في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية 2018، تقدم المستشار عبد اللطيف أعمو برأي باسم مجموعة العمل التقدمي بمجلس المستشارين في هذا المشروع، وببعض ملاحظات المجموعة حول التوجهات العامة للسياسات العمومية وبعض مضامين هذا المشروع، من أجل دعم وتجويد السياسات العمومية ذات الأفق الاجتماعي بالخصوص، بغية بلورة مقاربة جديدة تسهم في نهضة تنموية شاملة تمكن المواطنات والمواطنين من العيش في ظل الكرامة. فيما يلي النص الكامل لهذا التدخل: السيد الرئيس، السيد الرئيس،السيدات والسادة الوزراء،السيدات والسادة المستشارون،أتشرف أن أتقدم أمامكم، باسم مجموعة العمل التقدمي، برأينا في مشروع قانون المالية لسنة 2018، وبعض ملاحظاتنا حول التوجهات العامة للسياسات العمومية وبعض مضامين هذا المشروع.إنها مناسبة سنوية للوقوف على أداء الاقتصاد الوطني، وفعالية السياسات العمومية لمواجهة المعضلات الكبرى المطروحة على بلدنا في الاقتصاد والمجتمع.ويتميز هذا المشروع الذي نناقشه اليوم أنه أول مشروع قانون مالي يتم تحضيره بالكامل من طرف الحكومة الحالية، ومن مميزات سياقه أنه عرض على أنظار البرلمان بعد الخطاب الذي وجهه جلالة الملك، بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجارية، حيث دعا جلالته إلى إعادة النظر في نموذجنا التنموي الوطني الذي أصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية. كما أن هذا المشروع يأتي في سياق وضع سياسي خاص يفرض ضرورة انتعاش المسار الديمقراطي، ووضع اجتماعي يتميز بالتوتر وتنامي الاحتجاجات الشعبية ضد الفقر والتهميش وضعف الخدمات الاجتماعية في مختلف مناطق البلاد، كل ذلك يفرض انبثاق مد إصلاحي جديد لمواجهة خطر اليأس والإحباط من جهة، وتلبية مطالب وطموحات أوسع الجماهير من جهة أخرى. كما أن السياق الدولي يتميز بتوترات جيو/ سياسية كبرى، خاصة في الشرق الأوسط، وهي توترات تدعونا إلى الحذر والمواكبة، لما يمكن أن يكون لها من تأثير، بهذا القدر أو ذاك على الوضع السياسي والاجتماعي لبلادنا، لكن السياق الدولي يتميز أيضا بانتعاش الاقتصاد العالمي وهذا عنصر سينعكس إيجابا على أداء اقتصادنا الوطني.فهل يحمل هذا المشروع بوادر ومؤشرات النموذج التنموي الجديد كبديل عن النموذج المعمول به، والذي أبان عن محدوديته وعدم قدرته على الاستجابة لمسار التنمية في بلادنا؟ومن منطلق أن القانون المالي هو بمثابة مرآة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية للحكومة، وأن بناء نموذج تنموي جديد يقتضي رؤية ومقاربة جديدة للقانون المالي، فسنركز في مداخلتنا هاته على الجوانب المنهجية وتوجهات القانون المالي بشكل عام.السيد الرئيس،قبل أن نسجل ملاحظاتنا حول المشروع لابد من الإشارة إلى أننا نناقشه من منطلق الدعم والمساندة اعتبارا لكوننا جزء من الأغلبية، دعم لا يلغي النقد والسعي نحو التجويد والتطوير.ولسنا بحاجة إلى إيراد إيجابيات المشروع، وهي كثيرة، ومنها الجهد المبذول للرفع من الموارد، ولو أننا نسجل أن هذا الرفع يأتي، في جانب كبير منه، من إثقال كاهل المواطن مع توجه محتشم إلى حيث يوجد المال وإلى عقلنة محدودة لمصاريف الدولة.إننا نلاحظ استمرارية لنفس المقاربات المعمول بها منذ سنوات، نفس التعاريف، نفس الأولويات ونفس الوثائق، نفس الأسلوب ونفس الخطاب…ونعتبر أن هذا المشروع لا يحمل مؤشرات قوية على تطبيق القانون التنظيمي للمالية، مثل غياب مخطط للاستثمار على مدى ثلاث سنوات، ونعتقد أنه لا يمكن الحديث عن توجه ناجع للتنمية خارج التخطيط ووضوح الرؤيا على مدى سنوات مقبلة.ومن المفيد هنا الإشارة إلى أهمية تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الثروة، وهو تقرير أكد وجود فوارق اجتماعية صارخة، وينطوي على جرأة كبيرة خاصة في شق التوصيات، وهي توصيات بإمكان تطبيقها انبثاق النموذج التنموي المنشود، ولا نلمس في هذا المشروع مع الأسف، ما يشير إلى مثل هذا التطبيق وبوادر التوجه نحو النموذج التنموي الجديد، بل أنه مشروع داخل النموذج القديم الذي يتفق الجميع اليوم على ضرورة تجاوزه.السيد الرئيسإذا كان القانون المالي ذا بعد دستوري، باعتباره قانونا مبنيا على أرضية دستورية، وباعتبار القانون التنظيمي هو بمثابة دستور مالي، فإن مشاريع قوانين المالية تتم صياغتها في غياب التخطيط. فالتخطيط مغيب في المغرب منذ بداية القرن الحالي، وهذا يطرح مشكل تجانس والتقائية الأولويات، حيث لا يوجد ربط منهجي بين الأولويات، إضافة إلى ضعف التناسق و الالتقائية. كما نسجل أن الجهاز التنفيذي يحتكر إعداد الأولويات، وليس هناك إشراك قوي للسلطة التشريعية في بلورة مشاريع قوانين المالية، أو هو إشراك رمزي لا يؤثر فعلا على توجهاتها. I – معالجة إشكالية الحكامة ما زالت إشكالية الحكامة تطرح نفسها بشكل ملح، وخصوصا في الجوانب المرتبطة بالتنفيذ التدريجي للجهوية المتقدمة، وتفعيل اللآتمركز الإداري وإعادة انتشار الموارد البشرية وتدبير الاستثمار العمومي.فنحن نستثمر كل سنة – ومنذ سنوات – ما يفوق 180 مليار درهم، دون أن نكون قادرين على تحقيق الاستفادة المثلى من الاستثمارات العمومية، وأساسا بخلق مناصب الشغل النوعية، أو تحقيق القيمة المضافة أو تحسين قدراتنا على تغيير بنية الناتج الداخلي الخام.لا نشك في أن من أولويات العمل الحكومي التوظيف وتدبير الموارد البشرية، فتدبير المواد البشرية يكلف الدولة زهاء 130 مليار درهم سنويا (بما فيها التغطية الصحية والتقاعد) وبهذا الخصوص فإننا ندعو إلى الكف عن اعتبار قطاعي التعليم والصحة عبئا على الخزينة العامة، بل اعتبار النفقات المتعلقة بهذين القطاعين استثمارات لها مردودية أكيدة على الاقتصاد والمجتمع، وحتى على المالية العمومية على المدى المتوسط والبعيد.كما نرى ضرورة إعادة النظر في تعريف القطاعات الاجتماعية، حيث تشير الأرقام إلى تخصيص نصف الميزانية للقطاع الاجتماعي، والحال أنه يتم إقحام عدد من المصاريف ضمن القطاع الاجتماعي دون ارتباط فعلي بما هو اجتماعي مثل مصاريف البحث العلمي.والمقاربة الاجتماعية هي عموما كمية وليست نوعية، ونعتمد فيها الحديث عن عموميات في تنافر للأولويات. ونتحدث عموما عن التعليم والصحة والسكن والتشغيل، وعن تقديم خدمات دون الحديث عن منهجية تجويد الخدمات.والجديد يكمن سنة بعد سنة في مجرد إعادة توزيع الأظرفة المالية، حسب القطاعات والأولويات الشكلية. هناك حاجة ملحة لضبط الأولويات وتفادي التعابير الفضفاضة.فالإشكالية لا تكمن أساسا في التوجهات، بل في البحث عن رؤية، واستراتيجية واضحة تعتمد البرمجة لعدة سنوات لتتضح الرؤيا أكثر وتنسجم مع الاستراتيجية وأدوات التنفيذ، فكل سنة تتكرر الميزانية بنفس الشكل كميزانية وظيفية، وهذا ما يعطي على مستوى مناقشات البرلمان مناقشات تصب على الشق السياسي أكثر منه فيما هو تقني مالي صرف.قانون المالية، عبارة عن وثيقة توقعية، وهو ما يعني أن باب النقاش والضبط والمراجعة مفتوح ومحبذ. لكن، ما ينقص هو وضعه في إطار وقالب معين.إننا نؤكد مرة أخرى على ضرورة العودة إلى منطق المخطط (5 سنوات) واعتماد الاشتغال على تنفيذ سنوي على مدى خمس سنوات لجزء من المخطط العام والبرامج المتعددة السنوات، وتقييم الأثر على المواطنين والتأثير على مستوى عيشهم.نتحدث إجمالا عن الأهداف الاقتصادية والاجتماعية دون الحديث عن جانب الابتكار والخيال والتجديد.كما يتعين الاعتماد على مبدأ صدقية الحسابات وصدقية التوقعات، كما نص على ذلك القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية (المادة10و30)، ومقاربة ما تقوله الحكومة مع ما تأتي به التقارير الموازية. I I– دعم القطاعات الاجتماعية حدد مشروع القانون لنفسه تحقيق معدل نمو في الناتج الداخلي الخام بنسبة 3.2 % وتقليص عجز الميزانية إلى 3 %. فإلى أي حد يمكن لمشروع قانون المالية 2018 المساهمة في إحداث الرجة والصدمة الضروريتين لخلق تغييرات جوهرية بهدف إصلاح الاختلالات التي يعرفها النموذج التنموي الوطني؟ أم أن مشروع قانون المالية 2018 هو استمرار لإنتاج الفوارق والهشاشة والتفاوتات المجالية والامتيازات وتكريس مختلف التوجهات والاختيارات التي أبانت عن محدوديتها. فعلى مستوى القطاعات الاجتماعية نلاحظ استمرار الاختلالات التالية: قطاع التعليم: إذا كان قطاع التعليم من أهم القطاعات الأساسية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني، فإن منظومة التعليم ببلادنا تعرف العديد من الاختلالات البنيوية لن تنفع معها التدابير والإصلاحات الترقيعية التي تقوم بها الحكومة.فبالرغم من الموارد المالية التي يلتهمها قطاع التعليم والتكوين، والتي شكلت نسبة 6 % من الناتج الداخلي الاجمالي و 22 % من الميزانية العامة برسم سنة 2017 و 53.40 % من كتلة الأجور برسم سنة 2017، أي ما يناهز 42.23 مليار درهم.فإن الجميع يتحدث اليوم عن إفلاس المدرسة العمومية ولا زال القطاع يواجه عدة تحديات أهمها تلك المتعلقة بالمساواة والجودة والمردودية والرفع من النتائج على مستوى التعلم ، ولا زال نظامنا التعليمي يفرخ أفواجا من العاطلين ، حيث وصل معدل البطالة لدى حاملي الشهادات 16.9% سنة 2016 كما أن معدل البطالة بشكل خاص بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 24 سنة بالوسط الحضري يصل إلى 42 % ويعزى ذلك إلى عدم ملائمة التكوين لحاجيات ومتطلبات سوق الشغل ، لذلك ، فإن إصلاح التعليم يتطلب رؤية استراتيجية لن تنفع معها الحلول الترقيعية المعتمدة من طرف الحكومات المتعاقبة ولن يزيدها اليوم التشغيل عن طريق التعاقد إلا استفحالا خاصة على مستوى الجودة.كما تجدر الإشارة إلى أن معدل الأمية بالمغرب لا زال مرتفعا، حيث يصل إلى 32 % بالنسبة للساكنة البالغة من العمر 10 سنوات فما فوق، وحسب وسط الإقامة تصل هذه النسبة إلى 47.5 % بالوسط القروي و22.6 % بالوسط الحضري. كما تصل الأمية في صفوف النساء إلى 42.1 % مقابل 22.2 % بالنسبة للرجال.إنها أرقام وحقائق صادمة تكشف مدى تردي مستوى التعليم والتكوين. فلا تنمية ولا تقدم في ظل وجود هذه المستويات من الأمية في بلادنا، وهي تسائلنا حول أي مغرب نريد؟ ولأي نموذج للتنمية نطمح في القرن 21؟ قطاع الصحة: إن العرض الصحي -بالرغم من كل المجهودات المبذولة والرفع من الاعتمادات المالية المخصصة لهذا القطاع، والتي انتقلت من 8.14 مليار درهم سنة 2008 إلى 14.3 مليار درهم سنة2017 -ما زال دون مستوى التطلعات.كما أن التأطير الطبي والشبه الطبي لا زال دون المستوى، حيث لم يعرف إلا تطورا ضئيلا لا يتجاوز 4 % سنويا بالنسبة للأطباء خلال الفترة الممتدة ما بين 2001 و2014 ونسبة 1 % سنويا بالنسبة لعدد الممرضين.كما أن عرض العلاجات الصحية الأساسية عرف ارتفاعا بمعدل سنوي يناهز 1.5 % خلال الفترة الممتدة ما بين 2001 و2014، حيث وصل إلى 2865 مؤسسة سنة 2014، وبالنسبة للمؤسسات الاستشفائية، فإن العدد انتقل من 120 سنة 2001 إلى 155 مؤسسة سنة 2015. وتجدر الإشارة إلى أن الحاجيات من البنيات التحتية الصحية تبقى مهمة خاصة في العالم القروي وفي المناطق المعزولة، حيث تعاني الساكنة من صعوبة الولوج للخدمات الصحية، إذ يوجد 20 % من سكان هذه المناطق على بعد 10 كلم من أقرب مؤسسة صحية. كما أن ضعف البنية التحتية والتأطير الطبي له انعكاس على جودة الخدمات بخصوص نظام المساعدة الطبية (RAMED) ، والتأمين الإجباري على المرض (AMO) وعلى الولوج العادل للخدمات والعلاجات الصحية، وانعكاس كل ذلك على مؤشر وفيات الأمهات والأطفال والذي لا يزال دون مستوى أهداف الإستراتيجية الصحية، كما أن مساهمة الأسر في النفقات العمومية للصحة لا زالت مرتفعة وتثقل كاهل الأسر، في غياب المراقبة والشفافية داخل القطاع الخاص في المجال الصحي. III– الاستثمار وإنعاش الشغل اعتبر البرنامج الحكومي إنعاش الشغل أولوية وطنية، وذلك بخفض معدل البطالة إلى 8.5 % سنة 2021. وللتذكير، فلقد التزم البرنامج الحكومي السابق بخفض البطالة إلى 8 % في أفق 2016، ولذلك، فإن البرنامج الحكومي الحالي هو برنامج انتكاصي على مستوى سياسة التشغيل.وتجدر الإشارة إلى أنه في الربع الثاني من سنة 2017 خلق الاقتصاد الوطني 74.000 منصب شغل فقط، معظمها بقطاع الفلاحة (52.000) والخدمات (19.000) والبناء (7.000 منصب) في حين فقد قطاع الصناعة، بما في ذلك الصناعة التقليدية 4.000 منصب شغل، كما أعلنت العديد من المقاولات الصغرى والمتوسطة عن إفلاسها، ولا زالت العديد منها في وضعية صعبة.وقد ساهم ضعف إحداث مناصب الشغل خلال السنوات الأخيرة من زيادة مخزون العاطلين عن العمل، الذي بلغ 1.105.000 عاطل سنة 2016 مقابل 1.028.00 عاطل سنة 2011، أي بمعدل سنوي قدره 1.5 %، ولقد شكلت بطالة الشباب حاملي الشهادات 17 % سنة 2016 و 42 % بالنسبة للشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 24 سنة.ولكي يتمكن الاقتصاد المغربي من استيعاب عدد الوافدين على سوق الشغل سنويا، يجب تحقيق نسبة نمو لا تقل عن 6 % سنويا، ولن يتمكن من ذلك إلا بجلب الاستثمارات في القطاعات المنتجة لفرص الشغل.وفي هذا الإطار، نلاحظ أن التوزيع القطاعي للاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب عرف خلال السنوات الخمس عشرة الماضية تغييرا كبيرا، حيث أصبح قطاعا العقار والصناعة يمثلان القطاعات الأكثر جاذبية، حيث تشكلت الاستثمارات بالقطاع العقاري ما يناهز 13.5 مليار درهم لسنة 2016 أي ما يعادل 40.7 % من مجموع الاستثمارات الأجنبية بالمغرب، في حين استقطب القطاع الصناعي ما يناهز 7.4 مليار، أي ما يعادل 22.4 % من مجموع الاستثمارات الأجنبية.وتجدر الإشارة، إلى أن العديد من التقارير الصادرة عن مجموعة من المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، بما في ذلك المنتدى الاقتصادي العالمي (تقرير التنافسية العالمية) والبنك الدولي (تقرير ممارسة أنشطة الأعمال) والمعهد الأمريكي هيرتاج (مؤشر الحرية الاقتصادية)، تؤكد كلها على العديد من نقط الضعف والعقبات الرئيسية للاستثمار بالمغرب، وتتعلق أساسا بالحصول على التمويل، وعدم التوفر على اليد العاملة المؤهلة، والعدالة والرشوة وبيروقراطية الإدارة العمومية، وجودة التعليم والتكوين المهني.فلذلك، السيد الوزير، يعتبر القضاء على هذه النقط السوداء، خريطة عمل الحكومة لجلب استثمارات أجنبية جديدة قادرة على خلق فرص الشغل والرفع من معدل النمو، وفي هذا الإطار، ندعو الحكومة إلى إحداث مرصد وطني للتشغيل وإنشاء منظومة معلوماتية وطنية وتطوير نظام فعال ودقيق لدراسة سوق الشغل وتقوية نظام الوساطة، وإعادة النظر في ميثاق الاستثمار، وتعبئة العقار العمومي لإحداث مناطق صناعية في إطار استراتيجية الإقلاع الصناعي. IV– الاستثمارات العمومية نلاحظ من خلال التوزيع الجهوي لاستثمارات المؤسسات والمقاولات العمومية لسنة 2018 تكريس الهشاشة والتفاوت المجالي ، حيث تستحوذ أربع جهات على 70 % من الاستثمارات العمومية، وهي جهات الدارالبيضاء – سطات (28 %) الرباط – سلاالقنيطرة (23 %) مراكش – آسفي (10%) طنجة – تطوان – الحسيمة ( 9 %) ، في الوقت الذي لم تتجاوز فيه الاستثمارات بالنسبة لجهة الشرق 8 % و 5 % بالنسبة لكل من جهات فاس–مكناس – بني ملال – خنيفرة وسوس ماسة و 3 % بالنسبة لكل من جهة العيون – الساقية الحمراء ودرعة تافيلالت و 1% لكل من الداخلة – وادي الذهب وكلميم – واد نون.وهذه الجهات الثمانية هي الأكثر حاجة للاستثمار وللمشاريع المهيكلة المنتجة للثروة.كما أن من شأن الدينامية المتفاوتة للنمو على صعيد الجهات أن تفاقم من الهشاشة والفوارق المجالية، وإذا كانت أجندة أهداف التنمية المستدامة التي تبناها المنتظم الدولي في شتنبر 2015، قد وضعت مسألة حقوق الإنسان في صلب تحديد نماذج جديدة للتنمية، فإن المطلوب، السيد الوزير، هو تسخير نموذج التنمية المغربي في شقه الوطني والجهوي للولوج إلى الحقوق الأساسية، بالاعتماد على الإمكانيات اللآمادية كمعيار أساسي خلال صياغة السياسات العمومية من أجل تعميم الاستفادة على جميع المغاربة من ثروات وطنهم. V– التقييم والتقويم لا يكمن أن نسير بسياساتنا العمومية نحو نجاعة وفعالية أكبر دون تقييم وتقويم مستمرين، نحن بحاجة اليوم لوقفة جدية لدراسة وتقييم البرامج الكبرى المعمول بها، من قبيل مخطط المغرب الأخضر، ورؤية 2020 للسياحة، ومخطط إقلاع وبرنامج التسريع الصناعي، واستراتيجية المغرب الرقمي…فما هي حصيلة هذه البرامج الكبرى وما كانت مردوديتها على الاقتصاد والمجتمع؟وضرورة التقييم تستتبع ضرورة بل إلزامية التقويم، تقويم الاختلالات، وإعطاء نفس جديد وآفاق جديدة لكل هذه المشاريع تنسجم مع النموذج التنموي المنشود.نحن أيضا بحاجة إلى تقييم ثم تقويم سياسة الإعفاءات الجبائية التي تقدر سنويا بحوالي 35 مليار درهم، وهو مبلغ مالي كبير يتم إهدار جزء منه دون مردودية لا اقتصادية ولا اجتماعية ومن ثمة تنموية. كما يتعين اليوم الشروع في تقييم حصيلة التدبير المندمج للنفقات (GID)، بجانب النظم المعلوماتية المناسبة والمعلوماتية التي لا محيد عنها اليوم في إنجاح الإصلاح الميزانياتي.VI- صعوبة تحديد الأولويات: إننا نلاحظ وجود نفس الأولويات منذ سنين، دون أن تكون هناك فعلا أولويات محددة، يتم إنجازها ثم تقييمها والمرور إلى أولويات جديدة، فهناك صعوبة ابتكار فكر اقتصادي يضع الأولويات ويصنفها.ويتم تحديد أولويات عامة دون توفير كل شروط الانجاز، فعلى سبيل المثال: يتم الحديث على التسريع من وتيرة التصنيع قبل اتخاذ تدابير عملية لتحسين ظروف ومناخ اشتغال المقاولات الصغيرة جدا، والصغرى والمتوسطة، أو الحديث عن التصنيع دون التركيز على الجهد الاستثماري العمومي، وتحديدا في مجال التجهيز والبنيات الأساسية المهيكلة.ثم الحديث كذلك عن الجهوية المتقدمة دون العمل فعليا على تحويل الاختصاصات، والحديث عن التفاوت بين الجهات وبين المجال الحضري والقروي يستدعي الانتقال إلى مقاربة مندمجة. ولا شك أن النهوض بالعالم القروي يمر عبر بوابة النهوض بالجهوية المتقدمة.فمن المنظور المنهجي، يجب الحديث عن الاستراتيجيات قبل الحديث عن الموارد، فالموارد محدودة، ويتعين تدبيرها بشكل أمثل.ومن ملاحظاتنا كذلك على المشروع غياب استحضار الدبلوماسية الاقتصادية بالشكل الكافي وترجمته على مستوى توقعات القانون المالي لسنة 2018.فمنظمة التجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا (CEDEAO) هي منظمة اقتصادية دولية تهتم بتطوير الاقتصاد في منطقة الغرب الإفريقي، وهي غائبة في مشروع قانون المالية، رغم أن المغرب قد عبر عن نيته رسميا في 24 فبراير الماضي، في الانضمام لهذه المجموعة الاقتصادية.ومن ملاحظاتنا أيضا استمرار اللاتوازن في توزيع الغلاف المالي على الجهات، فأربع جهات تستحوذ على 70 % من الاستثمارات العمومية وهو ما يجعل شعار " التوازنات المجالية" مجرد خطاب، وبهذا الخصوص فإننا ندعو، مرة أخرى، إلى التمييز الايجابي لصالح الجهات التي ظلت مهمشة منذ عقود، خاصة و أن للحكومة اليوم خارطة للفقر، المادي و المعنوي، و يتعين اليوم رفع الحيف الذي عانت منه جهات مازالت تسجل نسب مرتفعة للفقر، وضعفا في التجهيزات وفي استثمارات عمومية منتجة اقتصاديا و اجتماعيا.السيد الرئيس،السيد الوزير،أيها السيدات والسادة،هذه بعض ملاحظاتنا بخصوص مشروع قانون المالية لسنة 2018، نتوخى منها المساهمة، من موقعنا كجزء من الأغلبية لكن انطلاقا كذلك من هويتنا السياسية، في دعم وتجويد السياسات العمومية ذات الأفق الاجتماعي بالخصوص، وكذلك المساهمة في بلورة مقاربة جديدة لقوانين المالية كأداة لهذه السياسات، وحتى تساهم هذه القوانين في بناء نموذج جديد للتنمية يجعل منها أداة محاسباتية لكن أيضا سياسية في خدمة هذا النموذج المنشود، في أفق نهضة تنموية شاملة تجعل الإنسان المغربي وعيشه و كرامته وسعادته في قلب هذه السياسات و هدفا لها ومبتغى. والسلام