يعاني حسن بناجح وهاجر الريسوني، ومعهما عدد من مستوطني منصات التواصل الاجتماعي ووسائط الاتصال الجماهيري، من نزيف فايسبوكي حاد، مشفوع بإسهال في التدوين المؤدلج وإمعان في تسييس الأحداث والوقائع، وهي الأعراض التي يمكن تصنيفها ضمن الفصيلات الجديدة والمتحورة من فيروسات الروتا (Rota virus)، وتوصيفها بالتبعية تحت مسمى "الروتا فايسبوك". فلسان حال جماعة العدل والإحسان يُمعن، هذه الأيام، في انتقاء الصور الصالحة للنشر في حائطه الفايسبوكي، ويتفنّن أيضا في تحميلها القراءات الموسومة بالذاتية التي تصور المغرب كدولة مناوئة لفلسطين، وتقدم السلطات العمومية الوطنية كمعادية للدين الإسلامي، بينما تسدل عليه هو وحده، وآل رهطه، وسم الحاملين لألوية الدين والماسكين بناصية الدعوة والدفاع عن العروبة والإسلام! فحسن بناجح لم يرَ في تفريق مسيرة إحياء ذكرى الأرض الفلسطينيةبالرباط يوم أمس الثلاثاء، لا قرار المنع الصادر عن السلطات الترابية بولاية الرباط، ولا مخاوف شيوع عدوى الجائحة في نسخها المتحورة، ولا حالة الطوارئ الصحية التي تطبق على العالم بأسره، ولا إمعان المتجمهرين في عدم الامتثال لقرارات السلطة العامة. فقط شاهد لوحده واستنبط بمفرده أن القوات العمومية كانت ترفض حمل المتجمهرين لعلم فلسطين! فهل هناك مزايدة سياسوية أكثر من هذه القراءة المعيبة للأحداث؟ فأي شخص، في مستوى عادي من التمييز والإدراك، يُدرك جيدا بأن المنع إنما طال التجمهر في زمن الطوارئ الصحية وليس حمل علم دولة عربية. وأي إنسان عاقل، بدون خلفية إيديولوجية سوداء، يفطن إلى أن حسن بناجح إنما كان يقايض بعلم فلسطين ويعرضها للمزايدة الفايسبوكية، ولم يكن ينافح بتاتا عن فلسطين من منظور العروبة والإسلام. واللافت أكثر في أعراض "الروتا فايسبوك" التي أصابت حسن بناجح هذه الأيام، هو استغلاله المقيت لدنو شهر رمضان الفضيل ليتوعد المغرب والمغاربة بما جاء في الآية 114 من سورة البقرة، وكأن السلطات العمومية الوطنية إنما "تمنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وتسعى في خرابها"، ناسيا عن جهل أو متناسيا عن عمد بأن الأمن الديني والروحي للمغاربة لا يخضع لأوهام الفايسبوكيين، ولا لمزايدات وأحلام العدلاويين، وإنما هناك إمارة المؤمنين والمجلس العلمي الأعلى ورابطة العلماء الذين يقدرون المصلحة والمفسدة على ضوء الكفايات والمقاصد وموجبات حماية النفس من الأوبئة والجوائح. أكثر من ذلك، وفي استغلال موغل في البرغماتية، يعرض سدنة القوّالين في الفايسبوك صورة للنقيب بنعمرو وهو يشارك في المسيرة الاحتجاجية الممنوعة بالرباط، مع تذييلها بتعليقات تزعم أن قوات حفظ النظام لم تراعي رمزية الرجل وتقدمه في السن، وهي تعليقات تسيء للرجل أكثر ما تمس بصورة القوات العمومية. فالنقيب الذي يتجمهر رغم قرار المنع الصادر عن جهة مختصة إنما يخرق القانون ويسيء لرصيده النضالي الطويل. كما أن قرارات المنع تنصرف للجميع بصرف النظر عن سن المتجمهر وتاريخه ومعارفه.. هذا إن كنتم فعلا تؤمنون بروح القانون وبمبدأ التساوي في الوضعيات القانونية أمامه. وفي سياق ذي صلة، لم تحد هاجر الريسوني بدورها عن هذا المنحى، بل إن أعراض "الروتا فايسبوك" كانت أكثر حدة عندها وهي في "رصيف" الغربة الطوعية بالسودان. فالسيدة مغرمة بمفردات ربما لا تعي مدلولاتها اللغوية مثل "السحل"، فتجدها تستعملها كرديف للفض والتفريق والمنع والتدخل وغيرها من إجراءات صون النظام العام. ففي معجم هاجر الريسوني الكل يتعرض للسحل: فالنقيب بنعمرو تعرض للسحل لمجرد أنه افترش الأرض، وربيعة البوزيدي تعرضت للسحل لمنعها من شغل الطريق العمومي، وعمال الفنيدق تعرضوا للسحل الجماعي، وحواريو المعطي منجب تعرضوا للسحل في باب السجن.. بيد أن الشخص الوحيد الذي (يسحل/ بمفهوم النعق وليس السحق) هي هاجر الريسوني وليس شخصا آخر. والمؤسف أيضا، وأنت تقرأ للمتسكعين والمتسكعات في الرصيف 22، هو ذلك الجهل المركب لدى البعض بأحكام قانون الحريات العامة بالمغرب وفي التشريعات المقارنة. فهاجر الريسوني استشهدت بتصريحات منسوبة لسيدة تعرضت للسحل اللغوي المزعوم، وهي ربيعة البوزيدي، تدعي فيها بأن سلطات ولاية الرباط لا حق لها في إصدار قرار المنع بسبب وظيفتها الإدارية! فهذا هو المستوى الحقيقي للمناضلين الذين يتكلمون باسم الشعب المغربي، ويقدمون أنفسهم أوصياء على الساحة الحقوقية بالمغرب، وهذا هو السقف الأقصى لما يملكون من ثقافة حقوقية، وهم في الحقيقة لا يتملكون حتى التقعيد القانوني للمنع عندما يكون بغرض المحافظة على الأمن العمومي، ولا يميزون بين السحل والمنع، ولا يفرقون بين الاستعمال المشروع للقوة وبين العنف غير المبرر...الخ. إنها فعلا أعراض "الروتا فايسبوك"، التي بمقدورها قلب كل المفاهيم ودفع الجميع ليصيروا مناضلين في العالم الافتراضي. فحسن بناجح الوافد من أضغاث القومة أصبح حقوقيا يؤمن بترجيح العقل على النقل، وهاجر الريسوني أضحت تسحل اللغة في أرصفة المواقع العربية، بينما أضحى المعطي منجب يشغل مهمة "الأكاديبي الأول" في الفايسبوك، لأنه -وفق كلامه- استطاع التوفيق والموازنة بين شظايا الإسلام السياسي وفلول اليسار الجذري.