وجه 50 مثقفا إفريقيا من بينهم كريم العيناوي، رئيس مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، نداء حول فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، تحت شعار “حتى نخرج جميعا أقوى من الجائحة”، من أجل تعبئة مختلف دول القارة السمراء لمواجهة تداعيات فيروس “كورونا”. وفي مايلي نداء المثقفين الأفارقة. كوفيد 19 هو الاسم العلمي للفيروس المتسبب في مرض تنفسي شديد العدوى وفتاك بإمكانه أن يؤدي إلى وفاة المصابين به.ويترتب عن هذا الفيروس، الذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية وباءاً ثم جائحة انطلاقا من تاريخ 11 مارس 2020، آثار وخيمة. إذ تسبب في نشر الموت، ودفع بأقوى الاقتصادات العالمية إلى الركود، وأضحى يشكل تهديدا غير مسبوق لوجود المجتمعات البشرية برمتها. وحسب بعض الخبراء، ينذر انتشار هذا الفيروس بإقبال القارة الأفريقية وساكنتها على أيام عصيبة في المستقبل. لا تعتبر أفريقيا مصدر هذه الجائحة، غير أنها تواجه تأثيراتها العسيرة. حيث يسجل تزايد في أعداد المصابين بالعدوى، وتوقف مفاجئ لأجزاء مهمة من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية الأساسية. ويتعين على القارة إذن توفير الحلول الضرورية والمتينة والمستدامة لهذا التهديد الذي لا ينبغي تضخيمه أوالتقليل من شأنه، بل يجدر التعامل معه بعقلانية. ويقتضي هذا الأمر دحض التنبؤات المالتوسية التي تبرر هذه الجائحة، من أجل فسح المجال أمام تكهنات بالكاد محجوبة، حول الساكنة الأفريقية غير المتناسبة، والتي أضحت حاليا هدف ناشري الحضارة الجدد. ويتعلق الأمر بفرصة تاريخية بالنسبة لأفريقيا من أجل تعبئة أدمغتها المنتشرة في جميع القارات، وتجميع الموارد المحلية والتقليدية والمتأتية من الهجرة والموارد العلمية والجديدة والرقمية، وتسخير الطاقات الإبداعية من أجل الخروج أقوى من الكارثة التي يتوقعها البعض لنا. سنتجاوز في الأيام القليلة القادمة سقف مليوني مصاب بفيروس كوفيد 19 عبر العالم. حيث ينتشر بسرعة خارقة، مما زاد من التساؤلات حول مدى قدرة أنظمة الصحة في البلدان الأفريقية على مواجهته، وأدى إلى تزايد المخاوف بخصوص عروض الخدمات الصحية والتجهيزات والأطر المؤهلة وغيرها. وقد دعت منظمة الصحة العالمية مؤخرا البلدان الأفريقية إلى “اليقظة” وإلى “الاستعداد للأسوأ”. ينبغي التذكير أن أفريقيا لحدود الساعة هي أقل القارات تضررا من هذا الفيروس، حيث سجلت أول حالة مؤكدة شهر فبراير 2020 بمصر، ولم يتم حتى الآن تقديم أي تبرير عملي وموثق لهذا الأمر. حيث يعتقد البعض أن السبب في الحد من انتشار الجائحة يكمن في الأنظمة الاقتصادية المحلية والعوامل الديمغرافية والطبيعة المتحولة للفيروس وكثافة التدفقات الدولية، لكنها تبقى لحد الساعة مجرد فرضيات. ويجدر في الوقت ذاته الإشارة إلى الإجراءات والتدابير الصارمة التي قررت الحكومات اتخاذها، بما في ذلك غلق الحدود والمدارس والمحلات التجارية وأماكن العبادة وغيرها. وبغض النظر عن الطبيعة الفظيعة للجائحة، يمكن تفسير مسلسل التجارب والأخطاء بالسياقات السياسية المحلية، المرتبطة بطلب اجتماعي ملح للفعالية، وبالامتثال للاستجابات العمومية المتفاوتة على الصعيد العالمي وبعدم القدرة على توقع ما ستؤول إليه الأوضاع. يختلف مستوى استجابة البلدان الأفريقية من دولة إلى أخرى. ويجدر رغم ذلك الإقرار بالتأثير الكارثي لعقود التقويم الهيكلي على الصحة العمومية والعرض الطبي في البلدان الأفريقية، ولا ينبغي تجاهل هذا الأمر. وعلى أي حال، شهد عدد من أنظمة الصحة تطورا ملموسا بفضل الرغبة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030، إلا أن الفجوات والاختلالات مازالت قائمة. هذا ومازالت وضعية المنشآت الصحية الأفريقية، حسب البلدان، غير مرضية عموما وضعيفة التجهيز، لكن من الإجحاف ادعاء انعدام العرض الصحي وضرورة الاستعداد لحالات موت جماعية لا مفر منها. علاوة على ذلك، تكون الرعاية الصحية في غالب الأحيان ذات صبغة اجتماعية وفي إطار القرب، وتستفيد أيضا من القيم الثقافية المبنية على التضامن والإدارة الأسرية للأمراض. لهذه الأسباب، لا يمكن تبرير التنبؤات ذاتية التحقق. وقد يكون بالفعل للسيناريوهات-الكوارث، التي يتم توقعها للقارة هنا وهناك، تأثير سلبي على الاقتصادات وعلى تقييم المخاطر غير المواتية عموما لأفريقيا قبل فيروس كوفيد 19، بحكم الشكوك الكبيرة في أوساط المستثمرين. ويجب إعادة النظر بشكل تام في الأنظمة الصحية في أفريقيا أخذا في الحسبان الاعتبارات العديدة والحدود الحالية، ولا ينبغي انتظار انهيارها المحتمل بسبب جائحة بهذا الحجم من أجل التحرك الجاد والفعال. ونسوق في هذا الباب مجموعة من الأفكار: * على الأمد القصير، سيسمح الاتحاد الفعلي بين البلدان الأفريقية على الصعيدين الاقتصادي والصحي بضمان رد فعل أمثل في مواجهة المخاطر الناجمة عن كوفيد 19 وغيرها. وتجدر في هذا الباب الإشادة بالمبادرات المتعددة التي تم اتخاذها لتعبئة موارد مالية كافية من أجل تفادي حدوث أزمة اقتصادية كبرى تنضاف إلى الأزمة الصحية. ونطالب بشدة بضرورة السهر على إدارة صارمة لتلك الموارد وعلى التنسيق دون الإقليمي والإقليمي الفعال للأنشطة بغية تعزيز الالتقائية والتكامل فيما بينها. * على النحو ذاته، سيكون تقاسم المعارف والمهارات والمواد الطبية عاملا حاسما. وتنبغي الاستعانة أكثر بالموروث الثقافي والتقليدي الهائل للطب التقليدي الأفريقي واستغلاله على وجه أمثل، مع ربطه بالطب والأبحاث الحديثين، كما قامت بذلك بنجاح دول كالصين مثلا. ويجب تشجيع الإبداع والطاقات الخلاقة على الصعيد المحلي، وكذا تثمين عروض الصناعة اليدوية على غرار معدات التعقيم الصحية الجديدة الموجودة في العديد من البلدان (غانا، الكاميرون،…). * ينبغي أن تتعلم أفريقيا من تجاربها ومن تجارب بقية مناطق العالم المصابة بالجائحة، ويجدر بها أن تنهض بالتضامن والتوعية الجماعية، خصوصا في المناطق القروية والأرياف، وأن تشجع التشخيص المكثف للإصابة بهذا المرض في أوساط الساكنة. وقد أبانت نماذج النجاح المؤقتة أن أفضل النتائج الصحية لا تتحقق بالضرورة بفضل الموارد الهائلة مبدئيا التي تسخرها البلدان ذات الناتج الداخلي الخام المرتفع، على غرار فيتنام التي منحت 550000 كمامة لخمسة دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي أو حتى كوبا التي تصدر خبرتها في طب المستعجلات للبلدان التي تعتبر متطورة. ويحمل فيروس كورونا في طياته نوعا من “نهاية التاريخ”، ويحيل أيضا على وجود نماذج بديلة. وينبغي على أفريقيا ابتكار النماذج الخاصة بها. حيث تحظى قارتنا بموارد كبيرة، وتمتلك ساكنة نشيطة مبدعة يمكن تعبئتها، ناهيك عن المهنيين المدربين القادرين على الصمود أمام الجائحة وهزمها. وينبغي من أجل ذلك اتخاذ القرارات المناسبة ومراجعها أو تكييفها عند الحاجة. وسيسمح وجود وعي جديد يربط القارة بأبناء شتاتها وبشبكات المثقفين والمهنيين والباحثين والمناضلين والجمعيات والساسة والمستقلين الجديدة بإسماع أصوات جديدة ومختلفة في هذه النقاشات. * على المدى المتوسط، ينبغي أن يكون الدرس الأساسي المستخلص من أزمة كوفيد 19 هو أن أفريقيا ستبقى ضعيفة في مواجهة الصدمات الخارجية إذا لم توفر استجابة هيكلية لتحدياتها الإنمائية. ويسرى هذا الأمر على الصحة وعلى غيرها من المجالات. حيث مازالت التبعية الصحية مشكلة شائكة، كما تعتبر كلفة عمليات الإجلاء الطبي للنخب وجها من وجوه عدم المساواة الاجتماعية واللاعقلانية الاقتصادية، على اعتبار أن العديد من هذه الخدمات يمكن توفيرها داخل أفريقيا بكلفة أقل. هذا ويعد استمرار نموذج اقتصاد الريع، القائم على تصدير المواد الأولية غير المحولة وانتظار العائدات الخارجية المتقلبة، نوعا من الانتحار. وتشمل بالتالي الأولويات الأفريقية الإنتاج المحلي لخدمات طبية ذات جودة وبأكبر تغطية ممكنة وتحويل المواد الأولية في عين المكان، بما سيضمن توليد القيمة وإحداث فرص الشغل، وكذا تنويع قاعدة الإنتاج. ففي الوقت الذي شل فيه فيروس كوفيد 19 الاقتصادات، ونشر الموت والأسى عبر العالم، وعطل حياة المجتمعات وجرم فيها أشكال العلاقات الاجتماعية الأكثر قدما، وشوش على الأجندات السياسية، دقت على النقيض من ذلك ساعة الحسم بالنسبة لأفريقيا من أجل مواجهة تحدياتها وإعادة ابتكار أشكال حضورها عبر العالم. إن التحدي الراهن هو بالفعل من العيار الثقيل، فعلاوة على توقف اقتصاداتنا، أعطت جائحة فيروس كورونا الفرصة لبعض وزارات الخارجية الغربية من أجل إحياء أفكار التشاؤم الأفريقي التي كنا نعتقد أنها انتهت دون رجعة. حيث تقدم السيناريوهات المتوقعة أفريقيا على أنها قارة ضعيفة وأن حالات الوفيات فيها لن تكون بالآلاف بل بالملايين. ونؤكد أن هذا السيناريو ليس حتمية تاريخية يستحيل على القارة تفاديها. حيث يعبر أكثر عن أصحابه لا عن حقيقة القارة الأفريقية، ولا يستطيع أحد استباق المستقبل أو التعتيم عليه من حيث المبدأ. فقد حان وقت استحضار أن فترات التحول عبر العالم ينجم عنها تجديد المعايير، الثقافية وفي بعض الأحيان الحضارية عند أولئك الذين يعتنقون شروط التغيير. ويتعين إذن مواجهة التحديات القائمة والانخراط بحزم في المعارك الضرورية لذلك. لذلك ندعو جميع المثقفين الأفارقة والباحثين من جميع التخصصات، ناهيك عن القوى الحية في بلداننا، إلى الالتحاق بمعركة مواجهة جائحة كوفيد 19 وإلى إنارة دربنا بعصارة أفكارهم ومواهبهم وإلى إثرائنا بثمار أبحاثهم واقتراحاتهم البناءة كلها. وينبغي علينا تحديد سقف متفائل مع الوعي الشجاع بالفجوات الواجب سدها. إن أفريقيا أخرى ممكنة، على غرار الإنسانية كلها، وينبغي حينها أن تقوم المجتمعات على أساس الرأفة والتعاطف والعدالة والتضامن. حيث أصبح ما كان يعتبر إلى حدود الساعة حلما طوباويا بعيد المنال ضمن الأمور الممكنة. وسيكون التاريخ شاهدا وسيديننا إذا كان مستقبلنا شبيها بماضينا. لنتجرأ على عدم فقدان الثقة في المستقبل وفي أنفسنا. لنتجرأ على مكافحة انتشار فيروس كوفيد 19 سويا، لنتجرأ على الانتصار سويا على الهشاشة العالمية الناجمة عن الجائحة التي تسبب فيها. أجل، ستنتصر أفريقيا على فيروس كورونا، ولن تنهار أبدا بسببه. الموقعون الذي ساهموا في تحرير النداء والموافقون عليه (نسخة 10 أبريل 2020) 1. كاكو نوبوكبو 2. أليون سال 3. رقية مادوغو 4. مارسيال زي بيلينغا 5. 5. فيلوين سار 6. كارلوس لوبيس 7. كريستينا دوارتي 8. أشيل مبيمبي 9. فرانسيس أكينديس 10. أميناتا درامان تراوري 11. سليمان بشير ديانغ 12. ليونيل زينسو 13. نادية يالا كيسوكيدي 14. ديمبا موسى ديمبيلي 15. فرانك هرنان إيكرا 16. ألينا سيغوبوي 17. مامادو كوليبالي 18. كريم العيناوي 19. مامادو ديوف 20. حكيم بن حمودة 21. باولو غوميز 22. كارلوس كاردوسو 23. جيل يابي 24. أديبايو أولوكوشي 25. أغوستين هول 26. فاضل بارو، 27. لاسان زاهوري، 28. مهدي علوي، 29. فيرونيك تادجو، 30. مداني تال، 31. ويلي زيكيد، 32. خديجة نين، 33. قدوس اونيكيكو، 34. فولاشاد صوليه، 35. تيدي مازينة، 36. جوزيف توندا، 37. تيكن جاه فاكولي 38. ابدو اللاي باثيلي 39. شيريل هاندريكس 40. للا عائشة بنبركة 41. الحادج كاسي 42. توفيق بنعبدالله 43. فريديريك غراهميل 44. ديديي اكويتي 45. يسرى ابورابي 46. ديديي اوادي 47. مرغاريت ابووي 48. فالزيرو 49. سموكي 50. مونزا