مباشرة بعد توقيف شفيق العمراني، المعروف بلقب "العروبي في ميريكان"، بمطار الرباطسلا في السادس من شهر فبراير الجاري، أطلقت حسابات فايسبوكية "عريضة تضامنية رقمية" مفتوحة أمام توقيعات رواد الإعلام البديل والمنصات التواصلية، وذلك على أساس توجيهها إلى الرئيس الأمريكي المنتخب حديثا جو بايدن، للتنديد بما اعتبروه "اختطاف وتعذيب هذا المواطن الأمريكي !". وقد انخرط دعاة هذه العريضة الرقمية في حملة إشهار و"ماركوتينغ" واسعة النطاق في العالم الافتراضي، متوعدين بنصر غير مسبوق على المغرب وسلطاته الأمنية والقضائية، بدعوى أن شفيق العمراني هو مواطن أمريكي وعضو مفترض في الحزب الديموقراطي، وأن وقائع التعذيب والاختطاف ثابتة بدليل عدم قدرة المتهم على المشي خلال حضوره جلسات المحكمة، ثم استندوا في المعطى الثالث على ملامح وتباشير السياسة الأمريكيةالجديدة في مجال حقوق الإنسان، خصوصا في القضايا المرتبطة بالسعودية واليمن. لكن حملة الإشهار هذه كانت لها ارتدادات ونتائج عكسية، خصوصا بعدما نقلت القنصلية الأمريكية تصريحات المتهم شفيق العمراني الذي نفى بشكل قاطع مزاعم التعذيب والاختطاف، وهو الأمر الذي وضع أصحاب هذه العريضة في حرج كبير وفي موضع الاتهام بفبركة ونشر الأخبار الزائفة، بغرض تضليل الرئيس الأمريكي جو بايدن والاحتيال عليه في قضايا حقوق الإنسان. عريضة شبه حقوقية أول من أعلن "البراء" من عريضة التعذيب والاختطاف في قضية العروبي في ميريكان كان هو المعتقل السلفي السابق محمد حاجب، رغم أنه كان من أول الموقعين والمحرضين على حشد التوقيعات، وكان في طليعة الأشخاص الذين تحدثوا عن شكوك ومزاعم التعذيب في هذه القضية. وقد شدّد هذا العضو السابق في تنظيم القاعدة في مقطع مصور منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي على أنه وقع في "الخطأ"، وأنه ذيّل تلك العريضة بتوقيعه دون أن يطالع محتواها، قبل أن يتفاجأ بأنها تتضمن أخبارا زائفة ومغلوطة حول مزاعم التعذيب والاختطاف. وقد انتقد عدد من المعلقين والمدونين المسوّغات والتعليلات التي ساقها محمد حاجب في هذا الصدد، واعتبروها بمثابة "عذر أقبح من الزلّة"، إذ كيف يمكن توقيع عرائض التضامن على بياض بدون معرفة المضمون والمحتوى وبدون التحقق من الوقائع والمزاعم المنشورة؟ وكيف يمكن الانتصار لقضايا حقوق الإنسان عبر التشهير ونشر المزاعم الخاطئة؟ يتساءل صاحب إحدى التعليقات التي تفاعلت مع هذا الموضوع. أكثر من ذلك، أوضح أحد المدونين أن هذا هو النمط السائد في توقيع عرائض التضامن الحقوقي، إذ العبرة وفق طرحه "هي بعدد الموقعين وصفاتهم وليس بمحتوى العريضة في حد ذاته". فأصحاب مثل هذه العرائض يراهنون على الأكثرية للتغلب على الحقيقة، والتي غالبا ما تكون هي الغائب الأكبر بسبب انسياق جل الموقعين مع الطابع التضامني للعريضة أكثر من محتواها، وانجرارهم اللاإرادي وراء هوية وأسماء بعض الموقعين الذين يتم تسخيرهم ك"أرانب سباق" لاستقطاب باقي الموقعين والتغرير بهم. الغلط التدليسي هناك الكثير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي من اعتبروا أن عريضة التضامن مع العروبي في ميريكان جاءت تتضمن عناصر تأسيسية مادية ومعنوية لجرائم النصب والاحتيال، لأنها راهنت -بحسبهم- على الغلط التدليسي لتضليل الإدارة الأمريكية ممثلة في الرئيس جو بايدن. ويستشهد أصحاب هذا التوجه بتعمد أصحاب العريضة على ترويج أخبار زائفة تتحدث عن اختطاف وهمي وتعذيب مزعوم للمتهم، وذلك بنية دفع الإدارة الأمريكية إلى التدخل في هذه القضية الجنائية من منطلق حقوقي يرتبط بالدفاع عن حقوق الإنسان. وقد شبّه دعاة هذا الطرح عريضة التضامن المزيفة مع العروبي في ميريكان بالعريضة التي رفعها البرلمان الجزائري للرئيس الأمريكي جو بايدن لمطالبته بالتراجع عن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. فكلاهما، يشدّد أصحاب هذا التوجه، يتضمنان معطيات زائفة وتضليلية ومعاكسة للواقع والحقيقة والتاريخ. فالعريضة الأولى تتحدث عن التعذيب والاختطاف الوهميين للمتهم، والعريضة الثانية تتحدث عن الحقوق الوهمية لجبهة البوليساريو المزعومة. وبصرف النظر عن الردود الافتراضية التي أفرزتها هذه العريضة المزيفة، إلا أنها حققت هدفا إيجابيا متعديا للقصد، يتمثل في تسليط الضوء على طريقة إعداد وتوقيع وتعميم مثل هذه العرائض التضامنية! والتي غالبا ما تُطلقها جهات غير معلومة، وتحركها خلفيات وأجندات غير معلنة، بينما يُسارع الموقعون لإدراج أسمائهم وتوقيعاتهم حتى دون قراءتها!! والنتيجة هي إفراغ النضال والتضامن من محتواهما والارتماء في أتون نشر الأخبار الزائفة والتدليسية.