بعد النجاحات التي حققتها على المستوى الوطني والعربي، كان لعشاق المسرح، ليلة أول أمس الأربعاء بمسرح محمد الخامس بالرباط، موعد مع مسرحية "صولو" لفرقة أكون للثقافة والفنون. المسرحية المقتبسة عن رواية "ليلة القدر" للكاتب الطاهر بن جلون، قدمت لجمهور الرباط عرضا فنيا متكاملا ومتميزا يرصد جملة من القضايا الاجتماعية والإنسانية، ويبرز معاناة المرأة في مواجهة المجتمع والتقاليد والأعراف التي تفرض عليها قالبا معينا يجب أن تتعايش فيه وفق نظرة الذات الجماعية، في تناسي لشخصها الأنثى. ويقدم العرض لمخرجه محمد الحر، الذي ساهم في كتابته إلى جانب هاجر الحاميدي، في زهاء 60 دقيقة، معاناة "زهرة" التي حتمت عليها الأقدار أن تعيش "ذكرا" في تدخل سافر في حقوقها من طرف أبيها المتشبع بالأعراف والتقاليد التي تعطي قيمة للذكور عن الإناث، وبحكم أنه أب ل 5 بنات، يقرر تزييف حقيقة ابنته "زهرة" ويختار لها اسم "أحمد" نكاية في القبيلة و "أعدائه" على حد تصوره المجتمعي. تمضي "زهرة" حياة مزيفة، فلا هي استمتعت بطفولتها ولا تعايشت مع حقيقتها، حيث تستمر المعاناة إلى أن تبلغ هذه الفتاة سنها العشرين، حينما قرر الأب مواجهتها بالحقيقة و"تحريرها" من الوهم والشخصية الزائفة التي صنعها لها في محاولة منه لتصحيح المسار ومحو ذنبه بعدما أحس بأنه يسلم الروح في ليلة 27 من رمضان "ليلة القدر". حبكة العرض المسرحي تستمر مع قرار "زهرة"، التي جسدت دورها الممثلة المسرحية "هاجر حاميدي"، مغادرة البيت، بعد وفاة الأب، وخوض رحلة البحث عن "الذات"، إذ تصادف في طريقها كثيرا من المغامرات، تبرز فيها المعاناة التي تتعرض لها المرأة من قبل التحرش والاغتصاب، معرجة بعد ذلك على قصة "حب" كان لها وقع كبير على مجريات قصة الأنثى "زهرة". التشويق والإثارة يزدادان مع لقاء "زهرة" ب "القنصل" الذي جسد دوره الممثل "سعيد الهراسي"، وأخته التي تشتغل في "حمام بلدي" والتي أدت دورها الممثلة "آمال بن حدو"، حيث تبدأ أطوار قصة جديدة، تتغير فيها الشخصيات ويقتبس فيها كل من آمال بن حدو وسعيد الهراسي شخصيات أخرى، في الوقت الذي تلعب فيه هاجر حاميدي "صولو" أو العزف المنفرد، بحيث تتقمص شخصية واحدة وهي شخصية "زهرة". فهذا العرض المسرحي الذي سبق وأن فاز بعدد من الجوائز على المستوى الوطني والدولي، آخرها الجائزة الكبرى للدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي التي نظمت بتونس (جائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي)، يسلط الضوء في عمقه على "التطلع إلى التحرر من الهوية الزائفة والعيش وفق ما يروق للتوجهات الذاتية بعيدا عن النمطية المفروضة في التفكير والتعبير والتعامل مع الآخر، بالإضافة إلى إثارة العرض للأسئلة الوجودية التي تشغل الإنسان انطلاقا من موضوع معاناة المرأة من السلطة المجتمعية بمختلف تجلياتها داخل العائلة وفي تعاملها مع الآخر". في هذا السياق قال الناقد المسرحي مولاي أحمد بدري إن مسرحية "صولو" تبرز بأن هناك جيلا جديدا من المسرحيين المغاربة أثبت أن المسرح المغربي يتألق. وأضاف أحمد بدري في حديث لبيان اليوم أن المسرح المغربي كانت له مكانة قوية على الصعيد العربي وتميز في وقت من الأوقات مع الطيب الصديقي. مشيرا إلى أنه الآن عاد الجيل الجديد لإبراز قوة المسرح المغربي، من خلال التفوق في محطات عربية، والذي أبانت عنه مسرحية "صولو" في مهرجان تونس الذي توج مرة أخرى عملا مغربيا. وأبرز بدري الذي يعتبر المدير المؤسس للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي (الذي تخرج منه الطاقم الفني لعرض صولو)، أن هذه المعطيات تؤكد بالملموس أن هناك جيلا جديدا من المسرحيين المغاربة المتألقين سواء على مستوى التمثيل أو على مستوى الإخراج والسينوغرافيا.. مؤكدا أن هذه التجربة الجديدة للجيل المسرحي الجديد ستتألق أكثر إن كانت هناك هيكلة حقيقية للمسرح. وذلك "قصد إبراز هذه الطاقات الإبداعية التي نملكها"، على حد تعبير المتحدث. من جانبه قال الباحث والكاتب المسرحي ادريس اكسيكس إن هناك من حين إلى آخر أعمالا متفردة، كعرض "صولو". مؤكدا أنه اقتباس متميز، لكونه جمع بين الحكي وبين خلق فضاءات للصراع الدرامي. وأوضح اكسيكس، في حديثه لبيان اليوم، أن عرض "صولو" متكامل لكونه تميز بشكل كبير على مستوى الإخراج وكذلك على مستوى الأداء. مشيرا إلى أن نجاح العرض يعود بالأساس إلى الإبداع في الإخراج، وكذا من حيث تحضير الممثلين للعرض. مبرزا في هذا الصدد أن الفرقة المسرحية لعرض "صولو" أخذت الوقت الكافي للتحضير والاشتغال. و"هذا أمر جيد، لأن أي عمل أخذ وقتا في التحضير سيكون عملا ناجحا لا محالة"، يقول الباحث المسرحي. هذا واستطاع العرض المسرحي الذي عرض بشراكة مع المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، أن يحظى بإشادة واسعة من قبل جمهور المسرح الذي حج لمشاهدة العرض والاستمتاع بحبكته التي استطاعت إقناع لجان التحكيم في عدد من المحطات الثقافية الوطنية والعربية. حيث عبر عدد من الحاضرين، عن إعجابهم بالعرض وطريقة اللعب فوق الركح. فيما استطاعت المسرحية، حسب ما عاينته "بيان اليوم" من خلال آراء المواطنين، ملامسة عدد من القضايا المجتمعية المؤرقة، من قبيل التعدي على حقوق الأنثى سواء بتبخيس أدوارها وتفضيل الذكور عليها أو من خلال المعاناة اليومية في المجتمع من قبيل التحرش، والاغتصاب، والاعتداءات. مؤكدين على ضرورة ترسيخ مثل هذه الأعمال الفنية الهادفة في المشهد الثقافي والفني المغربي. ****** مخرج "صولو" محمد الحر لبيان اليوم: المسرح المغربي يعيش نوعا من اللبس في علاقته مع المؤسسات هلا حدثتنا في عجالة عن قوة «صولو»، كيف استطاعت إقناع لجان تحكيم عربية ووطنية وإقناع الجمهور أيضا؟ أول قوة لأي مسرحية معينة هو موضوعها أو المتن الذي تشتغل عليه، وبالنسبة لنا في «صولو» اشتغلنا على رواية «ليلة القدر» للطاهر بنجلون، وحين نتحدث عن الطاهر بنجلون فنحن أمام تحفة فنية، رواية غنية جدا وزاخرة ومكسوة بنفس عميق ولو أنها مكتوبة باللغة الفرنسية ولكن تشعر فيها بهوية معينة، ومنذ سنوات، 20 سنة أو يزيد، وأنا أعيش بهذا الحب مع هذه الرواية، ولم أكن أعتقد يوما أنها ستتحول إلى مسرحية، لكن جاءت ظروف وبرزت المسرحية على شكل اشتغال أولي في إطار بحث الطالبة خولة حاميدي في السنة الأخيرة من تخرجها من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، ثم بعدها حولناها لمسرحية يلعبها مجموعة من الممثلين. ثاني قوة وهي الانسجام، فالمسرحية فيها عوالم من داخلها تخاطب المجتمع المغربي وتخاطب الممثل في مهنته وفي إنسانيته وحياته، وهذه التيمات لامست روح الفرقة كاملة وجعلتها تنسجم مع العرض. كيف كانت مشاركتكم ب «صولو» وطنيا وعربيا، وما الفرق؟ وطنيا جرى أن تلتقي مجموعة من الفرق الوطنية في المهرجان الوطني للمسرح بتطوان مثلا وتكون هناك منافسة، أما على المستوى العربي فروح المسؤولية أكبر، لأنه حين نذهب إلى الأيام المسرحية بقرطاج/ تونس في ديسمبر 2017 ونفوز بجائزتين، وحين سنذهب إلى المسرح العربي للتنافس على جائزة أفضل عمل عربي لسنة 2017، لم يكن هدفنا هو الجوائز ولكن الحس بالمسؤولية.. مسؤولية أننا نمثل المسرح المغربي، الفن المغربي، المغرب بصفة عامة، فالوفد المغربي كانت له قوة وتماسك راق جدا. بالحديث عن المسرح المغربي، كيف ترون كمخرج وضعية المسرح الوطني اليوم بالمقارنة مع الساحة العربية؟ برأيي الشخصي، وبعيدا عن الحديث عن عمل «صولو» أقول إن المسرح المغربي يعيش نوعا من اللبس في حالته، من جهة على المستوى التأسيسي والتأطيري والتنظيمي الذي نجد فيه مسرحا يعيش أزمة في علاقته مع القطاعات الوصية، هذه القطاعات الوصية خلقت مجموعة من البرامج بما فيها برنامج الدعم وبرامج أخرى أدت إلى تفقير الساحة الفنية المسرحية والفرق المسرحية والفنانين، ولكن من جهة أخرى نعيش، منذ 20 سنة، موجة تكبر شيئا فشيئا وهي موجة لرؤية جديدة لممارسة المسرح داخل المغرب. منطلقها كان ولا زال هو المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي الذي خلق وخرج مجموعة من الفنانين الذين يقودون الساحة وأعمالهم تتحدث عنهم. وهنا لا بد أن أشير إلى أنه من الناحية الفنية المسرح المغربي يتطور ويكتسب مهارات وتنوعا وغنى ومواكبة لجمهور اليوم بعيدا عن الخطاب الشعبوي الهادف للإضحاك من أجل الإضحاك فقط. وهذا ما ينعكس بالملموس على المستوى العربي، سواء على مستوى البحث المسرحي للباحثين المغاربة، أو على مستوى الإنتاج المسرحي حيث بدأت العروض المغربية تفرض نفسها في الساحة العربية، فمثلا السنة الماضية فازت «خريف» لفرقة أنفاس بأفضل عمل عربي، هذه السنة كذلك فرقة مغربية أخرى وعرض مغربي آخر يفوز، وكلها مؤشرات تقول إن المسرح المغربي يتطور ويبحث عن تفرده على المستوى العربي. محمد توفيق أمزيان