على مر التاريخ لم تكن الأوبئة حكرا على زمن أو جغرافيا محددة، وإنما تصاحب البشر في مختلف العصور والأزمنة، وفي ظل هذا الجو الذي يخيم فيه وباء كورونا على العالم ومعه المغرب، ارتأينا السفر عبر الذاكرة والوقوف على جوائح وأوبئة واجهت أسلافنا وخلفت خرابا ونزيفا بشريا ترك ندوبا عميقة في الذاكرة المغربية، يعكسها الخوف والتوجس وقسوة الموت الذي أعقب سنوات الطاعون والكوليرا، والجذام والجذري والتيفويد والقحط والجراد. وتحتضن الخزانة المغربية متونا عديدة ومتنوعة، صاغها إخباريون ومؤرخون قدامى ودراسات باحثين معاصرين، إضافة إلى أبحاث أوروبيين عايشوا محطات مؤلمة ومأساوية من تاريخ المغرب، سنحاول الترشد بها لنطل عليكم في هذه النافذة الرمضانية التي سترصد الجوائح التي ضربت المملكة واكتوى بها المغاربة. الجفاف آفة خلفت أثارا عميقة في الاقتصاد وتعايش معها المغاربة تجمع أغلب الدراسات على أن الجفاف يعد ظاهرة طبيعية عادية تميز السير الطبيعي لمناخ المغرب، ولقد ألفها المغاربة منذ القدم، ظهر ذلك من خلال مؤلفات المؤرخين حول تاريخ الأوبئة والمجاعات في المغرب في علاقاتها بقلة وندرة التساقطات والآثار العميقة التي كانت ولازالت تتركها في جميع المجالات. وذكر الباحث عبد الحميد اسعيدو، في مقال له “الجفاف وبداية تطرف المناخ في المغرب”، أن العديد من المتتبعين كانو يعتبرون الجفاف أحد أسباب تأخر المغرب مقارنة مع أوروبا، حيث كان الجفاف المتوالي يؤدي إلى تأزم الاقتصاد المغربي الذي كانت الفلاحة عموده الفقري كما يؤدي إلى نزيف ديموغرافي. وجاء في إحدى الدراسات، يضيف الباحث، أنه مابين 1940 و1979 أي خلال 40 سنة عرف المغرب 5 سنوات من الجفاف. ومابين 1980-1995 أي خلال 16 سنة تعرض المغرب ل6 سنوات من الجفاف، ومابين 1996-2002 عرف المغرب 4 سنوات من الجفاف خلال 7 سنوات. ويؤكد خبراء المناخ أنه منذ الستينات ارتفع متوسط درجات الحرارة السنوية في المغرب ب0.16 درجة في العقد الواحد وانخفضت الأمطار بأكثر من 40%. وأصبح الجفاف يهم بقعة كبيرة من التراب الوطني وانقطاع الأمطار لمدة طويلة تمتد لعدة شهور. والمناخ أصبح يتميز بتداخل الفصول عكس الفصول المنتظمة التي كانت سابقا، فهذا المناخ المتحول الحار يقول المختصون بدأ منذ 2005. ويظهر تقرير منشور على موقع التنمية المستدامة للأمم المتحدة أن معدل سنوات الجفاف يزداد في المغرب في كل عشرية: 4 سنوات جفاف ما بين 1996 و2006، مقابل سنة جافة واحدة لكل عشرية ما بين 1940 و1979. هذا الجفاف كان يؤدي إلى انهيار ديموغرافي وانكماش اقتصادي وثقافي.