مع كل فاجعة في إسبانيا تخص المهاجرين ، نعود للمربع الأول الذي نلخصه في حقوق الأقليات و القوانين التي تحميها. و تحملنا سيكولوجية الانسان الإسباني إلى الحديث على حجم إسبانيا تاريخيا ، و مدى تقبل الإنسان الإسباني للمهاجرين ، وهو الذي كان مهاجرا فقيرا يعاني من المجاعات و الحاجة و الحروب وبأنه لم يكن يوما ذَا ثروة تجعله يجد استقدام العمالة أمرا عاديا ، وبعد دخوله للإتحاد الأوروبي تغيرت أوضاعه نتيجة الدعم الأوروبي للرفع من اقتصادات الدول الفقيرة للحد من هجرة مواطنيها لباقي الدول الأعضاء، لكن وجب الحديث عن من هي إسبانيا ليعرف الجميع حجمها تاريخيا. إسبانيا التي تأسست سنة 1479 بعد زواج إيسابيلا بفيرناندو، والتي كانت مستعمرة رومانية و فينيقية و قوطية و إسلامية ، شهدت افضل فتراتها كقوة عظمى بعد اكتشاف القارة الأمريكية سنة 1492 باستغلالها لثروات أمريكا اللاتينية ، و التي ساهم فيها بشكل كبير البابا ذَا الأصل الإسباني أليخاندرو السادس بشهادته على اتفاقية تورديسياس TORDISILLAS لسنة 1494 مع البرتغال، التي تم خداعها من طرف الإسبان و البابا الإسباني حين جعلهم يوافقون على ان من وصل لأي عالم جديد فهو له( في الوقت الذي كان كريستوف كولومبوس والإسبان قد عرفوا مكان العالم الجديد سنتين قبل ذلك) بمعنى أن موافقة البرتغال كانت تعني بأنها ستبدإ مرحلة الإكتشاف متأخرة بسنتين عن إسبانيا . و هو ماجعلها تحظى بالبرازيل فقط كمستعمرة (و هي التي لم يشأ الإسبان دخولها نظرا لكثافة غابة الأمازون و خوفهم من المخاطر التي يمكن ان تصادفهم بها) بينما حازت إسبانيا على حصة الأسد بعد هذه الخديعة. سنة 1522 تم طرد الإسبان من حجرة باديس، وبعدها بثلاث سنوات طردهم محمد الشيخ السعدي من رأس گير (آگدير) . سنة 1578 هزيمة الإسبان المدوية في معركة واد المخازن و هي السبب الثاني للحقد التاريخي ضد المغاربة و المسلمين عموما بعد فترة ثمان قرون بالأندلس . 1689طرد الإسبان من مدينة العرايش , لنصل لفترة السلطان محمد بن عبد الله الذي طلبت وده السلطات الإسبانية ووقعت معه ثلاث معاهدات سلام و تجارة . 1805 تصعق اسبانيا بعد هزيمتها المدوية امام بريطانيا ،في المعركة البحرية طرافالغار التي أنهت أسطورة الأرمادا التي لا تهزم . بين سنة 1808 و 1812 إحتل نابوليون بونابارت إسبانيا ، بل و سماها إسبانيا النابليونية ، هذا الإحتلال جعل اللاتينيين يبدأون حروب التحرير ضد اسبانيا بعد عبارة سيمون بوليفار المحرر الشهيرة ( كيف تحتلنا دولة هي اصلا مستعمرة من طرف فرنسا) ليتم طردها من أمريكا اللاتينية و كانت آخر محطة للاستقلال عنها هي سنتياغو دي كوبا سنة 1898. لتأتي معركة تطوان او مايسميه الإسبان حرب إفريقيا LA GUERRA DE ÁFRICA 1859/60 ومعركة مليلية 1893 وبعدهما الضربة القاصمة في معركة انوال سنة 1921 والتي لولا الدعم الفرنسي والقصف بالغازات السامة الإسبانية لطرد الإسبان من شمال المغرب . بعدها شارك جنود مغاربة في صف الجنرال فرانكو في الحرب الأهلية وهو مايتذكره الإسبان بحقد كبير لما لقوه من هذه التشكيلة العسكرية التي كانت أمازلت كفة الحرب الأهلية بإتجاه فرانكو الذي جعلهم الأكثر قربا والأكثر ثقة من طرف الجنرال. 1958 طرد الأسبان من مدن طرفاية وطنطان من طرف جيش التحرير المغربي ، ويعدها ما سمي بالحرب المنسية أي حرب تحرير سيدي إيفني التي انتهت بطرد الإسبان سنة 1969 لتأتي خاتمة العقد ملحمة المسيرة الخضراء سنة 1975 لتنهي الإحتلال الإسباني و هو ما لايزال غصة في حلق الإسبان والمخيال الإسباني الذين كانوا يعتبرونها الصحراء الإسبانية و المقاطعة 53 . كل هذا التاريخ المؤلم لإسبانيا مع المغرب خلق حقدا كان يحركه أدباء كثر كتبوا عن الحروب مع المغرب (أو مع لوس موروس كما يسمون المغاربة ) و عن مذكرات عساكر شاركوا بها وذاقوا ويلاتها ، و روايات شفهية تناقلتها الألسن والأمهات و الزوجات عن ماكان يلقاه ابناؤهن وأزواجهن في ارض المغرب اثناء الحروب الكثيرة ، وهو ما جعل الحقد ينتقل من جيل إلى جيل ، إضافة لخطاب اليمين و اليمين المتطرف الذي كان يلعب على ورقة التخويف من الجار الذي قد يفكر في إستعادة أمجاد الأندلس وقد يتجه شمالا نحو سبتة ومليئة والجزر الجعفرية ، دون أن ننسى شعور الإسبان بالدونية وعقدة النقص امام دول أوروبا ، خصوصا بعد أن كانوا مستعمرة رومانية و قوطية بل حتى بعد تأسيس الدولة الإسبانية ، و بما أن الملكة إيسابيلا و فيرناندو لم ينجبا غير فتاة هي خوانا المجنونة فزوجوها بفيليبي الفاتن والذي لم يكن غير ابن للإمبراطور ماكسيميليانو الأول إمبراطور روما وجرمانيا ،( بمعنى ان السلالات التي حكمتها لم تكن أبدا اسبانية ) لتنتقل بعد ذلك إلى آلِ بوربون الذين يعود أصلهم لفرنسا. حتى تعامل أوروبا معهم كان استعلائيا ، بل وصل الأمر بالوزير الأول البريطاني نيفيل تشامبرلين إلى وصف اسبانيا بأنها أمة منكوبة وهو يقصد الوضع العام سياسيا و اقتصاديا و إجتماعيا ، و هو مايعني أنها كانت تثير الشفقة بسبب أوضاعها ، ليعقبه الرئيس الفرنسي شارل دوغول ويقول بأن الحدود الإفريقية تبدأ من السلسلة الجبلية لوس بيرينييوس LOS PIRINEOS وهي التي تفصل بين فرنسا و إسبانيا ، وقصد بذلك تحجيم الجارة إن لم يكن وضعها في حجمها الطبيعي . بل أكثر من ذلك ، دخولهم للاتحاد الأوروبي صحبة اليونان و البرتغال كان لأسباب إنسانية و للحد من هجرة مواطنيهم للدول الأوروبية . عرف المجتمع الإسباني موجات هجرة كبيرة منها هجرتهم لأمريكا اللاتينية سواء في فترة الإكتشاف ، أو بعد الحرب الأهلية في بداية القرن الماضي ولأمريكا الشمالية أيضا ، ثم لفرنسا و ألمانيا في ستينيات و سبعينيات القرن العشرين ، بل حتى لشمال افريقيا و كانت هناك هجرة داخلية من جهة الأندلس و غاليسيا لجهة الباسك و كاتالونيا الغنيتين نوعا ما . بل وحتى إبان الأزمة الإقتصادية لسنة 2008 هاجر نحو 3 ملايين إسباني ، أغلبهم من حملة الشواهد لعدم وجود فرص عمل باسبانيا ، و إن وجدت فبراتب زهيد مقارنة بما يمكن جنيه في دول أخرى. كل هذا خلق عداءا ضد الآخر بصفة عامة وضد المغاربة بصفة خاصة خوفا من خطف فرص العمل على رأي الأحزاب العنصرية ، مع أن الأجانب لا يشتغلون في وظائف عديدة خصوصا الإدارية أو الأمنية أو البنكية أو الأعلامية التي تبقى مخصصة بالكامل للإسبان ، وللمتتبع أن يقارن فقط بين المنتخبين في دول أوروبا المستقبلة للمهاجرين ، حيث نجد وزراء و عمداء مدن و برلمانيين بالجملة في دول مثل فرنسا التي صار ساركوزي ابن المهاجرين رئيسا و بلجيكا وهولندا و بريطانيا والولايات المتحدة التي صار أوباما رئيسا لها و كاميلا هاريس نائبة للرئيس بينما في اسبانيا لا وجود ولو لعمدة مدينة من أصل أجنبي في كامل التراب الإسباني ، مع وجود قلة قليلة جدا لاتعدى أصابع اليدين من منتخبين تم دمجهم في لوائح يسارية لاستقطاب أصوات المهاجرين دون اعطائهم أي منصب استراتيجي. يبقى العداء خامدا مكتوما إلى أن يظهر إما مع فلتات اللسان أو مع التصرف علانية لحد التهجم سواءا اللفظي أو الجسدي ، وهو مايفرض على السلطات سن قوانين زجرية إسوة بمن يعادي السامية . أوروبا التي تدافع عن حقوق الأقليات في كل العالم خارج الحدود الأوروبية ، بل و تجعلها ذريعة للتدخل في شؤون الدول ، أما حين يتعلق الأمر بها فتغير المصطلح من حقوق الأقليات إلى الإندماج . هذه الحقوق تكفلها كل المواثيق الدولية وتفرضها بينما الإندماج يبقى اختياريا و ليس على من احترم القانون في بلد إقامة أي ضرورة للإندماج القسري أو الإنسلاخ من ثقافته و دينه لكي يكون مواطنا كامل المواطنة.