قال الكاتب والناقد السينمائي المغربي خليل الدامون، إن المهرجان الوطني المقبل للسينما، الذي يعقد خلال شهر فبراير 2018 سيشهد طفرة كمية على مستوى الإنتاج السينمائي سيصل الى عرض35 فيلما مغربيا. رقم يرى فيه الرئيس السابق للاتحاد الإفريقي لنقاد السينما مؤشرا غير كاف للقول إن السينما المغربية بخير، رغم أنه تجاوز المعدل السنوي، الذي لم يكن يتجاوز انتاج ما بين 20 و22 فيلما طوال العام. في هذا الحوار يسلط الرئيس السابق للاتحاد الإفريقي لنقاد السينما، الضوء على راهنية الحركة السينمائية المغربية ورهاناتها المستقبلية انطلاقا من التحديات التي تطرحها اليوم تعبيرات الصورة . كيف ينظر الناقد السينمائي خليل الدامون إلى واقع الحركة السينمائية المغربية اليوم على ضوء معدل الإنتاجات السنوية وديناميات الحركة المهرجانية في المغرب؟ اعتقد أن دينامية الإنتاج السينمائي المغربي عرفت تطورا كبيرا إذا ما حاولنا قياس الوضع السينمائي بعدد الأعمال التي سنشاهدها خلال المهرجان الوطني المقبل، وإذا كنا مرتاحين لهذه الدينامية الكمية التي تشهدها سنة 2017 على مستوى الانتاجات السينمائية، فهذا لا يعني القول إن حال السينما المغربية بخير، لأننا حينما نخوض في موضوع جودة الأعمال الإبداعية بعيدا عن الكم ونخضعها للتقييم النقدي، فان مواصفات الفيلم المطلوب للجمهور، الذي يحترم شروط الصناعة السينمائية يجرنا الى مسألة قيمة الكم إذا لم يوازي الكيف الإنتاجي. وهذا واقع عشناه داخل لجنة اختيار الأفلام السينمائية السنة الماضية، لقد وجدنا صعوبات كبيرة في اختيار خمسة عشر فيلما من أصل واحد وعشرين فيلما قدمت إلى لجنة الاختيار وفي غياب شروط الجودة التي يتطلبها العمل السينمائي انتقلت اللجنة إلى محاولة اختيار على الأقل ثمانية أفلام، ورغم ذلك وجدنا صعوبة في الاختيار وفرز أفلام جيدة. معايير الجمهور والنقاد أليس هذا راجع بالأساس إلى طبيعة الآليات التي تحكم مقاربات الدعم المالي للجهات المانحة (المركز السينمائي المغربي) أم أنه اختيار يهدف الى الانفتاح على المخرجين الشباب والعاملين في المجال من أجل وضع حد لاحتكار قطاع الإنتاج؟ صحيح هناك اليوم انفتاح كبير على المخرجين الشباب، على اعتبار أن التطور التقني والتكنولوجي أصبح مساعدا على انجاز أفلام سينمائية، لكن هذا الانفتاح ليس كافيا في غياب مواصفات الفيلم المقبول، الذي يريده الجمهور ويستجيب لمعايير الناقد السينمائي، لهذا طالبنا كنقاد منذ خمس سنوات بضرورة وضع آليات تحد من تهافت المخرجين على دعم المركز السينمائي المغربي، وبالمقابل يجب تطوير ميكانيزمات الدعم حتى تساهم في الرفع من جودة الأعمال الفنية للمساهمة في إغناء الخزينة السينمائية بأعمال قادرة على خوض المنافسة وطنيا وعربيا ودوليا وتستجيب لتطلعات جمهورها المغربي. ما هي أهم أسباب أزمة الصناعة السينمائية في المغرب؟ هناك اقتناع لدى جميع المتدخلين أن الصناعة السينمائية تحتاج إلى تأهيل ورعاية وهنا لا بد أن أشير إلى انخراط المركز السينمائي المغربي منذ سنتين في تنظيم اقامة ورشات تدريبية خاصة للذين حصلت أعمالهم على الدعم السنوي تهدف الى تكوينهم وتطوير كفاءاتهم على يد خبراء وكفاءات عالية في مجال الصناعة السينمائية لتدارك النقص الحاصل في الرؤية الفنية التي تهم مكونات الجمالية والفنية لكن هناك عوامل أخرى يجب الإشارة إليها في مسار رحلة صناعة الفيلم المغربي وتفاعلاته مع المحيط تهم التوزيع وواقع دور السينما، التي تعيش اليوم أسوأ أيامها بسبب التزايد المستمر في إغلاق القاعات السينمائية وهذه دورة غير طبيعية تهدد العاملين في القطاع السينمائي. السينما هي قاعات وأفلام موجهة للجمهور وفي غياب القاعات فان مصير الأفلام تبقى في الرفوف وانتظار المهرجانات آو التلفزيون إن حصلت على تأشيرة العبور. لكن رغم ذلك نسجل أن هذه المعيقات والإكراهات لم تمنع من تحقيق نجاح أعمال سينمائية جيدة لمخرجين شباب سطع نجمهم في عالم السينما، وتمكنوا من تقديم أعمال تتوفرعلى مواصفات عالية ومقومات الجمالية والإبداعية. نذكر منهم المخرج حكيم بلعباس والشريف الطريبق وفوزي بنسعيدي ومحمد مبتكر، هذا الأخير أخرج فيلما رائعا «جوق العميان» للأسف لم يعرض في التلفزيون المغربي لحدود الساعة بمعنى أن الأعمال الجادة تعترضها صعوبات لا تساعد على اكتمال الدورة السينمائية بشكل عادي. الحديث عن الدورة السينمائية في تفاعلها مع محيطها يحيلنا الى زمن السينما، كيف يفسر الاستاذ الدامون ما سماه بالدورة غير الطبيعية في حياة السينما المغربية اليوم؟ عاشت السينما المغربية فترة ذهبية خلال ثمانينات القرن الماضي، تميزت بالإقبال الكبير للجمهور على دور السينما لمشاهدة الفيلم السينمائي، ولعبت الصحافة الوطنية ومختلف وسائل الاعلام دورا رياديا في نشر ثقافة الفن السابع عكسته صفحات خاصة للسينما وبرامج السمعي البصري وكان للأندية السينمائية كفضاءات مدنية فضل كبير في نشر الثقافة السينمائية والانفتاح على تعبيرات الصورة ورسائلها. هل هناك غياب لسياسة وطنية للنهوض بالمشهد السينمائي المغربي؟ أكيد هناك أزمة أعمق تهم السياسة التعليمية في المغرب، التي تتخبط مناهجها ورؤيتها في مقاربات إصلاحية لا تتجاوز لحدود الساعة سوى كيفية التغلب على البنيات التحتية، وسد الخصاص على مستوى الموارد البشرية ووضع رتوشات إصلاحية على مستوى المناهج التريوية.في حين تضل المؤسسات التعليمية بعيدة كل البعد على نوافذ القيم الجمالية والإبداع التي تعكسه الصورة وهناك من ينظر إلى الصورة خارج بنيات المعرفة في حين أن الصورة يمكنها أن تكون قاطرة الثقافة . هذا الوضع يسائل المسؤولين عن معنى السياسات العمومية، خصوصا عندما تجد وزارة الثقافة المغربية لا تتوفر حتى على قسم وزاري يهتم بالشأن السينمائي في حين تجدها تهتم بالحركة المهرجانية الفنية والمسرحية والأدب. غياب الأفلام الوثائقية أصبحت مجموعة من المهرجانات السينمائية المغربية تولي اهتماما خاصا للفيلم الوثائقي بالمقابل لازال هذا النوع من السينما غائبا على التلفزيون المغربي ولا يحظى بالاهتمام الكافي من الجهات المشرفة على القطاع كيف تنظرون اليوم الى واقع ومستقبل الإنتاج الوثائقي بالمغرب؟ أولا عندما نتحدث عن سينما الفيلم الوثائقي لا بد من التذكير أن هذا النوع من السينما انطلق في نهاية الستينيات من القرن الماضي مع مجموعة من الرواد نذكر من بينهم سي أحمد البوعناني وعبداللطيف لحلو ومحمد التازي،لكن نظرا لخاصية الفيلم الوثائقي الذي تغيب فيه الدراما جعلت المغرب يتجه نحو الأفلام الروائية الأمريكية والمصرية في اتجاه سينما المؤلف. بالإضافة إلى ذلك يمكن القول إن الفيلم الوثائقي رغم أنه يتميز بخصائص ومميزات عديدة تهتم في جوهرها على التنقيب والبحث على قضايا ومواضيع اجتماعية تقف عند الوثيقة ومنطق الاستقصاء والشهادات التي تبرر خطاب الحكاية فهو يتطلب كلفة مادية كبيرة احيانا تبرر ابتعاد التلفزيون عنه ولكن الاهم في هذا النوع من السينما يحتاج الى مساحة شاسعة للحرية وهذه العوامل تجعل الطريق غير معبدة لمغامرة التلفزيون والرأسمال في خوض مغامرة إنتاج فيلم وثائقي مردوديته المادية محدودة وهو غير مربح. وبالرغم من هذه العوامل والاكراهات التي تحاصر الفيلم الوثائقي، نسجل في السنوات الأخيرة اهتماما خاصا لجيل جديد من المخرجين الشباب أمثال حكيم بلعباس والشريف الطريبق وطارق الادريسي، الذي أنتج ثلاثة أفلام وثائقية تهم حرب الريف ( شمال المغرب) وقضايا مجتمعية أخرى. في المقابل نلاحظ أن بعض المهرجانات المغربية كمهرجان مدينة خريبكة للسينما الإفريقية ومهرجان اغادير كلها أصبحت تقترب أكثر من سينما الفيلم الوثائقي وهناك من يتجه الى التخصص في تنظيم تظاهرات وطنية ودولية خاصة بالوثائقي كما هو الحال اليوم في مهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي الذي يشق طريقه بثبات نحو الاحترافية. وهناك معطى أساسي يجب أن يستوعبه المهتمون بعالم السينما وخصوصا الشباب الذين يتجهون إلى عالم إخراج الفيلم الروائي، أدعوهم الى خوض غمار تجربة الفيلم الوثائقي، لأنه يعتبر مدخلا جيدا للتمكن من صناعة الفيلم الروائي. وخلاصة القول هو أن هذا النوع من السينما ذات الأبعاد الثقافية يحتاج الى دعم وتشجيع يتجاوز المساحات الحالية التي نشاهد فيها الوثائقي (مهرجانات – جامعات) إنه رأسمال ثقافي لتطوير البحث عن أساليب التعبير والاستقصاء والتنقيب في مواضيع إنسانية. تابعتم فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي وكنتم من أعضاء لجنة التحكيم المسابقة الرسمية التي تبارت خلالها 10 أفلام وثائقية حول جائزة ابن بطوطة؟ أولا نهنئ اللجنة المنظمة على نجاحها في اختيار أفلام وثائقية مميزة احترمت معايير وخصائص الصناعة الوثائقية من حيث أسلوب الكتابة أو تقديم الشهادات الوثائقية لتصريف الخطاب دون أن نغفل مضامين القضايا التي تناولها المخرجون تيمات لها راهنتيها ووقعها في حياة المجتمعات. لكن هناك بعض الملاحظات الفنية التي يجب أن ينتبه إليها المنظمون في مهرجان الفيلم الوثائقي وهي ملاحظة تهم جميع المهتمين بتنظيم تظاهرات الفيلم الوثائقي، علينا ان نفرق بين الفيلم الوثائقي التلفزيوني والفيلم الوثائقي السينمائي نظر لاختلاف ظروف ومناخ اشتغالهما فلابد من استحضار اكراهات التي تحكم الإنتاج التلفزيوني والقيود التي يفرضها انطلاقا من خلفياتها وخطها التحريري وأحيانا المرتبطة بالجانب المادي.وهي العوامل التي لا تحكم عمل إنتاج الفيلم السينمائي الوثائقي المتحرر من الضغوطات المشار إليها. لذا أرى أنه من باب الإنصاف يجب تنظيم مسابقتين واحدة للفيلم الوثائقي التلفزيوني والثانية للفيلم الوثائقي السينمائي لأن تقنيات الكتابة ومناخ العمل الذي يؤطر المجالين مختلف ومن اجل الإنصاف كذلك. شهدت حركة النقاد السينمائيين تحولات متعددة أبرزها ميلاد ظاهرة الصحافة النقدية التي أصبحت حاضرة بقوة في تتبع الأعمال السينمائية ومواكبة الحركة المهرجانية للسينما، سواء في المغرب او على المستوى العربي كيف تنظرون لتطور الحركة النقدية ودور الصحافة النقدية؟ أمر محمود ولا يتعارض مع الأهداف النبيلة التي تساهم في التعريف بالأعمال السينمائية ونشر الثقافة السينمائية هذا تطور ايجابي وقد أشرت سابقا إلى دور الجرائد الوطنية خلال ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي كانت تخصص صفحات وأحيانا ملفات خاصة لكن يبقى الصحافي دائما محكوما بزاوية معالجة محدودة تحكمها اكراهات العمل اليومي فهو يقوم بنشر تغطية صحافية للحدث وأحيانا يجري حوارات ويكتب مقالات تحليلية نقدية لكنه لا يبتعد عن رؤيته الصحافية وهو الأمر الذي لا يخضع له الناقد السينمائي الذي يأخذ وقتا كافيا لكي يبني رؤيته النقدية ومتعته تبدأ بالمشاهدة ثم المشاهدة أي أنه يعيش حياة الفيلم ويعيد مشاهدتها وله أدواته المنهجية المتعددة في تقييم الأعمال السينمائية وكتاباته تكون عميقة تتجاوز الصفحة كما أن الناقد السينمائي اليوم في المغرب أصبح حاضرا في قلب البنيات المؤسساتية لقطاع السينما له رأي وحكم وموقف بالإضافة إلى ذلك تواجده في المهرجانات السينمائية لا غنى عنه فهو «ترمومتر» لقياس النجاح والإخفاق وهناك اختلافات كبيرة بينه وبين الصحافي الناقد لكن يبقى دور الصحافي قيمة مضافة لعالم الفن السابع.