عديدة هي الشخصيات التي بصمت على مسار متميز في حياتها المهنية والخاصة، ونجحت في تقديم أعمال رائدة أو تحقيق إنجازات مهمة، نقلتها إلى عالم الشهرة وأدخلتها في قلوب الناس جيلا بعد جيل. عبر هذه السلسلة الرمضانية، “شخصيات صنعت التاريخ” يغوص “برلمان.كوم” بقرائه في عوالم شخصيات دونت اسمها في قائمة أفضل شخصيات العالم، وسنتوقف في حلقة اليوم عند شخصية “محمد شكري” الكاتب و الروائي المغربي الذي فرض اسمه بين أسماء النخبة المثقفة بسيرته الذاتية “الخبز الحافي” و التي شكلت ملحمة سردية صادمة في صراحتها، لحياة الكاتب و تنقلاته بين أروقة طنجة وأرصفتها وعالمها السفلي. يعتبر محمد شكري أحد أهم الروائيين المغاربة في القرن العشرين، غادر الحياة في 15 نونبر من العام 2003 مخلفا رصيدا أدبيا مهما، من ضمنه رواية “الخبز الحافي” المثيرة للجدل التي تُرجمت إلى أكثر من30 لغة وهي سيرة ذاتية يروي فيها شكري قصة الطفولة والمراهقة المؤلمة. طفولة شكري القاسية ولد الكاتب و الروائي محمد شكري في بني شيكر بالناظورعام 1935، حيث قضى طفولةً قاسية وصعبة بسبب الفقر وقسوة والده، في عام 1942 رحلَ مع أسرته إلى مدينة طنجة، ولم يكن يتحدث اللغة العربية فقد كانت اللغة الأمازيغية هي لغته الوحيدة، اشتغل في طفولته متنقلا بين عدد من المهن من عامل بمقهى ثم حمالًا،و بائع جرائد، ثم ماسح أحذية و امتهن السرقة، وجرب حياة التشرد، وبعد أن انتقال عائلته إلى تطوان عاد وحيدًا إلى طنجة، وطيلة طفولته لم تطأ رجل شكري المدرسة، ولم يتعلم القراءة والكتابة إلا عندما بلغ ال20 من عمره، فبعد تلك السنوات التي قضاها متنقلًا بين السرقة والسكر والتسكع، قرَر أن يغادر العالم السفلي وحياة السجون إلى الأبد. من حياة الأمية إلى عالم الأدب بعد مغادرته للسجن قرر شكري، أن يستدرك ما فاته ويودع الأمية، حيث التحق بمدرسة نورمال الابتدائية بالعرائش وهو بعمر 20 سنة ليتعلم القراءة والكتابة، وبالفعل نجح في دراسته والتحق بمدرسة المعلمين، وبعد تخرجه منها اشتغل معلما في مدرسة ابتدائية بمدينة طنجة. واصل شكري ارتياد الحانات،خلال اشتغاله في طنجة وفي نفس الفترة بدأ بكتابة سيرته الذاتية ، وتطرق فيها إلى الكثير من تفاصيل حياته الشخصية، بدأت علاقته بالأدب والكتابة بتأثير من الكتاب الأجانب الكثيرين الذين كانوا يختارون مدينة طنجة مستقرا لهم في تلك الفترة التاريخية، ومنهم: جان جنيه، وبول بولز، وتينيسي وليامز. ساعد الكاتب الأمريكي “بول بولز” محمد شكري في إشهار اسمه على المستوى العالمي، بعدما أقدم على ترجمة سيرته الذاتية ” الخبز الحافي”، إلى اللغة الانجليزية ، وتم نشرها في انجلترا وحققت الرواية نجاحا دوليا كبيرا، ولكن عندما نشرت في نسختها العربية ، أثارت الرواية حالة من السخط والغضب في العالم العربي، وقيل أنها رواية مسيئة نظرًا إلى إشارته إلى تجاربه الجنسية في سن المراهقة وتعاطي المخدرات، حيث تقررفي عام 1999، إزالة الرواية من منهاج كلية الأدب العربي الحديث في الجامعة الأمريكية في القاهرة. اشتهرت كتابات محمد شكري بالواقعية وتصويره للأشياء والتفاصيل اليومية الدقيقة، كما أن شخصياته ترتبط ارتباطا وثيقًا بالواقع والحياة اليومية، وكتاباته تكشف للقارئ عوالم خفية ومجهولة بالنسبة إلى غالبية الناس، كعالم البغاء والسكارى والسهر والمجون، ويتطرق إلى موضوعات تعتبر محرمة وممنوعة في الأدب العربي، وخاصة ما جاء في روايته “الخبز الحافي” أو الكتاب الملعون كما كان يلقبه شكري. خلال إقامته بطنجة، اشتغل شكري في المجال الإذاعي من خلال اعداده للبرنامج الثقافي “شكري يتحدث”في إذاعة طنجة، حيث تعلق الاخير بطنجة كثيرا ولم يفارقها إلا لفترات زمنية قصيرة،لم يتزوج شكري ولم ينجب أطفال، حيث كان يخشى أن تعيش زوجته وأطفاله حياة القهر والتسلط التي عاشها. وبالرغم من أن محمد شكري نشر عددا من المؤلفات بعد “الخبز الحافي”،والتي من بينها “زمن الأخطاء” و”وجوه”، إلا أن اسم الكاتب ظل مرتبطا كثيرا “برواية الخبز الحافي” طوال حياته حتى وفاته في ال 15 نونبرعام 2003 بمرض السرطان عن عمر يناهز 64 عاما.