شدد محمد صالح التامك المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، خلال كلمته التي ألقاها في الندوة الوطنية المنظمة حول موضوع: "التقاضي عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة" بالمعهد العالي للقضاء، على أن هذا الموضوع يستمد أهميته من كون "الحق في محاكمة عادلة" أحد أبرز الحقوق الأساسية التي نص عليها المشرع في الباب الثاني من دستور فاتح يوليوز 2011، سعيا لضمان تنزيل الحقوق والحريات الأساسية كما هو منصوص عليها في المواثيق الدولية ذات الصلة، في إطار وفاء المغرب بالتزاماته الدولية لمواصلة مسار بناء دولة الحق والقانون. وأوضح ذات المتحدث، بأن المندوبية العامة للسجون تسجل وبكل افتخار ما تحقق لبلادنا في سياق تنزيل هذا المسار، خاصة فيما يتعلق بالإصلاح الجوهري والشامل لمنظومة العدالة، بدءا باعتماد "ميثاق إصلاح العدالة" سنة 2013، ثم تكريس استقلالية السلطة القضائية بإحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، مرورا بتعزيز الترسانة القانونية الجنائية من خلال وضع مشروع القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، وصولا إلى إطلاق ورش تحديث الإدارة القضائية باعتماد لامادية الإجراءات والمساطر بين الفاعلين في مجال العدالة. وأكد المندوب العام، بأن آلية التقاضي عن بعد تشكل مرتكزا هاما من مرتكزات هذا الورش، إذ تجسد بالملوس خطوة أساسية للمضي قدما في الجهود المبذولة لإعطاء القضاء وجها حديثا يواكب العصر، وذلك من خلال مسايرة الثورة الرقمية لتطوير هذا القطاع بشكل يلامس الرؤية الملكية المتبصرة التي جعلت من إصلاح العدالة ورشا مفتوحا على الدوام، قوامه "جعل القضاء في خدمة المواطن"، والذي نادى بشأنه الملك محمد السادس، من خلال رسالته السامية بتاريخ 21 أكتوبر 2019 للمؤتمر الدولي بمراكش بدورته الثانية المنظمة حول موضوع "العدالة والاستثمار"، بضرورة تبني لامادية الإجراءات والمساطر القانونية والقضائية، والتقاضي عن بعد، وانخراط كل مكونات منظومة العدالة في ورش التحول الرقمي. وأشار التامك خلال كلمته، إلى أن عملية التقاضي عن بعد، تستمد مشروعيتها وواقعتيها من اعتبارات وإيجابيات عدة. أولها، كون هذا العملية تتيح ربح الوقت وادخار الجهد، بما يضمن البت في القضايا داخل آجال معقولة وبالتالي عدم ضياع حقوق المتقاضين من حيث الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، إضافة لما لهذه العملية من إيجابيات ذات طابع اقتصادي، إذ تساهم في ترشيد استعمال المال العام، من خلال ما تحققه من اقتصاد في نفقات الدولة عن طريق تجنيبها التكاليف المرتبطة بتوفير الوسائل اللوجيستيكية والبشرية لنقل المعتقلين من السجون نحو المحاكم، فضلا عن إيجابياتها المتمثلة في تفادي الإكراهات الأمنية المترتبة عن حراسة المعتقلين وتوفير شروط حمايتهم خلال عملية خفرهم. وأوضح ذات المتحدث، أنه وبعد التجربة الأولية التي تم تنزيلها بالدار البيضاء وفاس بشأن التقاضي عن بعد، شكلت الأزمة الصحية المرتبطة بوباء كوفيد-19 حافزا قويا لمواصلة تفعيل هذه الآلية باعتبارها أحد الحلول المبتكرة التي من شأنها توفير شروط الصحة والسلامة لكل مكونات أسرة العدالة من قضاة، ومحامين، وكتاب الضبط وموظفي ونزلاء المؤسسات السجنية من أجل حمايتهم من هذه الجائحة، بما يعزز أهمية هذه المبادرة في مواجهة الظروف الاستثنائية التي تجعل من تنقل السجناء إلى المحاكم أمرا صعبا أو محفوفا بالمخاطر كما الحال في ظل هذه الأزمة الصحية والتي أفرزت إعادة ترتيب الحقوق بجعل الحق في السلامة الصحية يعلو على كل حق. وأشار التامك، إلى أن عدد القاعات التي تم تجهيزها وربطها بشبكة الإنترنت سواء بمبادرة سابقة من المندوبية العامة أو في إطار تفعيل المذكرة المذكورة إلى حدود يوم 26 أبريل 2021، أي بعد سنة من انطلاق عملية التقاضي عن بعد، بلغ ما مجموعه 103 قاعات من أصل 106 في 65 مؤسسة سجنية، كما تم تجهيز 74 قاعة في 48 مؤسسة سجنية، ولازال الورش مفتوحا إلى حين استكمال أركانه الأساسية، فيما بلغ عدد المعتقلين المستفيدين من عمليات التقاضي عن بعد في هذه الفضاءات إلى غاية نفس التاريخ، حسب ذات المتحدث، ما مجموعه 376.708 معتقلين. وأكد التامك في ختام كلمته، أن ما تحقق اليوم في هذا الصدد هو مدعاة حقيقية للفخر والاعتزاز بجرأة ووجاهة القرارات والتدابير المتخذة تحت القيادة الملكية النيرة لمواجهة هذا الواقع الاستثنائي وحماية كافة المواطنين بمختلف شرائحهم، مضيفا، أنه وعلى الرغم من من الوضعية الاستعجالية التي فرضتها الجائحة، فقد تم وفي مدة زمنية قياسية وبتعاون بين مختلف المتدخلين الذين شكلوا فريقا واحدا، تفعيل المحاكمات عن بعد بكل يسر وسهولة، وفي شروط تضمن حق المعتقلين في المحاكمة العادلة، مما يؤكد أن رهان نجاح هذا الورش قد بات واقعا ملموسا، فضلا عن ربح الكلفة المادية والبشرية التي كانت تترتب عن نقل المعتقلين إلى المحاكم وتجنيد عناصر القوة العمومية لتأمين عملية الخفر.