أسدلت الدورة الأولى لمهرجان تالبورجت الدولي للقيثارة "تالغيتارت" الستار على فعالياتها التي احتضنتها الحديقة النوعية أولهاو بحي تالبورجت بأكادير وممرات وساحات الحي، أيام 1 و2 و3 فبراير الجاري، وعرفت مشاركة ثلة من الفنانين المحليين والدوليين القادمين من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وبولونيا وإسبانيا والشيلي وكولومبيا، قواسمهم المشتركة هي العزف على القيثارة وترويضها والعشق لمدينة كرمت آلتهم وشرفتها واحتضنتها من خلال إقامة مهرجان دولي في مستوى "تالغيتارت". اختيار حي تالبورجت لاستقبال فقرات هذا الملتقى الدولي للعازفين على هذه الآلة الموسيقية التاريخية لم يأت من محض الصدفة بقدر ما تم بتمعن وتفكير عميقين من طرف المنظمين، لما يجسده هذا الحي من رمزية تاريخية لأبناء مدينة الانبعات ولأهالي سوس وللذاكرة الجماعية لساكنة أكادير الكبير باعتباره الفضاء والملجأ المستقبل لضحايا زلزال 1960 الذي خلف آلاف الضحايا من قاطني المدينة بشكل خاص والمناطق المجاورة بشكل عام، وباعتباره المكان الذي شهد تضميد جراح الآلاف من المنكوبين والناجين من الكارثة الطبيعية التي ضربت المدينة وأكلمتها في ليلة رمضانية قبل 58 سنة. حي كان إلى حدود الأمس القريب يشكل القلب النابض لمدينة بأكملها لما كان يتميز به من حركية تجارية استثنائية واحتضانه لمحطة طرقية كانت تشكل المحرك الدائم الاشتغال والبوابة الرسمية لاستقبال الزوار والوافدين على المدينة وللمغادرين لها نحو مختلف الوجهات بفضل موقعهيا الاستراتيجي والجغرافي. ويعتبر مهرجان تالغيتارت الذي نظمه "منتدى أكادير ميموري" أول مهرجان ينسب إلى حي دون المدينة المحتضنة كتجربة هي الأولى من نوعها في المغرب، يوضح سعيد المطيع، أحد المؤسسين الأساسيين للمنتدى إلى جانب الجامعية زهرة مكاش، في حديثه لبيان اليوم، وذلك بهدف إحياء وبعث هذا الحي الأقدم والأكبر بمدينة أكادير الذي عانى ما عاناه من إهمال ولامبالاة المسؤولين والمدبرين للشأنين المحلي والمركزي، مضيفا بأن النهوض بهذا الحي الرمزي وتأهيله هو في حد ذاته نهضة للمدينة برمتها معتبرا هذا الملتقى الدولي مشروعا شبابيا أكثر ما هو تظاهرة فنية بالمفهوم الضيق. ولم يخف المتحدث فخره واعتزازه بنجاح هذا المهرجان مثمنا الانخراط الجماعي لأبناء المدينة في إنجاحه واقتناعهم الكبير بأهمية مثل هذه المبادرات النوعية في تحريك عجلة التنمية والدفع بها إلى الأمام وبالتالي تكسير الجمود المقيت الذي يخنق الحي ويزيده تدهورا سنة بعد أخرى، مشيرا بأن دورة 2018 لمهرجان تالغيثارت، وهي التأسيسية، تعمد فيها المنظمون التركيز من خلال جل فقراتها، على استحضار التاريخ والنبش في الذاكرة الحية للحي، واسترجاع ذكريات الزمن الجميل التي طبعته وذلك بغية استشراف المسقبل والتفكير في إعادة مجد مدينة أكادير والذي بدأ "يسرق" منها في السنوات الأخيرة. وعرفت النسخة الأولى من هذا المهرجان الدولي للقيثارة مشاركة أزيد من خمسين فنانة وفنانا قدموا من مختلف القارات، سافر معهم الجمهور العاشق للفن الموسيقي الهادف والمتزن، القادم من مختلف مناطق المغرب ومن خارجه، وعلى مدى ثلاثة أيام، إلى عوالم لحن القيثارة بإبداعات عالمية، من خلال العروض الموسيقية التي احتضنتها مختلف شوارع الحي وحدائقه وساحاته، كما تم استحضار روح أحد رواد الفن الأمازيغي الكبار والذي كان يروض آلة القيثارة بلمسات فنية قل نظيرها، إنه الفنان الذي غادر مناصريه وعشاقه قبل ثلاث سنوات إلى الأبد، المبدع المقتدر عموري مبارك، صاحب الأغنية المشهورة "جونفيلي" والذي كانت له صولات وجولات بحي تالبورجت الذي كان يقطنه لأزيد من ثلاثة عقود، ويرجع له الفضل الكبير في التحليق بالأغنية الأمازيغبة نحو العالمية من خلال حسه التجديدي المواكب لتطور القيثارة. ذاكرة المنظمين لم تغفل كذلك الفنان العربي بابا هادي أحد كبار مفكري الحي وأحد الناجين من موت القدر الإلهي الذي ضرب أكادير في فبراير 1960، لتبرمج له حفل توقيع كتابه "صرخة حجر" ضمن فعاليات المهرجان وهو الذي تم "انتشاله" ذات يوم، قرب نفس الحي، من تحت الأنقاض ليحيا ويكبر ويغني ويكتب وينسج خيوط حياته في قالب تراجيدي مصور صفق له كل الحاضرين والمتتبعين لفقرات المهرجان الدولي للقيثارة. وشكل هذا المهرجان الدولي فرصة لإقامة معرض للصور الفوتوغرافية المؤرخة للمدينة بشكل عام ولحي تالبورجت بشكل خاص، صور ومقتطفات سافرت بالزوار لعقود من الزمن نحو تالبورجت الجوهرة، تالبورجت مركز الاستقطاب السياحي والتاريخي للجنوب المغربي بامتياز.