دعا مولاي اسماعيل العلوي، رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية ورئيس مؤسسة علي يعته إلى إعادة تشييد الصرح السياسي بدءا بإعادة بناء اليسار المغربي. وقال إسماعيل العلوي، أثناء تقديم مؤلفه الجديد «النضال الديمقراطي في المغرب: رهانات الماضي وأسئلة الحاضر»، في رحاب المكتبة الوطنية بالعاصمة الرباط، أول أمس الأربعاء، «أعتبر أن الوقت قد حان لكي ننظر في أوضاعنا نحن الذين نلقب أنفسنا باليساريين في هذا المجتمع وفي هذه الحركة الوطنية، وذلك حتى نتمكن من لم شملنا على أسس واضحة تمكن من تسريع حركية هذا المجتمع نحو الأفضل»، متابعا أنه «حينما أتحدث عن اليسار، فالأمر لا يقتصر على الهيئات التي كونته فحسب، إذ من الممكن أن نجد يسارا في فئات أخرى غير متواجدة في الهيئات التي كانت تمثل اليسار في الماضي». وزاد العلوي، في اللقاء الذي سيره الأستاذ عبد الواحد أكمير، قائلا إنه «من الضروري أن نستفيد من تجارب الآخرين في هذا الباب، على اعتبار أننا لسنا وحيدين في هذا الكون، حيث سبقتنا شعوب أخرى، علينا أن نتمعن في تجاربها»، مذكرا في هذا السياق بالتجربة الصينية ودلالاتها، والتي قال إنه «يتوجب علينا أن ننظر فيما أتت به من إيجاب وسلب». وفي حديثه عن عنوان الكتاب، قال مولاي إسماعيل العلوي إنه تمت إضافة رهانات الماضي وأسئلة الحاضر إلى النضال الديمقراطي بالمغرب، مشيرا إلى أن المقصود بها هو الرهانات التي بادر إليها الشعب المغربي في الماضي والماضي القريب والتي تجلت، أساسا، في تحقيق استقلال الوطن، واستقلال قرار هذا الشعب، والذي تحقق بتضحية العديد من أبناء وبنات هذا الوطن. وتساءل العلوي، في حديثه عن هذا الرهان، «هل فعلا استطعنا استرجاع هذا الاستقلال في القرار بشكل كامل ونحن في عالم تسيطر عليه ما يسمى بالإنجليزية GLOBALIZATION»، والتي قال إن مرادفها باللغة العربية «العولمة» لا يعبر عنها بالشكل الكافي كمصطلح. وأشار العلوي إلى أن هذه الظاهرة تخلق أحادية القطب بحيث تحاول إدارة هذا القطب – ولو أنه حلم – السيطرة على باقي شعوب العالم. موضحا أنه في ظل هذه الظروف يظل من الصعب الحفاظ على الاستقلال في القرار ولكن بالمقابل يمكن الاجتهاد في هذا المسار مع شعوب أخرى للتحرر من هذه الهيمنة التي بسطت، أو تظن أنها بسطت نفوذها على هذا العالم بأسره. أما الرهان الثاني فحدده العلوي في السعي إلى دخول البلاد مرحلة الانتقال من النظام المؤسساتي التقليدي إلى نظام حداثي وضعي أو مدني. وقال الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية، في هذا الباب، إنه «من دون شك أننا حققنا الكثير في ظرف لا يتجاوز الخمسين أو الستين سنة». وأشار المتحدث إلى أن ما تضمنه الدستور الحالي برهان على هذا السعي الحثيث الذي يسعى إلى ترجمة هذا الرهان الثاني وهو دخول البلاد مرحلة جديدة تتميز بحداثة مؤسساتها، لكن بالمقابل أكد على ضرورة أن يبقى ذلك دائما في اتصال مع الجذور والتربة الوطنية والحضارية. وأضاف إسماعيل العلوي أن هذه الرهانات تدفع نحو التساؤل عن إمكانيات التوفيق بين التربة الوطنية وما أتت به عبر التاريخ وما نطمح إليه كشعب في إطار هذه «الكونية» التي أصبحت سائدة في العالم،مع إعطاء مفهوم «الكونية» بعدا تقدميا غير ما تعنيه كلمة GLOBALIZATION بالإنجليزية. أما الرهان الثالث فحدده مولاي إسماعيل العلوي في تطوير الأوضاع الاجتماعية والثقافية مع تحقيق كل مضامين الرهانات السابقة. بحيث أكد على ضرورة خلق ثورة ثقافية والنهوض بالفعل الثقافي بالمغرب باعتباره المحرك الأساسي لأي مجتمع. وبشأن الانتقادات الموجهة لأداء الحكومة قال العلوي «لا أعتبر أن هذه الحكومة التي وجدت قبل 6 سنوات كان نتيجة عملها هو تآكل المكتسبات الاجتماعية»، مستشهدا على ذلك بصلابة النضال العمالي في بلادنا والمكتسبات التي حققتها الطبقة العاملة التي قال «إنها لم ولن تتزحزح عنها». وفي حديثه أيضا عن الديمقراطية بالمشاركة والتي يحبذها مولاي إسماعيل العلوي كبديل عن مصطلح «الديمقراطية التشاركية» قال «إن هذه الديمقراطية بالمشاركة تفتح لنا مجالا واسعا علينا أن نحتله» مضيفا أن ذلك لم يتم به إلى يومنا هذا رغم مرور ما يزيد عن 6 سنوات على إقرار الدستور. وتساءل العلوي، في هذا الإطار، عن العرائض والمبادرات التشريعية الشعبية التي قال إنها ما زلت لحد الآن في مهدها ولم تتحرك و»ذلك على الرغم من علة ما وصلنا إليه من نتائج في ما يخص تقنين الديمقراطية بالمشاركة»، يقول العلوي، داعيا في ذات الإطار، إلى استغلال كل ما يتضمنه من مضامين وذلك حتى لا يظل حبرا على ورق بشكل سلبي عكس العديد من الشعوب التي تركت دستورها حبرا على ورق لكن بصيغة إيجابية مستدلا بالدستور الدنماركي الذي يضع السلطة التنفيذية في يد الملك والملكة، وهو بذلك دستور رجعي بشكل كبير، يشير العلوي، مضيفا أن الشعب الدنماركي تجاوز هذا الدستور بإيجابية أكبر، حيث قال «شتان بين هذا الدستور الرجعي الذي أقرته الدانمارك قبل 64 سنة أي سنة 1953، وما بين ما هو على أرض الواقع من ممارسة»، متابعا «ما أخشاه هو أن يظل دستورنا حبرا على ورق لكن بشكل سلبي» موضحا «أي ألا نترجم مضامين هذا الدستور على أرض الواقع». داعيا إلى خوض حوارات بشكل منتظم تمكن من بناء بدائل لهذا الوطن يكون لها أثر إيجابي، مع إقرار حقوق سياسية وبالأساس إقرار الحقوق الاجتماعية. *الناصري: أحقية السياسية تكمن في الجهر بسياسة الحق إلى ذلك، وفي سياق نقاش المؤلف، قال خالد الناصري، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية «إن قيمة الكتاب تنبع من كونه صادرا عن رجل يوظف مزايا التفكير للرفع من شأن المفكر والالتزام، بما يلزم من روح المسؤولية والجودة». وأضاف الناصري «الكتاب ليس سردا وثائقيا صرفا، بل قراءة أفقية وعمودية لمسارات المغرب»، مشيرا إلى أن الكتاب كان بحاجة إلى شق ثالث يضاف إلى رهانات الماضي وأسئلة الحاضر، وهو استشراف المستقبل لأن العلوي، حسب الناصري، له القدرة على ملامسة حركية المجتمع، والآلية السياسية للإحاطة بالقضايا ذات البعد المجتمعي والسياسي. وتابع الناصري «إن مولاي إسماعيل العلوي، ومن خلال هذا الكتاب، يوضح لنا بأن الانخراط في العمل السياسي والحزبي لا يتأتى إلا بالانخراط في المبادئ والقيم، وهنا استوقفتني الصفحات المخصصة لليسار المغربي، والقيمة المضافة التي حملها من أجل الانصهار مع الواقع المغربي، إضافة إلى إضاءات لشخصيات سيظل تاريخها مرتبطا باليسار، والحديث عن علي يعته، الذي بصم مسار الحزب». واعتبر القيادي بحزب التقدم والاشتراكية أن مؤلف «النضال الديمقراطي في المغرب: رهانات الماضي وأسئلة الحاضر»، يستقي جودته من ذكاء الأجوبة على ذكاء الأسئلة من أجل الولوج إلى الأعماق، وذلك حتى لا تطغى على القارئ القشرة الفوقية للأحداث، كما أنه كتاب، يشير الناصري، يجعلنا نعي أن أحقية السياسية تكمن في الجهر بسياسة الحق. *عياد: الكتاب يثير نقاشا ثقافيا من شأنه تطوير العمل السياسي بالمغرب من جانبه اعتبر محمد عياد، أستاذ جامعي ومناضل سابق في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أن الكتاب يتوخى إجلاء الحقائق التي عاشها العلوي كمناضل وقيادي في الحزب الشيوعي المغربي، ويقدم إضافة لمكتبة الحركة الوطنية. وزاد قائلا «الأسلوب الحواري الذي اعتمده المؤلف غير متداول، لكن في الحالة التي نحن بصددها يعد تجديدا محببا لأنه يسمح للكاتب بالخروج من الإطار النمطي، ويعطيه الحرية في توليد الأفكار والقضايا». وأشاد محمد عياد بالأفكار التي جاء بها مولاي إسماعيل العلوي في مؤلفه الجديد والتي تطرق فيها إلى عدد من الأحداث وعدد من الوقائع بالإضافة إلى عدد من المقترحات التي أوردها، مشيرا إلى أن ذلك يساهم في خلق نقاش ثقافي من شأنه تطوير العمل السياسي بالمغرب. ورغم الثني والإشادة بالمؤلف لم يمتنع محمد عياد عن توجيه بعض الانتقادات البناءة لبعض الأفكار الواردة في النص والتي قال إنه لا يتفق معها، خصوصا في الشق المتعلق بالحكومة السابقة التي قال إنها أجهزت على المكتسبات الاجتماعية، قبل أن يرد عليه مولاي إسماعيل العلوي بالتوضيحات في ذات الإطار. *طارق: المؤلف يسهم في التفكير في قضايا الإصلاح وقضايا النهضة والحداثة وقضايا المشروع الثقافي بدوره، قال حسن طارق، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن هذا المؤلف الجديد لمولاي إسماعيل العلوي مهم جدا، ذلك أنه يعيدنا إلى الأزمة النظرية في العمل السياسي ويعيدنا إلى إشكالية علاقة الفكر السياسي وأزمة اليسار ويعيدنا إلى واقع التفكير السياسي والممارسة السياسة وجعلها ممارسة فاقدة للمعنى. وتابع حسن طارق بالقول إن الكتاب، الذي هو عبارة عن حوار، يضع المتلقي أمام محاولة لفهم تاريخ الحياة السياسية، ويساهم في خلق نوع من التأمل في قضايا اليسار والتي ارتبطت بتاريخ الحركة الوطنية، إذ أن هذا المؤلف يضع القارئ أمام التأريخ الثقافي والفكري لحياتنا السياسية ومحاولة قراءة ثقافية لأسئلة الذات والوطن والحزب على ضوء التاريخ، قبل الاستعمار ومغرب ما بعد الاستقلال وسؤال الديمقراطية. واعتبر طارق أن كتاب «النضال الديمقراطي في المغرب: رهانات الماضي وأسئلة الحاضر» يضعنا، كذلك، أمام محاولة للتفكير في الحاضر والمستقبل لكن من خلال التفكير في المفاهيم. كما أنه مؤلف يسهم في التفكير في قضايا الإصلاح، وقضايا النهضة والحداثة وقضايا المشروع الثقافي. *البلغيثي: المجتمع المغربي بحاجة لثورة ثقافية شاملة تزيل العوائق التي تحول دون قيام الدولة الحديثة إلى ذلك أفاد عبد الله البلغيتي العلوي، رئيس تحرير مجلة الأزمنة الحديثة ومحاور مولاي إسماعيل العلوي في هذا الكتاب حديث الطبع، أن الحوارات التي أجراها كانت لفترات منتظمة وأحيانا متباعدة. مشيرا إلى أن الفترة الإجمالية للحوار استغرقت ثلاث سنوات. وأكد البلغيتي العلوي في حديثه عن المؤلف الجديد أن المجتمع المغربي بحاجة لثورة ثقافية شاملة، تزيل العوائق التي تحول دون قيام الدولة الحديثة، مشيرا إلى أن هذا الكتاب الحديث الإصدار يؤكد على ذلك. واعتبر المتحدث أن الإصدار الجديد يمثل إضافة مهمة لمجموع الموضوعات التي قدمتها مجلة الأزمنة الحديثة التي يرأس هيئة تحريرها، خاصة، يشير البلغيتي، وأن المؤلف يتناول الأوضاع التي يعيشها المغرب على جميع المستويات، إذ أكد أن ذلك يفرض ضرورة تلاحم القوى التي تتوق للتغيير الجذري من أجل إحقاق ثورة ثقافية. جدير بالذكر أن هذا الكتاب الجديد الذي يحمل عنوان «النضال الديمقراطي في المغرب: رهانات الماضي وأسئلة الحاضر» والذي يقع في 250 صفحة، جرى تقديمه أول أمس الأربعاء بفضاء المكتبة الوطنية وحضرت تقديمه شخصيات بارزة من عالم السياسية والفكر والفن بالإضافة إلى زعماء سياسيين وقادة من الحركة الوطنية المغربية.