الزعيم السابق لما يسمى بحبهة البوليساريو، محمد عبد العزيز، توفي بمرض السرطان، وبنفس المرض توفي كل من أحمد بخاري، ممثل البوليساريو بالأممالمتحدة، وباييه الشيعة، وزير التجارة، والقيادي في الحبهة الوهمية، امحمد خالد, إلى جانب المئات من الصحراويين المحتجزين قسرا في تندوف. ومن المرض الملعون نفسه يعاني إبراهيم غالي، زعيم المرتزقة، وعبد الله لحبيب وزير الأمن والتوثيق، وامحمد امبارك النعناع، وزير العدل، وعدد من قياديي البوليساريو فضلا عن العديد من الصحراويين الذين احجزتهمالجزائر في منطقة أجرت فيها فرنسا بمباركة جزائرية رسمية تجاربها النووية، منذ ما يزيد عن ستين سنة. ليس من قبيل الصُدفة أن يصاب أو يموت كل هؤلاء بنفس الوباء الذي انتشر بمخيمات تندوف وبمناطق شاسعة في صحراء الجزائر، بسبب التجارب النووية الفرنسية التي خلفت وما تزال مواد مشعة مؤدية إلى الإصابة بعدد من الأمراض السرطانية، مثل سرطان الغدة الدرقية، وسرطان الرئة، وسرطان الدم.. ولا أظنها صُدفة أيضا أن تقيم الجزائر مخيمات لاحتجاز الصحراويين فوق هذه المنطقة التي ما تزال تضم مواد مشعة تعيش، بحسب الأخصائيين، من 10 ثواني إلى ملايين السنين. السؤال الذي يؤرق اليوم الكثير من المنظمات الحقوقية والجمعوية الفرنسية والدولية، وحتى بعض الفعاليات الجزائرية، والذي يجب طرحه وإعادة طرحه هو : لماذا رخص حكام الجزائرلفرنسا باستعمال جزائريين كفئران تجارب أثناء قيامها بتجارب نووية بالصحراء الجزائرية في العهد الاستعماري وإبان عهد الاستقلال (1960 1966)؟ وماذا جنى قادة جبهة التحرير الوطنية آنذاك من هذه التجارب التي عصفت بأرواح ما يزيد عن 40 ألف جزائري؟ كيف تم ذلك ؟ ومقابل ماذا؟ .. ثم لماذا هذا التكتم الرسمي الجزائري تجاه الوضعية، حيث لا دراسة معمقة حول الإشعاعات النووية وآثارها على المنطقة، ولا ميزانية خاصة للمناطق المتضررة، ولا حتى متابعة صحية منتظمة للسكان الضحايا. أسئلة كثيرة محيّرة تُطرح اليوم بعد مرور أزيد من 60 سنة عن هذه التجارب. وما يثير الاستغراب أكثر، أن لا واحدة من الحكومات المتعاقبة منذ استقلال الجزائر، تقدمت بدعوى قضائية ضد فرنسا لحساب من ماتوابسبب هذه التجارب النووية، فيما تتعالى اليوم أصوات أحزاب وفعاليات حقوقية وجمعوية جزائرية وفرنسية للمطالبة بتحقيق دولي حول هذا الملف الذي ضُرب عليه طوق من السرية منذ عقود. وما يثير الاشمئزاز أيضا هو إصرار النظام الجزائري على ذكر فقط منطقتي رفان وحموديا اللتين أجريت فيهما تجارب "اليربوع الأزرق"، ثم تفجير "اليربوع الأبيض" وبعده "اليربوع الأحمر" ف"اليربوع الأخضر" سنة 1961 . أما التجارب النووية الباطنية فيتجنب حكام الجزائر الحديث عنها لأنها ببساطة جرت خلال ست سنوات من استقلال الجزائر وبتواطؤ مع القادة العسكريين. وبلغ عددها 13 تجربة أضيف إليها التفجير الرابع عشر الفاشل الذي تم في مارس 1965، أي ثلاث سنوات بعد الاستقلال. وكل هذه التفجيرات الباطنية التي فاقت قوتها أربعة أضعاف قنبلة هيروشيما، وقعت في أنفاق حفرها سجناء ورعاة جزائريون داخل جبل "إينكر". ومن أبرزها التفجير الذي أطلق عليه اسم "مونياك" وبلغت طاقة تفجيره 120 كيلوطن. وكان الخبراء الفرنسيون يميزون السكان الذين استعملوهم كفئران تجارب، بقلادات معدنية تحمل أرقاما تسلسلية لمعرفة تأثير الإشعاعات عليهم. ومن فرط المضاعفات المدمرة لهذه التفجيرات الباطنية منها والسطحية، على سكان الصحراء الجزائرية الذين أصيبوا بأوبئة وأمراض مختلفة، فقد كانوا يؤرخون لها ب"عام الموت" و"عام السعال" و"عام الجدري".. وتكشف الوثائق الفرنسية مدعومة بصور لحجم الدمار، عن عمليات إخفاء النفايات النووية وطمر كل آثار تلك الجرائم البشعة التي كانت منطقة تندوف ضمن المواقع التي شملتها، فيما أكدت وسائل إعلام أجنبية استنادا إلى تقارير طبية، أن العديد من السكان المحتجزين بتندوف يعانون اليوم من داء السرطان ويتعرضون بسبب الإشعاعات النووية لفقر الدم والعقم وتشوهات خلقية مختلفة. والسؤال الذي يُحيّر اليوم المواطن الجزائري على الخصوص إلى جانب المنظمات الحقوقية الدولية، هو لماذا لم تطلب السلطات الجزائرية من فرنسا تفعيل الآليات اللازمة لتمكين الجزائريين من التخلص من الانعكاسات البيئية والصحية لهذه التجارب، والعمل على تفكيك المنشآت والمعدات المشعة التي تركتها تحت الرمال بمنطقتي رقان والهكار وهما الأكثر تضررا من التفجيرات النووية. ثم لماذا اختارت سلطات الجزائر احتجاز الصحراويين قسرا في منطقة سبق أن كانت موقعا لتجارب نووية، وستستمر إشعاعاتها لمئات السنين، بمضاعفات سرطانية جلدية ونفسية، ووفيات متكررة عند الأطفال في الولادة، وحالات عقم وتشوهات خلقية وغيرها. ومن هنا يتوجب على الحكومة المغربية التحرك دوليا لفضح الجرائم البشعة المرتكبة في حق السكان الصحراويين في منطقة نووية ملغومة، تعصف سنويا بأرواح المئات من المحتجزين قسرا لأغراض سياسوية ساقطة، علما أن الإشعاع النووي يعيش، بحسب الأخصائيين ملايين السنين، بمعنى أن حكام الجزائر بمباركتهم هذه التجارب في عهد الاستقلال، حكمت على الأرض بالفناء وحولتها من مساحات بيئية سليمة إلى مساحات للإبادة البشرية