المغرب يُعزز ريادته الأمنية في إفريقيا .. ومبادرة الدرون تفضح تخبط الجزائر    ابن كيران: شعورنا بأن الحكومة لا تبالي بالشعب وكأنها جاءت بالمشروعية من جهة أخرى    "العدل والإحسان" تنوه بمساندة المغاربة لغزة وتدعو الدولة لوقف التطبيع مع الكيان الصهيوني    الدار البيضاء: توقيف شخصين هددا سلامة الناس والممتلكات بالسياقة الخطيرة والاستعراضية    كيوسك السبت | إطلاق مجموعة "أصدقاء المغرب في حزب العمال البريطاني" في لندن    "الحظ" يطرق أبواب أمريكيين باسمَي كلينتون وترامب    قطر: تطبيق اتفاق غزة يبدأ صباح يوم الأحد    المغرب-فلسطين.. بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي في المجال الفلاحي    صحيفة "غلوبال تايمز": 80% من المشاركين في استطلاع عالمي يشعرون بتفاؤل كبير حيال مستقبل الصين الاقتصادي    "إف بي أي" يثمن ويشيد بتعاون المخابرات المغربية في قضية اعتقال "سليمان الأمريكي"    اغتيال قاضيين بالمحكمة العليا لإيران    يهم حكيمي.. سان جيرمان يزاحم ريال مدريد على صفقة كبرى    وفاة لاعب مانشستر يونايتد السابق دينيس لو عن 84 عاما    فريق المغرب التطواني يواصل سقوطه في البطولة الاحترافية    غياب المدرب و3 لاعبين عن الجيش الملكي قبل مواجهة صن داونز    بطولة الهواة تعود في شهر فبراير    الأمين العام لحزب الاستقلال يؤكد السعي إلى تصدر نتائج "انتخابات 2026"    شياومي المغرب تطلق سلسلة هواتف Redmi Note 14 الجديدة    طقس السبت.. الريف والأطلس على موعد مع الصقيع وتساقط الثلوج    الوزير بركة يعطي انطلاقة مشاريع تنموية كبرى بإقليم العرائش لتعزيز البنية التحتية والموارد المائية    أنفوغرافيك | جامعة محمد الخامس.. لوحدها تدخل تصنيف "كيو إس" لأفضل جامعات العالم في 2025    انقلاب شاحنة يكشف عن شحنة ضخمة من الحشيش    مجلس الوزراء الإسرائيلي يوافق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    بطولة ألمانيا: البرتغالي بالينيا يعود لتدريبات بايرن ميونيخ    المصارع المغربي علاوي بطل النسخة العربية الإفريقية من "محاربي الإمارات"    بنك المغرب: حاجيات سيولة البنوك تبلغ نحو 136 مليار درهم خلال شهر دجنبر 2024    نهضة بركان يطرح تذاكر مواجهة ستيلينبوش الجنوب إفريقي    عاجل..العثور على أطنان من المخدرات إثر حادث انقلاب لشاحنة في الطريق السيار (فيديو)    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    حملة تفتيشية بالمدينة العتيقة لطنجة تغلق محلات لبيع المواد الغذائية والتجميل لعدم الالتزام بالضوابط الصحية    أفضل الوجهات السياحية في المغرب: دليل شامل لعام 2025    هل يفتح اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" أفقا للسلام الدائم؟    نيناتي: أمتن لدعم الملك لتنمية ليبيريا    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    إتقان اللغة الأمازيغية.. من السلطان محمد الثالث إلى ولي العهد مولاي الحسن: إرث ثقافي مستمر    شهادة تأمين "المسؤولية المدنية العشرية" أصبحت إجبارية للحصول على "رخصة السكن"    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بالأحمر    توقيف عنصر متطرف بتاوريرت يتبنى الفكر المتشدد لتنظيم «داعش» الإرهابي    مجموعة مارتينيز أوتيرو الإسبانية تختار المغرب لفتح أول مصنع لها في الخارج    "بوحمرون" يجلب قلق ساكنة طنجة.. مسؤولون: الوضع تحت السيطرة    تخفيف ضريبي يرفع معاشات التقاعد    "أطاك" تنتقد لجوء الدولة إلى تكبيل الحق في ممارسة الإضراب    الهند وباكستان في طليعة المستفيدين من التأشيرة الإلكترونية المغربية.. إصدار أزيد من 385 ألف تأشيرة منذ 2022    وفاة الممثل المصري فكري صادق بعد صراع مع المرض    أوريد يوقع بمرتيل كتابه "الإغراء الأخير للغرب: تداعيات الحرب على غزة"    وفاة جوان بلورايت نجمة المسرح والسينما البريطانية عن 95 عامًا    قصة حب ومليون دولار.. تعليق من براد بيت على قصة الفرنسية التي خدعت بغرامه    حمودان يقدم لوحات فنية في طنجة    مزاد يثمن الفن التشكيلي بالبيضاء    «نحو مغرب خال من السيدا بحلول 2030»: اليوم الدراسي للفريق الاشتراكي يسائل السياسات العمومية والمبادرات المدنية    تناول المضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب..مختص يفرد التداعيات ل" رسالة 24 "    خبيرة توضح كيف يرتبط داء السيدا بأمراض الجهاز الهضمي..    HomePure Zayn من QNET يحدد معيارًا جديدًا للعيش الصحي    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفنان التشكيلي خالد بيي يعرض بأكادير

بمناسبة الذكرى الثانية و الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، يحتضن المتحف البلدي للتراث الأمازيغي بأكادير مابين 10 و 31 نونبر الجاري معرضا فرديا للفنان التشكيلي ومصمم الديكور والنحات خالد بيي ( مواليد 1974 بآسفي ) الذي يقدم تحت عنوان " منطق الحروف" تجربة فريدة على مستوى التصوير الصباغي، و النحت والمنشآت أو التنصيبات.
تتمحور أعمال المعرض (مجموعة من التراكيب والتكوينات الكاليغرافية المسطحة والمجسمة ) حول منطق الحروف في اقتباس رمزي من منطق الطير لفريد الدين العطار، حيث تظهر التشكيلات الحروفية المقترحة للمعرض متعانقة داخل مسارات إبداعية مثل سرب الطيور الشاردة والباحثة عن طائر وهمي يعرف باسم "سيمرغ" الذي يرمز إلى الله في حين تحيل بقية الطيور الأخرى على السالكين من أهل الصوفية.
هكذا تبدو الحروف والنماذج الحروفية المرسومة سابحة داخل استعارات جمالية موحية ومتحولة على إيقاع مجموعة من المدائح الروحية والتأملات الجمالية ، وهكذا تبدو اللوحات متجانسة في انتظار تفاعل المتلقي وتجاوبه المتوقع مع هذه التجربة الفنية المفتوحة على عدة قراءات و تأويلات.
منذ الوهلة الأولى ينهض المقام الحروفي للفنان التشكيلي خالد بيي ( مواليد 1974 بآسفي) كهندسة روحية تحدث عنها المتصوف فريد الدين العطار في مؤلفه « منطق الطير » وخصها بسبعة مدارج عليا وسمها بالأودية وهي : وادي الطلب، وادي العشق، وادي المعرفة، وادي الاستغناء، وادي التوحيد، وادي الحيرة ثم وادي الفقر والفناء.
فلوحاته المقاماتية تتجاوز بكثير سلمية الكاليغرافيا المدرسية لتنخرط في مشروع جمالي يتخذ من الإبدال الحروفي وحدة شكلية وبنية جمالية تتماهى مع إيقاعات الألوان والأشكال. فكل لوحة مسلك أيقوني لا مبتدأ له ولا منتهى. فأن تدرك نهايته معناه أن تتلاشى مسيرتك وتصبح مجرد قطرة ماء داخل خضم… إن المعالجة الأسلوبية للحرف في أعمال خالد بيي تنتصر للإشارة لا العبارة وللشذري لا الكلي وللمرئي البصري لا المقروء اللغوي.
المتلقي الجمالي لبنياته الحروفية يستدعي على التو حكمة النفري : « وقال لي الحرف يعجز أن يخبر عن نفسه ، فكيف يخبر عني؟ ». إن الحرف في معجمه البصري شكل في شكل وحياة في حياة ولغة في لغة. ما يدعونا لرؤيته خالد بيي مواقف تشكيلية ومخاطبات روحية ورموز وإشارات، عبرها يستمد المبنى الكلي روحه من المسافة الفاصلة بين النطق والصمت. فهل نحن أمام برزخ فيه قبر العقل وقبور الأشياء. لقد استبعد الفنان تصوير المشاهد الطبيعية والكائنات الوجودية، مشتغلا على الروح بالمفهوم العرفاني للكلمة. يقول جلال الدين الرومي في هذا المقام : « إن الروح التي ليس شعارها الحب الحقيقي من الخير ألا توجد، فليس وجودها سوى عار. كن ثملا بالحب، فإن الوجود كله محبة، وبدون التعامل مع الحب فلا سبيل إلى الحبيب ». هذا الحب هو الذي يشكل جوهر روحانية الحروف وينزاح عن كل مفارقة بين الصوت والأثر. إن الحرف من منظور خالد بيي روح المعنى لا جسده، من هنا سلطته الرمزية وبلاغته المعنوية. فالحرف ظل دائما ملازما لصمت السبب ( الكشف أو الفيض ) كما جاء في مأثور الرسالة القشيرية. خارج أي تقعيد نظري أو مخطط قبلي، تبنى هذا الفنان الباحث فلسفة جماعة « البعد الواحد » بالعراق وأسس مشروعه التشكيلي على إفراغ العلامة اللغوية من مدلولها الحرفي كما بادر إلى توزيعها في صيغة مقطوعة موسيقية متعددة الإيقاعات والتنظيمات الصوتية. كل لوحة عبارة عن تركيبات لونية وشطحات حركية غير مقيدة بأي تنويع زخرفي أو تشذير معماري. فالفنان خالد بيي، خريج المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدارالبيضاء سنة 2001، يعتبر أول من دشن برمجة الخط المغربي على الحاسوب وهو من القلائل الذين تعاملوا مع البنية الحروفية كبعد ثان ( سند اللوحة) وكبعد ثالث ( سند المنحوتة )، مدركا أن الإبداع الحقيقي مجرد سينوغرافيا بصرية تحتفي بلغة الألوان ذات الحركات الجامحة. يروم الفنان إلى سبك جمالية عميقة بصرا وبصيرة هاجسه التشكيلي هو تأثيث مشهدية أيقونية تحتضن آثار ذاكرته الجمالية وخيالاته المستعادة إلى جانب طوافاته دائمة البحث والترحال.
حين نبصر لأول مرة أعمال خالد بيي نخال أننا بصدد لعبة التصوير والبصر الثاقب، أي بين الخيال والتثبيت المجازي والشذري للحواس والمعاني. احتك خالد بيي بكل مدارات المعرفة البصرية وخبر كل أساليبها وتوجهاتها، فكان ولا يزال مفردا بصيغة الجمع ( مصمم ديكور، مصمم غرافيكي، نحات، خطاط، فنان تشكيلي…). عانق الحداثة البصرية من خارج دوائرها الاستهلاكية ونزعاتها التجارية وفك بالتالي العزلة المفتعلة بين الفنون الإبداعية كما حاول حسم علاقتنا الملتبسة والفقيرة بالصورة على مستويي التلقي و التفكير. فعلى عكس بعض الأعمال الحروفية التي كلما ازداد استهلاكنا لها قل تفكيرنا الجمالي فيها، إن لوحات خالد بيي كلما ازداد تلقينا لمقاماتها البصرية كلما تعمقت مراقي تفكيرنا بها وفيها وحولها. لا نبالغ إذا أكدنا بأن الفضاء الوسائطي الذي يقوم بتدبير تخومه خالد بيي يساهم بشكل بليغ في تجديد وعينا البصري داخل عالم الصورة الذي نحيا باستعاراتها اليوم أكثر من الأمس.
تشكل تجربة الفنان خالد بيي المغامرة والمجددة أفقا جديدا في خرائطية التشكيل المعاصر بالمغرب، فقد تكبد حرقة الغربة المكابرة بالدارالبيضاء التي أقدم إليها من مدينة أكادير ليقاوم على غرار الكثير من المبدعين الصاعدين من مجايليه كل أشكال المحو والحصار والقتل الرمزي… فحافظ بكبرياء جنوني على كلية نشاطه الإبداعي إنسانا وفنانا… بدقة ومهارة غير مشهودتين، أضفى خالد بيي على أعماله التصويرية دينامية داخلية ومسحة شاعرية تتغنى بذاكرة الحروف وبحياتها المتجددة. ظل خالد بيي مخلصا لثقافة العرب والإغريق معا التي رأت إلى العمل الفني كصنعة وكمديح لليد ( نتذكر في هذا الصدد حكم الفيلسوف الروماني فوسيون ). فهل ما يقدمه خالد بيي إنشاد مجازي لتماهي الكائن مع الكينونة؟ هل نحن في حضرة البرزخ التي تحدث عنها ابن عربي وجعل منها معادلا موضوعيا لحضرة الخيال والمتخيل؟ ما سر هذا الإشباع الدلالي الذي يسكن أرواح اللوحة ويصالح بين مقامها الإنساني ومقامها المتعالي؟ الأكيد أن خالد بيي يرسم بدقة العارفين المتمكنين من كيمياء مادة التصوير، مندمجا روحا وجسدا في عوالمه البصرية ومحررا قواه الإبتكارية الداخلية كي تتشاكل مع انفعالاته البصرية وتتحول بدون قيد أو شرط إلى حفل للمحسوس والمعقول.
شكرا لك، أخي خالد بيي، على هذا النداء الغيري والفتان الذي ارتضى التعالي والأفق العمودي الوهاج مسلكا ملكيا للمعرفة. فبك ومعك نعيش مجددا فرحة الاكتشاف وأثر جغرافية حروفية بلا تخوم. إنك تنصت لنوابضك الداخلية ولملكاتك التخييلية وتردد مع النفري :
لم يبق لي وطر، لم يبق لي خطر فقد تجاوزت أوطاري وأخطاري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.