يمثل الاستفتاء على استقلال جنوب السودان يوم الأحد المقبل بداية اختبار جديد للدبلوماسية الأمريكية في المنطقة والتي يقول محللون إنها قد تعرض الرئيس الأمريكي باراك أوباما لوضع يشبه ما حدث في رواندا إذا ما اندلع العنف في أعقابه. ويشعر المسؤولون الأمريكيون بتفاؤل حذر بشأن الاستفتاء المتوقع أن يقود إلى انفصال جنوب السودان عن شماله ليشكل دولة مستقلة في إطار الخطوة الأخيرة من اتفاق السلام الموقع عام 2005 الذي أنهى واحدة من أعنف الحروب الأهلية في إفريقيا. وقال جون برندرجاست من (ايناف بروجكت) المناهض للإبادة الجماعية الذي حذر في يوليو تموز من أن أوباما قد يواجه لحظة تشبه تلك التي واجهها الرئيس الأسبق بيل كلينتون بعد ما حدث في رواندا «الأشهر الستة التالية على الاستفتاء هي الأكثر خطورة». وقال كلينتون أن الشيء الرئيسي الذي يندم عليه خلال فترة رئاسته هو فشله في منع مذبحة قتل فيها 800 ألف شخص في صراع رواندا. وفي السودان سيكون إجراء استفتاء يعتد به أمرا مرحبا به في واشنطن التي كثفت الضغوط في الأشهر القليلة الماضية محاولة تفادي العداء بين الحكومة المركزية في الخرطوم وزعماء جنوب السودان في جوبا. لكن المسؤولين بدوا أقل وثوقا فيما يتعلق بالمرحلة المقبلة وستة أشهر انتقالية صعبة تنفصل فيها الدولتان وكيف يمكن لواشنطن أن تساهم في تحقيق السلام بين جانبين يفرقهما منذ فترة طويلة الدين والعرق والفكر وايرادات النفط. ولم تحسم بعد قضايا رئيسية ومنها الحدود والمواطنة وتقسيم إيرادات النفط وأي منها يمكن أن يفجر عمليات إراقة دماء يحذر البعض من أنها قد تصل إلى مستوى مذبحة رواندا عام 1994 إذا ما اتسع نطاقها إلى حرب شاملة. وقال برندرجاست «الولاياتالمتحدة ستلعب دورا رئيسيا أيا كانت النتيجة. بانتهاج سياسات ذكية تقوم على المبادئ إلى جانب المشاركة الشخصية يمكن للرئيس أوباما المساعدة في إحداث الفرق بين الحرب والسلام في السودان». وأكد أوباما على اهتمامه الشخصي بالسودان لكن طوال عامه الأول في الرئاسة بدت السياسات متخبطة إذ تبنى مسؤولون أمريكيون سياسات متباينة. وعمل سكوت جريشون مبعوث أوباما للسودان على تحسين الروابط مع حكومة الرئيس عمر حسن البشير المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب وإبادة جماعية تتعلق بقمع تمرد بدأ عام 2003 في منطقة دارفور في غرب البلاد. وتعرض جريشون لانتقادات بأنه يتعامل بلين شديد مع الخرطوم التي مازالت ترزح تحت وطأة عقوبات من الولاياتالمتحدة والأمم المتحدة ويتوقع المنتقدون مشكلات في جنوب السودان المنتج للنفط إذا ما جاءت نتيجة الاستفتاء في صالح الانفصال. وفي منتصف عام 2010 زادت واشنطن تدخلها بقوة بعرضها حوافز جديدة على الخرطوم منها تطبيع للعلاقات في نهاية المطاف إذا ما سمحت الخرطوم بإجراء الاستفتاء وأرسلت واشنطن الدبلوماسي المتقاعد برينستون ليمان ليقود بنفسه المحادثات بين الشمال والجنوب. وقال مايكل ابراموفيتز مدير لجنة الضمير التي توجه جهود مكافحة الإبادة الجماعية بالمتحف التذكاري الأمريكي للمحرقة النازية «الإدارة ترى ذلك باعتباره موقفا وقائيا. وتعتقد أن التعامل بنشاط في وقت مبكر قد يحول دون وقوع أعمال عنف باهظة الثمن في المستقبل». ومع تعهد البشير باحترام نتيجة استفتاء يوم الأحد يقول المسؤولون الأمريكيون إن الاستثمار الدبلوماسي بدأ يؤتي ثماره على الأقل حتى الآن. وقال بي.جيه كراولي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية «نحن نعتقد أنه تم توجيه الإشارات الصحيحة سواء للجنوب أو الشمال فيما يتعلق بالاستفتاء المرتقب واحترام نتائجه». وأقر بأن «الطريق مازال صعبا» لتسوية الخلافات القائمة بين الجانبين. وقالت جنيفر كوك مديرة برنامج إفريقيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن إن الولاياتالمتحدة تواجه تحديات ضخمة في حل الخلافات العالقة بين الجانبين خاصة فيما يتعلق بمنطقة ابيي المنتجة للنفط المتنازع عليها والتي يخشى كثيرون أن تمثل احد التهديدات الرئيسية للسلام الدائم. وقالت كوك «هناك ميل في بعض الدوائر للمبالغة في تقدير التأثير الأمريكي على الوضع فيقولون إن هذه هي مذبحة أوباما - رواندة أوباما- وهذه هي الخسارة التي ستتكبدها إدارة أوباما. يتعين أن نتواضع بعض الشيء بشأن ما يمكن للولايات المتحدة عمله ومالا لا يمكنها عمله». وقال ريتشارد ويليامسون المبعوث الأمريكي للسودان في عهد الرئيس جورج دبليو بوش وهو الآن زميل بمعهد بروكينجز «أعتقد أننا سنجتاز الاستفتاء بمشقة وسيكون هناك ميل لدى وسائل الإعلام لان تقول أن الاستفتاء كان ناجحا. وسيكون ذلك مؤسفا وخاطئا لان العمل الصعب الحقيقي سيكون في الأشهر الستة التالية». وقال ويليامسون إن إدارة أوباما التي تؤكد حتى الآن على مكافأة الخرطوم على سلوكها الطيب بدلا من معاقبتها على سلوكها السيئ يتعين عليها أن تؤكد على عواقب أي انتكاسة. وتابع «يجب أن تكون لدينا دبلوماسية حقيقية فالحوافز (وحدها) ليست دبلوماسية حقيقية». ومضى يقول «يجب أن يكون هناك وضع تفاوضي أكثر تقليدية وواقعية ويناقش الجميع أبعاد الصعوبات التي يمكن أن تواجههم».