تميزت سنة 2010 على المستوى الاقتصادي بإطلاق عدد من المشاريع التي شكلت نوعا من الاستعداد للخروج من ظلال الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي تواصلت تأثيراتها السلبية على العديد من القطاعات وما تلاها من ركود وتراجع في النشاط الاقتصادي والتجاري منذ 2008، كما عرفت مواصلة نوعية لمشاريع أطلقت من قبل، وأحداثا بارزة من شأنها أن تشكل منعطفا نوعيا في المسيرة الاقتصادية الوطنية. فقد بدأت العديد من المؤشرات في تسجيل تحسن ملحوظ ما فتئ يتواصل سواء على مستوى نمو نشاط القطاعات التي تضررت من الأزمة، أو على صعيد المبادلات التجارية للمغرب مع الخارج، أو فيما يخص تنقيط الدولي للمغرب، وذلك على الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط الخام وكذا ارتفاع معدل صرف الدولار شكلا ضغطا كبيرا غير متوقع على صندوق المقاصة الذي استنفذ، في نهاية النصف الأول من السنة الجارية فقط، حوالي 90 في المائة من الغلاف المالي المخصص له برسم القانون المالي 2010 والبالغ 14 مليار درهم. ومما يمكن تسجيله في هذا الصدد مواصلة المجمع الشريف للفوسفاط وتيرة نموه المدعم. وهكذا درت مبيعات الفوسفاط ومشتقاته، عند نهاية أكتوبر 2010 ،ما يقارب 29.3 مليار درهم، أي بزيادة 87.2 في المائة حسب المقارنة السنوية، حيث سجلت هذه المبيعات انخفاضا بنسبة 67.9 في المائة سنة من قبل. كما أنهت المبادلات التجارية للمغرب مع الخارج الشهور العشرة الأوائل من السنة الجارية بمعدل تغطية الصادرات للواردات في حدود 74.6 في المائة أي بتحسن ب1.9 نقطة عما كان عليه من قبل، وهو نمو يتوقع أن يتواصل إلى نهاية السنة،هذا فيما تحسنت الموجودات الخارجية الصافية منذ شهر يوليوز الماضي وخاصة منذ شهر أكتوبر تحت تأثير عملية تسديد الدين العمومي للخزينة لدى السوق المالية الدولية والذي بلغ مليار أورو،حسب مديرية الدراسات والتوقعات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية. في ذات السياق الإيجابي سجل قطاع البناء والأشغال العمومية «دينامية إيجابية» حيث لم تتراجع مبيعات الإسمنت ، وهي مقياس نشاط هذا القطاع،عن نفس مستوى السنة الماضية،وسجل مؤشر الإنتاج في الصناعات التحويلية ارتفاعا بنسبة 2.6 في المائة لينهي الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية بنمو بلغ 1.7 في المتوسط. أما الموسم الفلاحي 2010-2011 فيمر في ظرفية ملائمة على مستوى الإمكانات المائية الناجمة عن التساقطات الأخيرة. إذ بلغت المساحات المزروعة بالحبوب الخريفية 1.8 مليون هكتار بزيادة نسبتها 36 في المائة عن الموسم السابق،حسب المصدر المذكور. وتميزت السنة التي نودعها بتسجيل الوكالة الدولية للتنقيط «ستاندار أند بورز» أن المغرب تمكن من تقليص مستويات العجز العام مما مكنه من تقليص المديونية والوصول الى مستويات الدول المصنفة في «درجة الاستثمار» ،وهو ما يعني التحاق المغرب بمجموعة تتضمن حوالي 70 دولة, تستفيد من هذا التصنيف. فالهدف الذي حققه المغرب والمتمثل في التقليص من مستوى الدين العمومي يعد، حسب مسؤولة بالوكالة، ثمرة للجهود التي يبذلها منذ عدة سنوات ولا سيما خلال السنة الماضية التي تميزت بالأزمة الاقتصادية العالمية. في هذا السياق اعتبر المدير العام للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات، فتح الله السجلماسي، أن المغرب تمكن من استقبال الاستثمارات في عدة مجالات هامة, خاصة تلك المتعلقة بالمهن العالمية الأربع المتمثلة في الأوفشورينغ وصناعة الطيران والإلكترونيك وصناعة السيارات, مشيرا في هذا السياق إلى أن المغرب يتميز بتنافسية قوية على مستوى الكلفة وصلت إلى أقل من 35 في المائة من التكاليف الإجمالية للمهن الأربع العالمية الموجهة للاستثمارات المباشرة. غير أن تقريرا لوزارة الاقتصاد والمالية صدر قبل نهاية السنة لا يسمح بتفاؤل كبير على هذا الصعيد. فقد كشف هذا التقرير أن التراجع الحالي في مستوى النشاط الاقتصادي بالاتحاد الأروبي لا يبعث على التفاؤل بالنسبة لحجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي ينتظر أن تتدفق على المغرب خلال السنة القادمة. واعتبر التقرير أن الأزمة العالمية وضرورة الحفاظ على مناصب الشغل ووتيرة نمو الاقتصاد دفعت فرنسا وبلدان أروبية أخرى إلى تبني خيار تحويل جهودها نحو تشجيع مقاولاتها بشتى الوسائل على الاستثمار محليا ووقف برامجها لتوطين مشاريعها خارج بلدانها الأصلية، مشيرا إلى ان هذا التحول، ينضاف إلى الأزمة التي تعيشها إسبانيا، وهي ثاني شريك للمغرب في مجال الاقتصاد والاستثمارات، سيضعف من تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو المغرب. وربط المصدر ذاته نمو هذه الاستثمارات بتطور النشاط الاقتصادي العالمي وخاصة الشركاء الأوائل للمغرب. ومن مميزات سنة 2010 كذلك بلورة قانون مالي للسنة الجديدة واصلت من خلاله الحكومة ،حسب وزير الاقتصاد والمالية، التوجه في اختياراتها المتعلقة بدعم النمو وتشجيع الاستثمار العمومي لمواجهة آثار الأزمة ومواكبة متطلبات الاقتصاد الوطني.وقد ركزت الحكومة على الجوانب التي تتحكم فيها ومنها دعم النمو الداخلي وتنويع مصادره واستغلال الهوامش التي يتيحها لتوظيفها في تدبير مخلفات الأزمة الاقتصادية العالمية. كما استهدف القانون المالي مواصلة تشجيع الاستثمار العمومي, عبر اعتماد آليات جديدة, كصندوق دعم الاستثمارات الذي سيتم تمويله ب50 بالمائة من مداخيل تفويت حصص من رساميل المؤسسات العمومية, لتعبئة التمويلات الضرورية لمواكبة الاستراتيجيات القطاعية وحاجيات الاقتصاد الوطني.كما جاء هذا القانون بجديد يتمثل في إحداث «القطب المالي للدار البيضاء» كمنطقة مالية دولية, تكريسا لمستوى التطور الذي عرفه السوق المالي الوطني الذي شهد مجموعة من الإصلاحات مكنته من لعب دور هام في مجال تعبئة الادخار, وتوفير أدوات تمويل متنوعة لفائدة الفاعلين الاقتصاديين بالشكل الذي يدعم مجهود الاستثمار ، كما أظهر مؤشرات تؤكد مستوى النضج الذي وصل إليه كحجم القروض الموزعة الذي أصبح يناهز 641 مليار درهم في غشت 2010, ورسملة البورصة التي تتعدى 546 مليار درهم, وصافي أصول قطاع هيئات التوظيف الجماعي الذي بلغ 219 مليار درهم, ومعدل الادخار الذي أصبح في حدود 31 في المائة. وكتكريس لمستوى التطور الذي عرفه السوق المالي الوطني أصبح هذا القطاع يطمح للعب دور محوري على المستوى الإقليمي معززا بذلك تمركزه وإشعاعه كقطب مالي ذي بعد إقليمي ودولي, وكذا مكانة المغرب كوجهة إقليمية لتدفق الاستثمارات خاصة منها الأجنبية. على مستوى آخر تميزت السنة ببلوغ العقد البرنامج بين الحكومة وشركات التأمين وإعادة التأمين مرحلة النضج والتوقيع عليه بعد سنوات من التردد. وعرفت السنة التي نودعها وضع الاستراتيجية الوطنية لتنمية التنافسية اللوجيستيكية التي جاءت لاستكمال الاستراتيجيات القطاعية التي سبق وضعها من أجل تحقيق « تنافسية شاملة « والرقي بالاقتصاد المغربي إلى مستوى أفضل المعايير الدولية. هذه الاستراتيجية الجديدة تروم، حسب الحكومة،جعل نقط التنافسية التي تم كسبها في الاستراتيجيات القطاعية تنضاف إلى نقاط التنافسية التي تم تحقيقها في الاستراتيجية اللوجيستيكية وذلك من أجل تحقيق «إنجاز شامل, يمكن من الدفع بتنافسية الاقتصاد الوطني إلى أبعد مدى». وبلغة الأرقام, ستتيح الاستراتيجية اللوجيستيكية كسب 0.5 نقطة من الناتج الداخلي الخام سنويا, أي 5 نقط على مدى السنوات العشر المقبلة, وهو ما يعادل خلق ثروة تقدر بحوالي 20 مليار درهم كقيمة مضافة مباشرة, و40 مليار درهم إذا ما أضيفت القيمة المضافة غير المباشرة.وستمكن هذه الاستراتيجية أيضا من تقليص كلفة اللوجيستيك من 20 في المائة من الناتج الداخلي الخام إلى 15 في المائة. وعلى نفس المنوال تمت بلورة استراتيجية وطنية لتنمية قطاع السياحة تمتد إلى 2020. وهكذا عرفت المناظرة الوطنية للسياحة المنعقدة في نونبر الماضي تقديم الخطوط العريضة ل «رؤية 2020» التي تأتي لضمان استمرارية وتعزيز إنجازات « رؤية 2010 « ، وتحديد أهداف جديدة مع التركيز على محورين أساسيين بالنسبة للعشرية المقبلة يتمثلان في تدعيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، وإدراج مفهوم جديد يكمن في التنمية الجهوية المستدامة. كما تهدف « رؤية 2020 « إلى تعزيز موقع المغرب كوجهة دولية ، وجعل إنعاش السياحة الداخلية والسياحة العائلية ، من بين أولوياتها. كما تروم مضاعفة حجم القطاع السياحي ، مما سيجعل المغرب من بين الوجهات السياحية العشرين الأولى في العالم ، وخلق ست جهات سياحية جديدة مع إحداث 200 ألف سرير سياحي جديد ومضاعفة عدد السياح الوافدين إلى المغرب مرتين ، وعدد المسافرين الدوليين ثلاث مرات، فيما سترتفع العائدات السياحية إلى 140 مليار درهم في أفق سنة 2020. وبخصوص الاستثمارات الكفيلة بإنجاز هذه الاستراتيجية الجديدة ، أعلن وزير السياحة والصناعة التقليدية عن ثلاثة تدابير أساسية تتمثل في إحداث الصندوق المغربي للتنمية السياحية بتمويل مشترك بين الدولة وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بغلاف مالي يبلغ 15 مليار درهم،والذي سيكون الهدف منه رسملة ما يقارب 100 مليار درهم بتمويل من طرف البلدان الصديقة والمؤسسات المالية، وتقديم منح مالية لدعم الاستثمار وتوجيهه نحو مناطق ناهضة أو أقل تنمية ، ورصد غلاف بمبلغ 24 مليار درهم من التمويل البنكي للمشاريع التي تعتبر استراتيجية في إطار «رؤية 2020». كما أوضح شريط تم عرضه خلال المناظرة أنه من المرتقب أن تصل مداخيل السياحة إلى حوالي 60 مليار درهم في متم 2010، كما سيصل عدد السياح إلى حوالي 9.3 ملايين سائح ، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بإنجاز متميز لا سيما وأنه سيحقق ، في ظرفية عالمية مطبوعة بالأزمة. ومن المشاريع الأخرى التي عرفتها سنة 2010 خروج القانون المتعلق بحماية المستهلك بالمغرب إلى حيز الوجود. هذا المشروع الذي يشكل، حسب متتبعين، قفزة نوعية في مجال حماية المستهلك باعتباره سيملأ فراغا كبيرا ظل يسم العلاقة بين المستهلك وبين الباعة ومقدمي الخدمات،فضلا عن تمكينه من تجاوز الثغرات التي تركها قانون الالتزامات والعقود، يهدف إلى إعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يقتنيها أو يستعملها،وضمان حمايته فيما يتعلق بالشروط الواردة في عقود الاستهلاك ولاسيما الشروط التعسفية والشروط المتعلقة بالخدمات المالية والقروض الاستهلاكية والقروض العقارية وغيرها، كما يحدد الشروط والإجراءات المتعلقة بالتعويض أو التعويض عن الضرر أو الأذى اللاحق بالمستهلك. وقبل نهاية السنة بأسابيع قليلة وقع المغرب والاتحاد الأوروبي على ثلاث اتفاقيات ستمكن من تعميق وتعزيز الوضع المتقدم للمغرب في علاقته من الاتحاد الأروبي. وتهم هذه الاتفاقيات مشاركة المغرب في البرامج الأوروبية, وتحرير المنتجات الفلاحية ومنتجات الصيد, فضلا عن اتفاقية يتم بموجبها إحداث آلية لتسوية النزاعات. وبموجب الاتفاقية الأولى سيكون بإمكان المغرب المشاركة في جميع البرامج الحالية والمقبلة للاتحاد الأوروبي المفتوحة أمام المغرب, تبعا للمقتضيات ذات الصلة المتعلقة بالمصادقة على هذه البرامج. أما الاتفاقية الثانية فتنص على التفعيل التدريجي لتحرير أكبر للمبادلات المتبادلة للمنتجات الفلاحية, والمنتجات الفلاحية المحولة والأسماك ومنتجات الصيد.ويندرج في إطار خريطة الطريق الأورو-متوسطية للفلاحة (خريطة طريق الرباط) التى تم تبنيها في نونبر 2005 خلال المؤتمر الأورو-متوسطي من طرف وزارء الشؤون الخارجية. وفي ما يتعلق بالاتفاقية الثالثة, التي تشكل آلية لتسوية الخلافات, فإنها تهدف إلى تجنب وتسوية أي خلاف يكتسي صبغة تجارية بين الأطراف الموقعة, من أجل التوصل, قدر الإمكان, إلى حل مقبول من طرف الجميع.وقد تم توقيع هذه الاتفاقيات في إطار أشغال الدورة التاسعة لمجلس الشراكة المغرب-الاتحاد الأوروبي الذي يعقد تحت الرئاسة المشتركة لكل من الطيب الفاسي الفهري وزير الخارجية والتعاون، وستيفن فاماكير نائب الوزير الأول ووزير الشؤون الخارجية البليجيكي الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأروبي.