أعلن أول أمس الخميس في الرباط عن افتتاح السنة القضائية 2011، وهي المناسبة التي تكثف من الحديث العمومي وفي الأوساط الحقوقية والسياسية والإعلامية عن إصلاح القضاء في بلادنا. لقد لفت الرئيس الأول للمجلس الأعلى، خلال اللقاء المذكور، إلى القرارات التي تصدر عن هذه المؤسسة، وما تثبته بخصوص الدور الهام للقضاء في تفسير التشريع وملئ فراغاته، بالإضافة إلى أن توقيت صدور القرارات له دلالات كبرى على صعيد إيصال الحقوق إلى أهلها في الوقت المناسب. والإشارة هنا، تحيل على أنه بقدر ما يعتبر إيجاد الترسانة التشريعية والنصوص الجيدة والعادلة من أهم مفاصل البنيان السليم للعدالة، فإن تفسيرها وتقوية الاجتهاد القضائي، يعتبر هو الآخر دورا في غاية الأهمية والخطورة. وإن المسار المجتمعي الذي تخوضه المملكة لترسيخ الديمقراطية ودولة القانون، يفرض أن يكون القضاة، وكامل المنظومة القضائية، من أهم وأكبر صناع الديمقراطية والحداثة في البلاد. بالفعل، إن ضمان استقلال القضاء، وانضباط الجميع لأحكامه، والحرص على احترام سلطته وهيبته، يعتبرمن مقاييس الحكم على ديمقراطية الدول، لكن أيضا للقضاء النزيه والمستقل والكفء والمجتهد دورا محوريا في تعزيز الديمقراطية، وتقوية دينامية التأهيل الديمقراطي للبلاد، ومن هنا تبرز أمامنا هذه العلاقة الجدلية بين إصلاح القضاء وضمان استقلاليته وإنجاح الرهانات الديمقراطية للبلاد. وضمن هذه الرؤية نستحضر مضامين الخطب الملكية ذات الصلة، وخصوصا تأكيد جلالته على «عدالة القرب»، ونستحضر ما تضمنه برنامج الحكومة بشأن تأهيل العدالة، ونستحضر ما تم إنجازه لحد الآن، ونستحضر إرادة المسؤول الحكومي الحالي عن القطاع، وكفاءته، وفي نفس الوقت نستحضر المطالب المعبر عنها في الأوساط الحقوقية والسياسية، وأيضا ما يشهده القطاع من توترات داخلية، ولا نغفل ما تنقله وسائل الإعلام عن هذه القضية أو تلك، لنخلص، اعتبارا للعلاقة الجدلية المشار إليها أعلاه، إلى أن إصلاح القضاء من أكثر الأوراش الإصلاحية راهنية وإستراتيجية في المملكة. القضاء في حاجة إلى أن يكون قريبا من المتقاضين، وهو أيضا في حاجة إلى تبسيط مساطره وتسريعها، وإلى ضمان نزاهة أحكامه وتحديث هياكله، وإلى كفاءة القضاة وتجردهم، وإلى انخراط المنظومة القضائية برمتها ضمن الالتزام بسيادة القانون. عدالتنا في حاجة إلى تحديث المنظومة القانونية، وإلى تأهيل شامل للموارد البشرية وللهياكل، وإلى تقوية التخليق ومحاربة الفساد، وضمان الفعالية. القضاء في حاجة إلى أن يصر القضاة أنفسهم على استقلاليتهم، ويعملون على تقوية الاجتهاد، بما يجعل منهم مساندين شرسين لمسلسل الدمقرطة والتحديث في البلاد وفاعلين في دينامياته.