هل هو التهور، أم لعبة المصالح، أم ببساطة غياب المهنية والحيادية، هو من أدخل وكالة المغرب العربي للأنباء في بؤر التحالفات والتحيز المشبوه لشركات عزيز اخنوش على حساب الغضب الاجتماعي الذي اجتاح المغرب من أقصاه إلى أقصاه، كفعل احتجاجي ضد الحكومة التي التزمت الصمت إزاء غلاء المعيشة وتدني القدرة الشرائية للمواطن الذي لم يعد قادرا على التحمل في ظل تدهور الوضع الاجتماعي منذ جائحة كورونا. أن يتم تسخير وكالة إعلامية وطنية لمهاجمة أصحاب هاشتاغ "أخنوش ارحل"، بعبارات مستفزة، والقيام بدور المحامي عن شركة "إفريقيا" المحتكرة لاستيراد المحروقات وتوزيعها وبيعها، وعن صاحبها أخنوش، علما أن السبب الرئيسي للاحتجاجات هو الزيادة المهولة في ثمن المحروقات، فهذا أرذل انزلاق وأحقره في تاريخ الوكالة الإعلامي. مثل هذا التهور الذي أمعن فيه مدير الوكالة، خليل الهاشمي، بشكل أحادي وخارج أي إطار تشاوري، بقدر ما يضرب في الصميم روح الانتماء الى هذه المؤسسة الوطنية التي ظل التفاخر بالانتساب إليها ميزة توارثتها أجيال من الصحافيين، فهو ينم عن قصور سخيف في فهم الدور المنوط بالوكالة وحرصها المهني من خلال أشطتها المتنوعة (تغطيات اخبارية، حوارات، تحقيقات، روبورطاجات...) على صناعة الخبر الموضوعي وتقديمه بصورة محايدة ومتساوية بين جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين. فقد اصدر الحزب المغربي الحر أمس الجمعة، بلاغا توضيحيا للرأي العام، يندد فيه بما أسماه "الانزلاق الخطير الذي سقطت فيه وكالة المغرب العربي للأنباء باتهامها لنشطاء مواقع التواصل الاجتماعي والحزب المغربي الحر بزعزعة استقرار الحكومة و البلاد". وما أثار سخط الحزب أن مدير الوكالة ذهب إلى حد "تخوينه ومعه المعارضة السياسية وربطها بمصالح أجنبية معادية لاستقرار المملكة". خطأ فادح يا سي خليل.. المعارضة مكون أساسي من مكونات الحياة السياسية والاجتماعية المغربية. وأنت ووكالتك التي أفسدت عليها أجواء الممارسة المهنية السليمة، ملزمان بالتزام بالحياد واحترام حق المعارضة في التعبير عن آرائها وعن مواقفها من السياسة الحكومية. أن تدافع عن إنجازات الحكومة وتُعرّف بأنشطتها المختلفة، فتلك المهمة التي أنشئت من أجلها الوكالة وفق منظور ومقاربة تشاركية ترقى إلى مستوى التطلعات والتحديات الداخلية والخارجية للبلاد، مع الانفتاح الكامل على المكونات السياسية والاجتماعية الأخرى تجاوبا مع التحولات العميقة التي تشهدها صحافة الوكالة، ومتغيرات المحيط العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يتحرك ضمنه هذا الصرح الإعلامي الكبير على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، وهو المحيط الذي شهد تحولات عميقة وجذرية على كافة المستويات، أدت الي سيادة مناخ جديد في الممارسة الإعلامية. يبدو أن البقر تشابه عليك سي الهاشمي، ولم تعد تميز بين رئيس الحكومة، ورئيس حزب ورئيس شركة. ومن نتائج هذا الخلط "المشبوه" أن كرست القطيعة بشكل تام مع الخبر المتحرر والمستوعب لتطلعات المواطن من خلال التفاعل مع مشاغله وقضاياه اليومية، في ظل حالة الاحتقان والتوتر الذي يميز الشارع المغربي بسبب غلاء ثمن المحروقات وغلاء المعيشة بشكل عام. أن تمجد أنشطة الحكومة وتدافع عنها أمر مستحب بل مفروض بحكم الوظيفة الإعلامية التي حددها القانون المغربي للوكالة كقطب استراتيجي لمعالجة وجمع وتوزيع الأخبار محليا ودوليا وعكس صورة حقيقية لواقع المغرب في مرحلة هامة من مراحل تطوره. أما أن تدافع عن أخنوش أوعن المذهب الليبرالي لحزب أخنوش، أو عن شركات أخنوش هي الأخرى، فستكون قد انزلقت بالوكالة كمؤسسة وطنية ذات مصداقية إلى أسفل المراتب، وأسندت لها أبخس الخدمات في تعارض تام مع رغبة المغفور له محمد الخامس الذى دشنها عام 1959 لتكون شركة مساهمة خاصة، في وقت كانت غالبية وكالات أنباء العالم الثالث تابعة وموجهة من طرف الحكومات. ولنتخيل معا سي الهاشمي أن الحزب الشيوعي هو من فاز بالانتخابات التشريعية، (وهو تخيل بعيد المال لأن الحزب لم يتقدم منذ خمسين سنة)، فهل ستدافع الوكالة عن الفكر الشيوعي أو ستكون ناطقة باسمه. أوردت هذا المثال للتأكيد على أن الوكالة ليست مؤسسة رسمية على غرار وكالة الأنباء الصينية، بل هي مؤسسة وطنية مهمتها مواكبة الأنشطة الرسمية دون تغييب الهيئات السياسية والمنظمات المهنية والنقابية والحقوقية والجمعيات الثقافية، لأن من شأن ذلك أن يفضي إلى تغييب التعدية التي تميز المجتمع المغربي، وهو ما يشكل خرقا سافرا لمقتضيات الدستور. ومن هنا اعتبر الحزب المغربي الحر أن "تسخير وكالة إعلامية رسمية من أجل الدفاع عن شركة إفريقيا التي يملكها رئيس الحكومة عزيز اخنوش يوضح بما لا يدع مجالا للشك سعي هذه اللوبيات التجارية إلى الاستحواذ و الهيمنة على مؤسسات الدولة بما يهدد استقلاليتها و حیادها و قيامها بأدوارها الدستورية خدمة للمصالح العليا للوطن و المواطنين". لست هنا من المدافعين عن الحزب المغربي الحر ولا عن بلاغه التنديدي ولا عن أي حزب سياسي، بل واجب الانتماء لهذه المؤسسة كواحد من قدماء الصحفيين بها، يلزمني التأكيد على أن الجسم الإعلامي الوكالاتي لم يعش في تاريخه مثل هذه الحالة من الاختناق والتوتر بسبب القرارات الارتجالية والرؤية القاصرة للسيد خليل الهاشمي الذي كانت لتجربته في الصحافة المستقلة التي تمرّن فيها في الثمانينات والتسعينات تأثير واضح على أدائه بالوكالة. مثل هذه الصحافة التي تمرس السيد خليل الهاشمي فيها ما يزيد عن ثلاثة عقود، ومنها جريدة "أوجوردوي لوماروك" Aujourd'hui le Maroc ومالكها عزبز أخنوش نفسه، لم تكن لديها قناعات فكرية بعينها، أو منظومة مبادئ تدافع عنها، فهي تتغير بسرعة قياسية كلما اقتضت المصلحة ذلك. ويغيب هنا عن أذهان خليل الهاشمي الذي قد يحتاج إلى أقراص تكوينية لصقل جانبه الاحترافي، أن الخبرات التحريرية التي راكمتها الوكالة على مدى عقود، شهدت تحولا إعلاميا عميقا قبل مجيئه، حيث تعتز وكالة المهدي بنونة بأنها كانت رائدة من حيث الخدمات الإخبارية ومن حيث النهج الضامن للدقة والصدقية والحياد والسرعة، دون حشر أنفها في القيمة الوظيفية والتجارية لهذه الشركة أو تلك. واليوم ينتاب صحفيو الوكالة الجدد منهم والقدامى مشاعر الأسف وهم ينظرون إلى الخطاب الإعلامي لمؤسستهم محفوفابالغموض والتشكك، ومجالا للانتقادات والنزاعات والمشاكسات بين مختلف مُكوِّنات الوطن السياسية والمجتمعية والمدنية.