من المؤسف حقا أن تحول بعض الجهات وفاة الشاب عثمان في حادث مروري ناجم عن شبهة مطاردة بوليسية بالدار البيضاء، إلى سجال عقيم بطعم سياسي، وإلى نقاش حقوقي بمساعي تعميم المسؤولية على جميع موظفي إنفاذ القانون، وإلى فرصة سانحة لإشاعة دعوات الانتقام وتطبيق القصاص من عناصر الشرطة في إطار ما يسمى ب"العدالة الخاصة". فقدر الشرطيين أن يتعاملوا يوميا مع حالات متواترة لفرار بعض مستعملي الطريق، وأن يباشروا تدخلات لصد محاولات عدم الامتثال أو التملص من المسؤولية إما بسبب ارتكاب مخالفات مرورية أو لشبهات تتعلق بالحق العام. لكن يبقى القانون هو الفيصل الوحيد في مثل هذه الحالات، وذلك بردع أعمال عدم الامتثال من جهة، وتقنين وتأطير التدخلات الشرطية تفاديا للشطط والتجاوز من جهة ثانية. لكن الملاحظ هو أن بعض الجهات تحاول جاهدة استغلال وفاة الشاب عثمان بطريقة سمجة وموغلة في "الانتهازية السياسية والحقوقية"، رغم أن المديرية العامة للأمن الوطني بادرت بتوقيف الشرطي المشتبه فيه، وتم إخضاعه للبحث القضائي الذي أمرت به النيابة العامة، ورغم أيضا كل إشارات الطمأنة والتعهد التي بعث بها المدير العام للأمن الوطني بأن القانون سيأخذ مجراه في هذه القضية، وسوف يتم تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات بشكل دقيق. وفي تعليق على هذا الموضوع، أكد مصدر أمني بأن "إسراف فرع محلي لإحدى الجمعيات الحقوقية في تعميم المسؤولية على جميع موظفات وموظفي الشرطة في قضية الحادث المروري الذي أودى بالشاب عثمان، هو دعوة صريحة للكراهية والوصم والتهديد في حق نساء ورجال الأمن، وهي مسألة مرفوضة قانونيا وحقوقيا، وعلى من يصدر عنه هذا الكلام أن يتحمل نتائجه وتداعياته إن تحققت هذه التهديدات". واستطرد ذات المصدر بأن الشرطة القضائية بادرت بفتح بحث في هذه القضية تحت إشراف النيابة العامة المختصة، وأودعت الشرطي المشتبه فيه تحت تدبير الحراسة النظرية لضرورة وحاجيات البحث، وذلك قبل أن يتساءل بشكل يصدح بكثير من الاستغراب "لماذا تسمح الجمعية الحقوقية المذكورة لنفسها باستباق مجريات البحث والتكهن بما اعتبرته الإفلات من العقاب؟" وفي سياق متصل، شدد ذات المصدر على أن آجال ومدد البحث في هذا النوع من القضايا هي مسألة قانون، تحددها أحكام ومقتضيات قانون المسطرة الجنائية وتحديدا المادة 66 المتعلقة بالحراسة النظرية، مردفا حديثه بأن "من يزعم بأن جهات قضائية تستعجل إرسال نتائج البحث في القضية للنيابة العامة هو ضرب من المزايدة غير المقبولة! لأن البحث القضائي في هذه القضية محدد ومقيد زمنيا بآجال الحراسة النظرية". وعلى صعيد آخر، أوضح المصدر الأمني المذكور بأن مصالح اليقظة المعلوماتية رصدت بعض الدعوات المجهولة المتداولة حاليا في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تدعو للاعتصامات المفتوحة والتجمهرات أمام مقرات أمنية بدعوى التعاطف مع ذكرى الشاب عثمان! وشدد على أن هذه الدعوات تدخل في إطار التحريض على التجمهر وخرق القانون، لأن عدم الكشف عن الجهة المنظمة أو الداعية لهذه الأشكال الاحتجاجية هو خرق للقانون وتهديد للأمن العمومي. وختم المصدر الأمني تصريحه بأن "التطبيق السليم والحازم للقانون هو المدخل الوحيد لجبر ضرر كل من يعتبر نفسه ضحية مباشرة لهذا الحادث المروري، وأن القضاء هو المؤتمن على ذلك"، رافضا في المقابل ما اعتبرها "محاولات المزايدة بروح الشاب عثمان وتحويلها لسجال حقوقي مع الدولة وموظفي الشرطة، والحال أنها حادثة مؤسفة تخضع حاليا للبحث القضائي الذي يبقى وحده الكفيل بتحديد المسؤوليات وتقرير الجزاءات القانونية والتأديبية".