في ظل وضعية انتقالية صعبة تعيشها الجزائر، أقدم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يحكم البلاد من على كرسي متحرك، اليوم الأحد، على إنهاء مهام الجنرال القوي في المؤسسة العسكرية ورئيس جهاز المخابرات، الفريق محمد مدين الملقب بالجنرال توفيق. بعد هذا القرار “القنبلة”، يتساءل المتتبعون للشأن الجزائري، هل دخلت البلاد مجددا مرحلة جديدة من الصراعات بين أجنحة النظام في بلد ظلت المؤسسة العسكرية ولعقود طويلة تهيمن فيه على مفاصل السياسة الداخلية والخارجية للجزائر. فعلى الرغم من التعتيم والغموض المحكم حول ما يجري داخل كواليس هذا النظام، فإن المحللين لا يستبعدون أن تكون إقالة الجنرال مدين والتغييرات التي طالت العديد من أركان المؤسسة العسكرية، تؤشر بالفعل لبداية مرحلة جديدة من الصراعات الداخلية في وقت تعيش فيه البلاد فراغا سياسيا فعليا، لعل أحد تجلياته الغياب الرسمي والطويل للرئيس بوتفليقة، الذي أعيد انتخابه قبل سنة ونصف رغم حالته الصحية المتدهورة، حيث أنه لا يظهر للعلن إلا نادرا. ويرى المراقبون أن هذه الوضعية الانتقالية من شأنها أن تؤجج الصراع بين مراكز النفوذ في قمة السلطة، حيث يبدو أن جناح شقيق الرئيس بوتفليقة، سعيد، هو المتحكم حاليا في خيوط اللعبة من داخل مؤسسة الرئاسة ، فيما ينتظر أن تلجأ الأوساط المتضررة من قراراته خاصة في صفوف قيادات الجيش ،إلى تحركات مضادة لحماية مصالحها و صيانة “كرامتها”. وكانت الرئاسة الجزائرية قد فاجأت الرأي العام اليوم الأحد ، من خلال بيان مقتضب ، بالإعلان عن إقالة الجنرال توفيق، المشرف على جهاز المخابرات وأحد أركان النظام الجزائري ، إذ جاء في بلاغ لها “أنهي رئيس الجمهورية وزير الدفاع الوطني عبد العزيز بوتفليقة اليوم (الاحد) مهام رئيس دائرة الاستعلام والامن الفريق محمد مدين الذي أحيل على التقاعد”. وجاء في بيان مماثل صدر لاحقا أن اللواء عثمان طرطاق، الملقب بالجنرال بشير ، عين خلفا له. الجنرال توفيق وإسمه الكامل محمد مدين (76 سنة) ، الذي ظل يتربع على جهاز المخابرات ل 25 سنة كاملة ، يوصف بالرجل “الغامض” ، إذ لا يعرف عنه إلا القليل ولا يتداول الإعلام المحلي سوى النزر القليل من صوره ، حيث لا يظهر أبدا أمام وسائل الاعلام ولم يسبق له أن أدلى بأي تصريح صحفي منذ توليه الاشراف على المخابرات. وقد عرف عن الجنرال مدين دوره المفصلي في مسألة صنع القرار السياسي في الجزائر، حيث تؤكد العديد من التقارير الدولية أن مدين كان يلعب منذ وقت طويل دور صانع الزعماء السياسيين والقادة من خلال التأثير على اختيارهم من وراء الكواليس. أما عثمان طرطاق المشهور بالجنرال بشير ، فقد كان يشغل منصب المستشار الامني للرئيس بوتفليقة وقبلها كان مديرا للأمن الداخلي بالمخابرات. وسجل المتتبعون للشأن الجزائري التغييرات المتتالية التي لحقت في الأشهر الأخيرة بجهاز المخابرات. وقالت وسائل إعلام محلية نقلا عن مصادر أمنية أن هذا الجهاز “سيعرف هيكلة جديدة تجعله تحت السلطة المباشرة لرئيس الجمهورية بدل وزير الدفاع”. وحسب تقارير إعلامية دولية فإن مسلسل التغييرات في جهاز المخابرات بدأ منذ صيف 2013 من خلال تجريده من الكثير من صلاحياته التي استحوذ عليها خلال 25 سنة من قيادة الجنرال توفيق له. وشملت التغييرات انهاء سيطرة المخابرات على الاعلام الحكومي والامن في الوزارات والمؤسسات الحكومية لتصل في الاسابيع الاخيرة الى فرق النخبة المسلحة المتخصصة في مكافحة الارهاب. وفي ذات السياق، أفادت المنابر الإعلامية الجزائرية أن الرئيس بوتفليقة أحال أمس السبت، الفريق أحمد بوسطيلة قائد أركان الدرك الوطني على التقاعد، بعد خمسة عشر سنة كاملة قضاها على رأس الجهاز، كما قام بوتفليقة بتعيين اللواء نوبة مناد على رأس الدرك الوطني خلفا لبوسطيلة، وكان من قبل يشغل منصب نائب قائد أركان الدرك الوطني. وسبق لتقارير إعلامية دولية أن تحدثت ، نقلا عن مصادر من داخل الجزائر،عن الصراع المحتدم بين كبار قادة الجيش في المؤسسة العسكرية والرئيس بوتفليقة.