قبل الحديث عن تأويل أنساق الجسد في قصص مريم بن بخثة، نقف قليلا عند التقديم الباذخ الذي خص به الدكتور مصطفى سلوي مجموعتها القصصية الصادرة عن دار الوطن 2015، ويمكن الإشارة إلى محاوره الكبرى: – تفسير ظروف نشأة القصة القصيرة جدا.- سمات الكتابة القصصية عند مريم بن بخثة. – قيمة الرسالة ومقصديات الخطاب السردي في المجموعة القصصية.- تفصيل وتحديد عناصر الإمتاع والإفادة والتأثير في المجموعة القصصية: (تنوع الموضوعات ،تنوع النماذج البشرية،رؤى اجتماعية، اللغة..).- تعبير القصص عن الواقع المعيش. استلهام الذاكرة. — معانقة اللغة للتشكيل لإنتاج الدلالة. – خصوصيات الكتابة السردية النسائية الأسلوبية واللغوية. قارئ هذا التقديم ومتفحصه يستنتج جملة من المرتكزات المهمة:- احتكاك الأستاذ الدكتور سلوي بكتابات مريم بن بخثة، يقول: "تكون كتابة الأستاذة مريم بن بخثة، كما قرأتها ودرّستها لطلبتي بالجامعة، كتابة موجهة مرشدة، معلمة، ناقدة.." ص22- الإدراك الدقيق للمستويات والتقنيات الموظفة في كتابة القاصة، بحكم النقل الديداكتيكي المستلزم لتفكيك بنيات النصوص بغية إنجاح عملية التكوين الجامعي.- الرؤية المنهجية في مقاربة الكتاب كتاب (امرأة على الرف). يكاد المتطلع إلى الكتابة عن هذه المجموعة يتراجع بحكم الرؤية الشاملة التي تميز بها التقديم، ولعل أي باحث أو ناقد، قصارى ما سيفعل هو توسيع ملمح سبقه إليه الدكتور سلوي. تجليات الجسد في العتبات:- لوحة الغلاف: وفيها فتاتان تطيران إحداهما تأخذها حمامة بيضاء إلى الأفق، واللوحة تكوين جمالي يوحي بالحرية والانطلاق.- العنوان المركزي: امرأة على الرف. يوحي العنوان بدلالة الإهمال والنسيان، فكتاب على الرف مهمل، وكذا كل إنسان ولعل الدلال مضاعفة في حالة المرأة. (هناك تناص خافت).- القصة الأولى / التشكيل: القصة الوحيدة التي يصاحبها رسم غير التشكيل الفني والخطي للعناوين، وهذه القصة هي التي تحمل عنوان المجموعة. والرسم لامرأة تقتعد الأرض في وضعية حزن وانشغال ذات جسد طافح بالجمال. جسد التشكيل:تفنن المنفذ الطباعي في تشكيلات بديعة، أبرز من خلالها أبعاد الخط العربي. العناوين الفرعية: بورتريه ص43/محرقة البشر ص48/بلوغ أنثى ص60/كبد مشردة ص64/أعمى ص106/ثورة القلب ص 103هذه العناوين تحيل على الجسد: عناصره الخارجية ( الوجه / المثلث السري / العين)، والداخلية (القلب /الكبد)، وهناك غيرها، بحيث يحضر الجسد حضورا هاما. (عيناه ص28/كتف ص..39). لعل النص وكل نص يحتاج إلى نظر متجدد، وذلك ما يكسب الذات خصبا بالنص، ويجعل النص قادرا على الحياة في انعطافات متجددة. القفلة وذاكرة الجسد: -"الجسد أكثر آليات إدراك الواقع واكتشاف العالم، لأنه يحمل قدرا كبيرا من العمق والأبعاد الدلالية التي تحتاج إلى قراءة مستمرة وتأويل دائم" ص19خطاب الجسد، عبد الناصر هلال. والمجموعة التي بين أيدينا تولي للجسد اعتبارا رمزيا وجماليا واضحا، ولعل تكرار علامات الجسد، نعم التكرار كما يذهب إلى ذلك سادة البلاغة يستهدف التأكيد، وهذا الأمر صيغة من صيغ مواجهة ومقاومة النسيان: التكرار اللفظي: (مفارقة ص62 ومفارقة ص83.) (تناوب ص41 / تناوب ص 90)( سراب ص91/سراب ص 111)( ورطة ص69/.106 ورطة …)فالأمر لا يتعلق بهفوات بل برؤيا فنية فقصة "مفارقة " ص62 ليست هي قصة " مفارقة "ص83القصة الأولى بها شخصية العجوز الزوج والصبية الزوجة، والمفارقة إغلاق العجوز كل المنافذ ضمانا لعدم خروج زوجته بينما المفاتيح بين أناملها. والقصة الثانية تجعل المفارقة مبنية على تقديم الزوج المتوقع الحب فيما الزوجة المتوقعة تقدم لائحة مطالب مادية.ففي الحالتين لن تحصل السعادة: شيخ (خروج) صبية (سجن)خاطب(حب )- مخطوبة (طمع).- التكرار الدلالي: ( وهم ص49/ سراب) (أسفار ص 36/رحيل ص100). وسنتأمل القفلة / الخاتمة باعتبارها إحدى مكونات كتابة القصة القصيرة جدا، إنها (تستأثر باللحظة الحاسمة التي ينفك فيها الصراع / ص179شعرية القصة القصيرة جدا -جاسم خلف إلياس- ط2010) من خلال قصة: (صاحب مبدأ ص28) كأنموذج. القصة:" صاحب مبدأ ظل ينادي بالمساواة بين الجنسينشعاره هو أن النساء شقائق الرجال في الأحكام.حين جاءت إحداهن تثمن جهوده المضنية، أومأ برأسه منحنيا، في حين كانت عيناه تبحثان عن أشياء أخرى". (في القصة تناص ديني حديثي).في القصة كثافة من السخرية المبطنة وغير المصرح بها، والمفارقة قائمة على تصريحات مناقضة للسلوكات. فالكلام حقوقي إيماني والتصرف جنسي شهواني. والخاتمة كاشفة عن زيف الأقوال وسطحية الاقتناع بها. – العنوان وذاكرة السرد: قصة (انضباط) وقع محضر بداية دوامه، ثم انصرف..ص63 بمجرد ما تنهي الومضة السردية، تشعر بحاجتك للعنوان لإتمام الدلالة، هنا العنوان ليس ملخصا للنص بل هو جزء تكويني من المفارقة القائمة على التعارض، بين الانضباط والتسيب! (ثم انصرف).إذن العنوان ذاكرة القصة بها تتمم بنية مغزاها.هذه مقاربة حاولت ملامسة بعض المكونات الجمالية في مجموعة للقصص القصيرة جدا لمبدعة لها أسلوب ورؤيا.