تعرض سعد الحريري منذ تسلمه رئاسة الحكومة قبل أكثر من سنة لضغوط كبيرة من حزب الله من اجل التنصل من المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال والده, قاومها بشدة, إلى أن سقطت حكومته أول أمس الأربعاء بفعل استقالة احد عشر من أعضائها. وواجه سعد الحريري في خضم معركة لي الأذرع بينه وبين حزب الله الذي يتوقع أن تتهمه المحكمة الدولية بقتل رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري, معضلة سياسية وأخلاقية حيث بدا مضطرا إلى الاختيار بين نسيان دماء والده «من اجل استقرار البلاد», أو التمسك بالمحكمة للوصول إلى «العدالة». واختار سعد الحريري الذي جعل من إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان احد ابرز اهتماماته, عدم الرضوخ للضغوط رغم انه قام بتنازلات سياسية عدة, في وقت يرى مؤيدوه أن أي تسوية حول حقيقة اغتيال رفيق الحريري تعني انتحارا سياسيا بالنسبة إليه. وقد يكلف سعد الحريري مجددا تشكيل حكومة جديدة كونه يقود الغالبية البرلمانية, إلا في حال رفضه المهمة, علما أن عملية تشكيل حكومة جديدة دونها عقبات سياسية كثيرة. وشكل سعد الحريري حكومة الوحدة الوطنية التي انهارت اليوم في نوفمبر العام 2009 بعد أكثر من أربعة أشهر من المفاوضات الشاقة, اظهر خلالها الكثير من الصبر والقدرة على التفاوض. وكانت هذه المرة الأولى التي يرئس فيها الحريري (40 عاما) حكومة, علما انه برز إلى الواجهة السياسية بعد مقتل والده في فبراير 2005, ثم فاز في الانتخابات النيابية في يونيو من العام نفسه على رأس تحالف واسع من التيارات والشخصيات السياسية. ولم يعمل سعد الحريري (سني) في السياسة بتاتا خلال حياة والده, وظل بعيدا عن الأضواء حتى مقتل رفيق الحريري في انفجار سيارة تسببت أيضا بمقتل 22 شخصا آخرين. وسمته العائلة لخلافة والده في العمل السياسي بسبب صفاته الدبلوماسية والكاريسماتية, بحسب ما يقول مقربون, فيما كان الكثيرون يتوقعون أن يقوم بهاء الحريري, وهو الابن البكر, بهذه المهمة. وساهم مقتل رفيق الحريري في تسريع الانسحاب السوري من لبنان بعد حوالى ثلاثين عاما من التواجد فيه. وأحدثت هذه العملية انقلابا في المشهد السياسي اللبناني الذي كانت دمشق اللاعب الأكثر نفوذا فيه على مدى سنوات طويلة. وفاز الحريري مرة ثانية في الانتخابات النيابية في يونيو 2009, وكلف بعدها تشكيل حكومة. واضطر منذ البداية إلى القيام بتنازلات كثيرة. فقد وافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية ثلث أعضائها من حزب الله وحلفائه, رغم فوزه في الانتخابات. إلا أن حكومته لم تتمكن من انجاز الكثير بسبب حدة الانقسام بين فريقه وفريق حزب الله. وبعد أن كان اتهم سوريا العام 2005 بالتورط في مقتل والده, قام بعد تسلمه رئاسة الحكومة بزيارات عدة إلى دمشق, وصولا إلى الإعلان في غشت الماضي انه اخطأ باتهام سوريا وان الاتهام كان «سياسيا». وورث الحريري عن والده, بالإضافة إلى الثروة, هيكلية ورأسمالا سياسيين ضخمين, وافاد من التعاطف الشعبي معه بعد اغتيال والده. طويل القامة, وتتسم إطلالاته الإعلامية غالبا بالهدوء وكلامه بالروية والدبلوماسية. الا انه تعلم كذلك على مدى السنوات الماضية كيف يصبح خطيبا يحرك الحماسة بين أنصاره, وهذا ما بدا جليا خلال الحملات الانتخابية التي سبقت انتخابات يونيو 2009. ويروي مقربون منه انه يهوى الطبخ ويطبخ أحيانا لأصدقائه. كما اعتاد القيام بتمارين رياضية منتظمة, إلى أن باتت مهامه الكثيرة تمنعه من ذلك. وورث الحريري أيضا عن والده شبكة واسعة من العلاقات عبر العالم, وقام خلال السنوات الماضية برحلات لا تحصى إلى دول عديدة وأجرى لقاءات مع عدد كبير من زعماء العالم, كان آخرها مع الرئيس الأميركي باراك أوباما أول أمس الأربعاء. بين 2005 و2007, عاش لفترات طويلة خارج لبنان أو بعيدا عن الأضواء في مرحلة كانت تشهد اغتيالات استهدفت شخصيات سياسية وإعلامية مؤيدة للأكثرية. وكان سعد الحريري الذي يحمل أيضا الجنسية السعودية, يكتفي خلال حياة والده بالاهتمام بأعمال العائلة الثرية. وتولى إدارة شركة «سعودي-اوجيه» للبناء والتعهدات التي كانت الركيزة الأساسية في بناء ثروة رفيق الحريري. كما تولى رئاسة وعضوية مجالس إدارة شركات أخرى عديدة تملكها عائلته. وتعتبر ثروة الحريري المصدر الرئيسي للحملات التي يشنها عليه خصومه الذين يتهمونه باستخدام «المال السياسي» لشراء المؤيدين. ولد سعد الحريري في 18 أبريل 1970. ويحمل إجازة في الاقتصاد من جامعة جورج تاون في واشنطن. وهو متزوج من لارا بشير العظم التي تنتمي إلى عائلة سورية عريقة شاركت في السلطة في سوريا خلال الخمسينات. وسعد الحريري والد لثلاثة, صبيان حسام وعبد العزيز وبنت لولوة, وهم يعيشون مع والدتهم في السعودية «لأسباب أمنية», كما يؤكد المقربون. ويقوم الحريري بانتظام «بزيارات عائلية قصيرة» إلى المملكة.