ينوع الكاتب المغربي فؤاد العروي في كتاباته؛ فإلى جانب كونه روائيا وقصاصا أصيلا وباحثا أكاديميا، نجده حريصا على تخصيص حيز من وقته لكتابة نصوص ذات طابع نقدي، نقد المجتمع ومشاكل الهجرة والعادات والعلائق الإنسانية بوجه عام. هذا الكاتب المقيم بالمهجر، وتحديدا بهولاندا، الذي اختار اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير عن آرائه وما يختلج في وجدانه والذي حظيت إنتاجاته الأدبية بالتتويج في محافل دولية، على سبيل الذكر: «القضية الغريبة لسروال الداسوكين» الفائزة بجائزة الغونكور للقصة القصيرة.. ظل محافظا على روحه الخفيفة حتى وهو يكتب نصوصا ذات طابع جدي، كما أنه لم يضح بالبعد الجمالي والإبداعي لهذه النصوص، رغم منحاها التقريري. نفتقد المساجين هناك مشاكل، ننتهي إلى التساؤل إن كانت مشاكل بالفعل. لنأخذ بعين الاعتبار هذا: نسبة الإجرام تدنت بشكل كبير في هولندا لدرجة أن العديد من الزنازن صارت فارغة. ولكن؟ ولكن، ستقولون لي، الطبيعة لا تقبل الفراغ، كما يقول صديقنا باسكال. أو بالأحرى، إن الاقتصاد هو الذي لا يقبل الفراغ: إنها بدون مردودية، زنزانة فارغة. ينبغي فعل شيء ما. لقد تم القيام بتحويل السجن الأكثر حداثة في أمستردام إلى إقامة خاصة بالطلبة. (إذا لم تصدقوني، ابحثوا في محرك غوغل "دو باجز بأمستردام" وانظروا إلى الصور: الطلبة ليسو تعساء إطلاقا كونهم احتلوا مكان المجرمين..) لكن هذا الإجراء لا يكفي. حسب جاب أوسترفير، الناطق الرسمي باسم وزارة العدل: الثلث من ثلاث عشرة آلف وخمسمائة زنزانة بالمملكة الهولندية شاغر. وهذا لا يبدو أنه سيتم تسويته. السكان يشيخون، الرفاهية تزداد، وبالتالي فإن الجريمة ستستمر في الانخفاض، حسب تأكيد علماء الاجتماع. إذن ما العمل؟ لا ننسى أنه بقدر ما تفرغ السجون، بقدر ما تقل الحاجة إلى حراس: لا تقولوا لي إنكم ترغبون في أن يتم طرد هؤلاء الناس الشجعان أو بالأحرى الزبناء إذا شئنا القول؟ تبعا لذلك، الكل بات منشغلا بهذا المشكل الذي تتفقون معي على أنه طريف: كيف يمكن ملء السجون؟ السياسيون، الصحافيون، علماء الإجرام، عموم المواطنين، المدونون، كل واحد من هؤلاء له رأي خاص في ذلك. النقاش ساخن. إحدى الاقتراحات الأكثر الشعبية تقضي بسجن كل القراصنة الالكترونيين. بالفعل، هاته الأشباح تفسد حياة الآلاف من البشر دون أن تنال عقابها. إذا دخل أحد ما إلى بيتك بالقوة وسرق أغلى ما تملك من متاع، تنزل عليه الأحكام القانونية مثل طن من الآجر. لكن إذا دخل إلى حاسوبك وحصد كل محتوياته، فإنه لا يحدث له أي شيء في الغالب. قد ينتهي به الأمر إلى نيل الإعجاب بصنيعه. هذا فوق الاحتمال. لا مبرر له. فضلا عن ذلك، إن هذا الإجراء في خدمة الاقتصاد، كل هؤلاء المربين لن يفقدوا عملهم وقدرتهم الشرائية. هناك حل آخر جدي يقضي باستيراد سجناء، بمعنى: تأجير الزنازن لبلدان من خارج الاتحاد الأوروبي. يبدو أنه سبق القيام بتجارب مماثلة بشكل سري: بعض العصابات الفلامانية تم إيواؤها في هذا الجانب الحدودي مقابل أداء الحكومة البلجيكية. بالنظر إلى الطريقة التي تم بها معاملة السجناء في هولاندا: (زنازن فردية، طعام جيد، رياضة، إمكانية تعلم حرفة ما..)، لن يكون من الصعب استقطاب مجرمين من كل أنحاء العالم. الأمر الذي قد يطرح بعض التعقيدات، حسب بعض الألسن السليطة، هو عند تسريحهم نحو بلدانهم بمجرد انتهاء مدة الحكم عليهم: وإذا رفضوا الرحيل من هناك؟ ذلك أننا نتعود بسرعة على الراحة ونستطيبها.