العصر والمبادرات المطروحة على مستوى العالم، وأن ذلك ناتج عن سوء إدارة الحكم في ما يخص حقوق الإنسان وسيادة القانون وتوفير الخدمات التي تحفظ للإنسان كرامته، وبالتالي فإن هذا التراكم كان من نتائجه قيام الثورات الدامية. ورأى أن حقوق المواطنة ينبغي أن تكون أساسية في الأوضاع المستقبلية بوطننا العربي، وأنه ينبغي التصدي للفساد المستشري في المجتمعات العربية، وأن هذا الإصلاح يتطلب تنشيط منظمات المجتمع المدني المهتمة بالقضايا الأساسية التي تهم المواطنين، وتعبئة كافة القوى لأجل الانطلاق نحو المستقبل وعدم تكرار أخطاء الماضي. ورأى ضرورة قيام نظام عربي جديد ينظم العلاقات الإقليمية ويقوم على أساس فكر تحديثي يتطلع إلى المستقبل. وأكدت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام البحرينية سميرة إبراهيم على أننا نعيش حاليا أخطر مأزق جيوسياسي وأن أزمتنا نعيشها من الداخل وبالتالي فإن الحلول ينبغي أن تكون من الداخل بالضرورة، واتهمت أنظمة الحكم بأنها هي السبب في هذه الأزمة لأنها تخلت عن مسؤوليتها في توفير المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية لشعوبها، ومواجهة التحديات الخارجية. ورأت أن تهميش النخب الفكرية شكل إعاقة للتنمية، وبالتالي سمح للأطراف الخارجية باستثمار هذا الوضع لمصالحها الخاصة. وتعمقت الأزمة بالدخول في صراعات جديدة، كانت العولمة بدايتها، وهو ما مهد لصعود الإرهاب إلى الواجهة، لقد نجح الغرب – تضيف المتدخلة- في برمجتنا للاعتراف بأننا مصدر الإرهاب. وأوضحت أن عدم الحسم في مفهوم الديمقراطية وفي شكلها الأنسب لمجتمعاتنا العربية هو أصل المأزق، وبالتالي فإن من الأولويات التي ينبغي الاهتمام بها هو التعرف على خصائصنا لفرض ديمقراطية تتماشى مع شعوبنا بعيدا عن التنميط الذي يفرضه علينا الغرب. وأضافت أن الحل الاستراتيجي يكمن لدى النخب العربية المثقفة القادرة على صناعة القرار الأنسب في إقامة أسس التنمية، ذلك أنه في غياب الفكر لا يمكن بناء المجتمع، وأنه لا بد من امتلاك مشروع براغماتي لمواجهة التحديات العالمية وإنهاء التبعية للغرب. وأكد وزير إعلام الأردن سابقا صالح القلاب أن الوضع العربي الراهن هو ترجمة لسقوط أنظمتنا وأحزابنا السياسية وقوانا النقابية والاجتماعية في امتحان قرن كامل، وأن الإصلاح لم يكن عقلانيا، كما اعتبر أن أخطر ما في هذا الوضع المتفجر هو أننا نعيش حالة من الصراع الطائفي لا يمكن تصور كيفية معالجته. ولخص الوضع العربي في ثلاث قضايا ضاغطة: عدم الاستقرار الذي دام قرنا كاملا وفشل الأحزاب الوطنية، والعجز عن إنهاء الصراع الطائفي بعقلانية لأجل بناء المستقبل. واعتبر المحلل السياسي اللبناني محمد قواس أن القضية الفلسطينية هي سبب أزماتنا وأن حلها هو حل لأزمات كل المجتمعات العربية، فالقضية الفلسطينية قضيتنا وليست لشراء المواقف واختراع آلية لتبرير أن لدينا مشكلة عربية مشتركة، وأكد على غياب إجماع على كيفية الخروج من المأزق، فهناك عودة الإعجاب بالأنظمة الاستبدادية واعتبارها علاجا للأزمة العربية، وبالتالي هذا يساهم في هدم الأسس الصحيحة لبناء أسس الانفتاح والتعدد باعتبارها مكتسبات.