عقدت المحكمة الابتدائية بخريبكة، زوال الخميس، جلسة للبت في مجموعة من الملفات القضائية الجاهزة، وأصدرت أحكاما حضورية تخص المتابعين الذين لم يكونوا ملزمين بالحضور الفعلي لقاعة المحكمة، إلا أنهم تابعوا أطوار الجلسة بشكل مباشر، وتمكنوا من التواصل مع الهيئة القضائية وهيئات الدفاع، ونالوا حقهم في الدفاع عن أنفسهم والرد على الأسئلة الموجهة إليهم، قبل أن يسمعوا منطوق الأحكام الصادرة في حقهم عبر تقنية التواصل عن بُعد. "محاكمة عن بُعد"، أو "التقاضي عن بعد"، أو "توظيف آليات التواصل عن بعد في الجلسات القضائية"، كلها عبارات تُشير في عمومها إلى ما احتضنته القاعة رقم 1 بالمحكمة الابتدائية بخريبكة، إذ استُعمل برنامج للتواصل المباشر بين مكونات الجلسة والمتهمين المتواجدين بالسجن المحلي خريبكة 2، تفعيلا للتدابير الاحترازية المرتبطة بالحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. وتشكّلت هيئة الحكم من القاضي بدر العطباش، رئيسا للجلسة، وعبد الواحد هلوجي، ممثلا للنيابة العامة، ورشيد اكزمت، كاتبا للضبط، بحضور بعض المحامين وعدد من ممثلي وسائل الإعلام، في الوقت الذي شارك المتابعون في القضية من خلال برنامج Skype للتواصل المباشر، بعدما تمّ تجهيز قاعة المحكمة بالوسائل المعلوماتية والرقمية الضرورية لإنجاح المحاكمة عن بعد. وتنوعت القضايا المعروضة على أنظار هيئة الحكم بين استهلاك المخدرات والاتجار فيها، وخرق قرار حالة الطوارئ، وإهانة موظفين عموميين، والتواجد في الشارع العام دون التوفر على الوثيقة الاستثنائية لمغادرة المسكن وقت الحجر الصحي، ومقاومة السلطات العمومية، إذ حرصت هيئة الحكم على الاستماع إلى المتّهمين عبر التواصل عن بُعد، وتمكين هيئات الدفاع من القيام بدورها في الدفاع عن المتابعين. وفي تعليقه على اعتماد المحاكمة عن بُعد، قال عبد القادر العزابي، رئيس المحكمة الابتدائية بخريبكة، إن "المحكمة شرعت اليوم في إجراءات المحاكمة عن بعد لفائدة متهمين معتقلين، تنزيلا للتوجيهات الصادرة عن الرئيس المنتدب، ورئيس النيابة العامة، ووزير العدل، في إطار التدابير الاحترازية والصحية والوقائية الصادرة عن السلطات المختصة، من أجل حماية المتهمين المعتقلين، وكل العاملين في مجال العدالة من قضاة وموظفين ومحامين". وأضاف المتحدث ذاته، في تواصله مع ممثلي وسائل الإعلام، أن "المحاكمة عن بُعد تكرس التدابير الصحية المرتبطة بالظرفية التي تعيشها البلاد، وتأتي في إطار الاحترام التام لشروط المحاكمة العادلة، كما هي منصوص عليها في القانون، وخاصة بمقتضى قانون المسطرة الجنائية"، متمنيا، في الوقت ذاته، أن "تعطي هذه الإجراءات أكلها، من خلال المساهمة في حماية المتهمين المعتقلين، وتفادي كل ما من شأنه أن يصيبهم أو يصبب العاملين في مجال العدالة". أما ابراهيم زهير، وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بخريبكة، فقد أشار إلى أن "المذكرات والرسائل الدورية للرئيس المنتدب للسلطة القضائية، ورئيس النيابة العامة، حددت النقاط الرئيسية للإدارة القضائية خلال هذه المرحلة الاستثنائية التي تعيشها البلاد، من أجل المساهمة في المجهودات التي تبذلها السلطات الحكومية للوقاية من انتشار الوباء، وضمان استمرارية مؤسسة النيابة العامة للحفاظ على حقوق وحريات المواطنين، وصون السلامة الجسدية للعاملين بالمؤسسة". وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح للصحافة، أنه "تم اعتماد التواصل عن بعد لتقديم الشكايات، والاستفسار حول مآل الشكايات ومراجع تسجيلها وجميع الإرشادات التي يحتاجها المواطن، واعتماد البريد الإلكتروني والهاتف الثابت والنقال لوكيل الملك والديمومة"، مشدّدا على أنه "من بين التوجيهات الصادرة في هذا الباب، والتي تهدف إلى التدبير الأمثل لقضايا المعتقلين الاحتياطيين، استعمال تقنية المحاكمة عن بعد التي مرت بمحكمة خريبكة في ظروف جيدة". ومن جانبه، شدّد عبد الواحد هلوجي، النائب الأول لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بخريبكة، على أن "الغاية من استعمال تقنية المحاكمة عن بعد تتمثل أساسا في توفير أكبر قدر ممكن من الحماية للمعتقلين، في إطار التدابير الاحترازية وإجراءات السلامة، وحفاظا أيضا على سلامة جميع العاملين في المحكمة، من قضاة وموظفين وعاملين، واتخاذ التدابير الكفيلة بحماية الأطقم الأمنية التي تسهر على نقل المعتقلين". وأورد المتحدث ذاته، في حديثه للصحافة، أن "تقنية المحاكة عن بعد، التي احتضنتها المحكمة الابتدائية بخريبكة، أتت أكلها ومرت في ظروف جد ممتازة، إذ احتُرمت فيها شروط المحاكمة العادلة، وضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية"، مشيرا إلى أنها "ستتكرر وستُعمّم تماشيا مع الإجراءات التي تتخذها جميع السلطات العمومية للحفاظ على سلامة المواطنين، سواء كانوا معتقلين أو غيرهم. أما القاضي بدر العطباش، رئيس أول جلسة للمحاكمة عن بُعد بخريبكة، فقال إن "وزارة العدل اتخذت مجموعة من التدابير الاحترازية للوقاية من وباء "كوفيد-19"، بالاتفاق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في شخص الرئيس المنتدب ورئيس النيابة العامة، وبالاتفاق أيضا مع هيئة المحامين بالمغرب ومؤسسة إدارة السجون، من أجل إحداث تقنية التقاضي عن بُعد، وعملت المحكمة الابتدائية بخريبكة على تنزيل هذه التجربة على أرض الواقع". وأوضح القاضي ذاته، في تواصله مع الصحافة، أن "محاكمة اليوم جرت من خلال وضع السجناء في غرفة معدة للتواصل عن بُعد بالسجن المحلي خريبكة 2، قبل التحقق من هويتهم من طرف رئيس الجلسة، واستنطاقهم حول الأفعال المنسوبة إليهم، ومناقشة مختلف جوانب القضايا، وكل هذا تم بالصوت والصورة"، مشيرا إلى أن "التقنية نجحت في إطار حماية وضمان حقوق كافة المتهمين"، متمنّيا تعميم هذه التجربة على جميع المحاكم بالمغرب.