فرقٌ بين أن تكون مَلكا ترى الحاضر بعين المستقبل وبين أن تكون رئيسا لا يهمه من الحاضر الا ما حضَر. فالملوك بهذا المعنى مستمرون بسلطتهم في الزمان والمكان برمزيتها وتقليدانيتها. أما رؤساء الدول فهم بطبعهم وطبيعة سلطتهم منقطعون في الزمان يمارسون صلاحياتهم (أو تمارس عليهم من قبل المؤسسة العسكرية) لأجل مسمَّى بدون تقدير استراتيجي عميق ولا فكر ممتد داخل سياسات الدولة، على الاقل كما هو الحال في البلدان العربية، مآل الجزائر على وجه الدقة. ضمن هذا السياق يمكن أن نقرأ رسائل الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش إلى الجزائر، وفيه يمكن أن نفهم أيضا الاحتضان الجماعي لمشروع التقارب الذي أسسه الخطاب داخل أوساط المغاربة. فالناس على دين ملوكهم. في السياق أيضًا، كان البعض ممن أخذوا الشعب الجزائري رهينة ماضيهم العسكري الحاقد وحساباتهم السياسية المتحاملة على المملكة، (كانوا) ينتظرون أن يَصُب المَلك الزيت على النار التي أشعلوها بتصريحات متصابية للرئيس الجزائري خلال الفترة الأخيرة، لكن الملوك عقلاء بطبعهم ومُنزَّهون عن العبث.. ولعل هذا ما أربك حسابات كل أولئك الذين راهنوا على مزيد من التصعيد. فليس عبثا أن يُدبج الخطاب الملكي رسائل كثيرة إلى الجزائر في خطاب خصصه للإحاطة بالميثاق الوطني للتنمية، على قاعدة المشروع التنموي الجديد، فالأفق المغاربي لهذا المشروع التنموي حاضر بقوة في خطاب العرش واليد الممدودة للجارة الشرقية تريد له ان يكون امتداد مغاربي، وهذا يتطلب محيط مغاربي آمن لأن أمن المغرب من أمن الجزائر، وجار مستقر سياسيا واجتماعيا خير من دولة ضائعة. فالمغرب، على أعلى مستوى، لا يريد دولة فاشلة على حدوده. وهذه رسالة واضحة بنى عليها الملك كل تصوراته حول التقارب مع الجزائر، وسعى الى أن يؤسس لذلك سياسيا واقتصاديا وثقافيا ومجتمعيا من خلال اشارات قوية الى روابط التاريخ والجغرافيا والعقيدة. تُجمع التقارير الدولية على أن نماذج الدول الفاشلة في تزايد خلال العقد الأخير بفعل غياب حكامة التدبير والصراع حول السلطة وتجارب التغيير الثوري (كما حصل مع بلدان الربيع العربي)، وقد دفع هذا التحول بلدان ديمقراطية في الغرب الى القبول بتجارب سلطوية لتفادي انهيار الدول لأن ما تحدثه الدولة الفاشلة من أثَر سياسي واجتماعي في محيطها (دول الجوار) يمثل تهديدا أمنيًا كبيرا يتردد صداه في "العالم الحر" نفسه. وقد يتحول إلى"مركب أمني جهوي" كما يحدث اليوم في عدة مناطق. فالدولة الفاشلة، بهذا المعنى، تستهدف التركيز على الدور الوظيفي للسلطة السياسية أكثر من أي مكون من عناصرها الأخرى. لقد اختار نص الخطاب الملكي أن يجيب عن سؤال المستقبل. فنتيجة التقارب المغربي الجزائري تكمن "في توطيد الأمن والاستقرار، في محيطه الإفريقي والأورو-متوسطي، وخاصة في جواره المغاربي"، وهذا يتطلب "بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار".