لا يخفى على أحد من الناحية الأدبية، أن أرض المغرب كانت وما تزال معينا دافقا للشعر، تعددت وجهة العطاء الشعري وتنوعت مجالاته.. مما أتاح للشعراء المغاربة أن يصوغوا شعرا جميلا في لوحات من الفن الأنيق المبدع، ينسكب حياة وتجديدا وتواصلا مع الناس، ويمنحهم قدرة فذة على اجتذاب أرواحهم ونفوسهم، مؤثرا فيهم بشعاع المحبة والخير والتصافي. الحلقة 13: الشيخ الحبيب الهايج الشيخ الحبيب الهائج: من كبار أشياخ الملحون في أسفي في نهاية القرن الثالث عشر.. تتلمذ على يد الحاج بن احساين، يظهر ذلك من قوله مهما انشوف لمقدم واصحابو أبطال سلم أعليه واعلى شيخي فالقصيدة الحاج ابن حساين ليه امكسب أحلال من فكد كل ساع انطلع تنهيدة يعتبر الشيخ الهايج من النوابغ الذين بعثوا في الشعر الملحون روحا وحيوية، ولولا جماعة من المهتمين رأوا أن ينصفوا هذا الشاعر بعد موته، فاحتفظوا ببعض شعره، لما استطعنا الحصول على شيء من ذلك.. ولو لم يقم هؤلاء بمحاولتهم هذه، لحدث لهذا الشاعر ما حدث لكثير من الشعراء الذين طوتهم يد المنون، فضاعت أو ماتت اشعارهم بعد موتهم. وعلى كل حال، فإننا نقرأ في بعض ما يتوافر لنا من شعره، حماسة وغيرة وشجنا .. كما نقرأ فيه صدق الإيمان وحرارة الإخلاص لله تعالى، وفيه أيضا رائحة العبادة والتقوى وصوت المؤذن وتكبير الحجيج . فصلته مع الشعر الملحون صلة عميقة الجذور، أصلها حب فطري ولد معه ونما مع أيام عمره خطوة خطوة . ومن ثمة، كان الشعر الملحون بالنسبة لشاعرنا غرسة في نفسه، أخذت تنتعش وتترعرع على قصائد شعراء أسفي وغيرهم، حيث كان الحبيب الهايج يتردد كثيرا على مجالسهم، وهو يسمع إليهم طربا هائما مأخوذا بما يسمعه من شعر منساب معنى ونظما. كان الشيخ الهايج فقيها، يشغل مهمة العدول، كما كان يكتب الرسوم العدلية ويتدخل في المعاملات العقارية والتجارية، وكان يقيم بدرب القصبة بأسفي. من شعره نقتطف النماذج التالية. يقول: نار الفراك هيج وجدي يا من تسال والبعد كدني ولا صبت أسنيد ولا ايهيض شوقي تهطل دمع انجال والقلب ينزبر من حر التفكيد بيني أوبينهم اكدا واشعاب أجبال واسهوب والمسايف لبلاد أبعيد أمحبت في ناس الصرخ هذا أشحال والخوف ردني والطوفان أشديد أقاصد أسفي في حفظ اعظيم الجلال سلم أعلى أهل المرسى ناس أسعيد سلم أعلى أسيادي هم هل لغاث بهم كا النادي خفان من أثلاث لهو أمع الحاد أيبليس الشمات والنفس منها باقي حالي دون حال متعوب طول عمري والروح أنكيد