من الذي يزدري النساء؟ هل الدولة والصحافة التي وفرت الحماية القانونية والمواكبة الإعلامية للنساء ضحايا الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي والاغتصاب الممنهج المرتكب من طرف الصحفي توفيق بوعشرين ؟ أم أنه المعطي منجب الذي نزّه المتهم عن الاستغلال الجنسي ورمى بكل التهم والموبقات على مشجب النساء الضحايا؟ ومن الذي يتشبع بالنظرية البطريركية، أو ما يسمى بنظام الأبوية في الفكر الكنسي، هل هي مؤسسات الدولة التي استمعت لأنين الضحايا، وأفردت لهن الحق في الاقتصاص القانوني، أم أنه المؤرخ المعطي منجب الذي يسمو بالمتهم “الذكرّ عن “موحشات رذيلة” النساء، ويقدمهن، بلا أسف ولا وجل، ككومبارس في محاكمة المتهم؟ إن الثابت في مرجعيات حقوق الإنسان أنها كونية وشمولية لا تقبل التجزيء. فالذي يناضل من أجل قضايا النساء لا ينبغي أن يخصخص (من التخصيص) مواقفه بحسب الانتماءات السياسية أو القبلية أو الأسرية لنساء دون أخريات. والذي يجاهر بدفاعه عن حقوق المرأة يتوجب عليه أن يستنكف عن المناصرة المبدئية لمغتصبي النساء، وأن يصطف إلى جانب هؤلاء الضحايا النساء إلى أن يثبت العكس، لأن الأصل في شرائع الحقوقيين هو النضال من أجل مناصرة قضايا النساء، حتى يتسنى تقويض مرتكزات الفكر “البطريركي”. وإذا كان المعطي منجب قد نسي أو تناسى تعليقاته “الذكورية” التي تبرئ توفيق بوعشرين وتُنكّل بالنساء الضحايا، فإن أرشيف الجرائد الإلكترونية الوطنية ووسائط الاتصال الجماهيري لازال يزخر بالعديد من تعليقات الرجل التي لا تعزز فقط الفكر الذكوري البطريركي، وإنما تجسِّمه أوراقا ومدادا، صوتا وصورة، في مفارقة غريبة في مواقف الرجل المحسوبة على النضال. وإذا كان التاريخ كفيل بإبراز تباينات وتناقضات مواقف المعطي منجب، فإن كتاباته هي الأخرى شاهدة على نزقه وشطحاته بين الشيء ونقيضه. فالذي يقول أن القصر فرض في عام 2004 مدونة للأسرة على المجتمع المغربي المحافظ في أغلبيته، إما أنه بلا ذاكرة، أم أنه يتلاعب بذاكرة المغاربة، أم أنه مجرد ” مستمع” في مدرسة كبيرة إسمها المغرب. فالجميع يذكر اللجنة الاستشارية التي رأسها المرحوم محمد بوستة للتقريب بين رؤى مختلف المغاربة، خاصة في ظل السجال الكبير والتباين الواضح في المواقف بين مرجعيات المحافظين وأفكار الحداثيين، والكل يذكر أيضا الدور الكبير الذي اضطلع به عاهل البلاد في التوفيق والتحكيم بين الجميع لإخراج هذا الميثاق التشاركي للأسرة المغربية. أكثر من ذلك، فالمعطي منجب عندما يصدح بمناصرة نساء بعينهن، دون سواهن، فالأمر هنا يطرح أكثر من علامة استفهام، ويشكك في مصداقية الدفاع والنضال على حد سواء. فلماذا لم يناصر المعطي منجب النساء ضحايا توفيق بوعشرين؟ ولماذا لم يناضل من أجل النساء ضحايا الاستغلال الجنسي وسوء المعاملة في حقول الفراولة بإسبانيا؟ ولماذا لم يناصر المرأة المتزوجة التي ضبطت في أحضان صديقه هشام المنصوري في قضية الخيانة الزوجية؟ ولماذا لم يصطف إلى جانب “مي عيشة” التي تسلقت عمودا للكهرباء للمطالبة بحقها في نصيب من أراضي الجموع؟ لماذا قفز المعطي منجب عن كل هؤلاء النساء وآثر الحديث فقط عن آمنة ماء العينين وفاطمة النجار وهاجر الريسوني ونادية ياسين وخديجة الرياضي؟ هل لأن باقي النساء هن مجرد ساعيات في الأرض بلا انتماء سياسي ولا أسري ولا “عصبي” مثلما يقول عالم الاجتماع المغاربي ابن خلدون؟ وهل لأنهن مجرد مغربيات يناضلن لوحدهن من أجل حياة كريمة؟ أم أن “الباقيات الصالحات” هن الأجدر بالحماية والدفاع، على غرار فاطمة النجار التي ساعدت شيخا كهلا على القذف وهي تصلي في الأسحار وتلبس الأبيض حدادا، وأمنة ماء العينين التي كان دولاب ملابسها يفرق بين ملابس الشغل في المغرب وأزياء السمر في باريس، وهل هي هاجر الريسوني التي مست بأقدس حق من حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة، عندما أبادت جنينا في المشيمة، وقبله أزهقت روح رضيع كان كامل التكوين الخلقي. إن الذي يزايد على الدولة في حمايتها للنساء، عليه أن يكون مثالا وقدوة للنضال بنون النسوة، لا أن يكون “مثقوبا” في مواقفه، مترنحا في دفاعه بحسب انتماء النسوة وقربهن من أشخاص محددين أو أحزاب معينة. والذي يؤمن بكونية وشمولية الحقوق الفئوية، بما فيها حقوق النساء، عليه أن لا ينبري متهكما على النساء اللواتي يختلفن معه في الرأي، وأن لا يتقاسم في حائطه الفايسبوكي التعليقات المشينة لنساء اخترن أن يكن في الجانب الآخر حيث لا يمكث المعطي منجب ومن والاه من الحواريين في اليسار وسدنة الإسلام السياسي. وختاما، وفي سياق غير بعيد عن قضايا النساء، لا بد من تذكير المعطي منجب بأن لا أحد من الصحافيين ولا المتتبعين لقضايا الحوادث بالمغرب اتهم المحامين بتسريب محاضر هاجر الريسوني والصور الملونة الخاصة بعملية توقيفها، وإنما الموقع الإخباري الذي كانت تعمل فيه، هو من كتب مقالا مطولا يؤكد فيه بأنه حصل على نسخة من القضية من هيئة دفاع المتهمة. وبخصوص قضية الألوان، فيكفي أن يعلم المعطي منجب أن جميع المحامين الذين اطلعوا على الملف كانوا يحملون، أو يضعون على الأقل في جيوبهم، هواتف ذكية بإمكانها مسح القضية في دقائق دونما حاجة لرقن أو نسخ بآلة للفوطوكوبي. وللتصويب فقط، حتى لا يسخر الساخرون من المعطي منجب، فالفرقة الوطنية للشرطة القضائية تسمى اختصارا باللغة الفرنسية ب BNPJ، ولا تسمى هكذا شعبيا كما ادعى، كما أنها تباشر الأبحاث القضائية تحت إشراف النيابات العامة، وليست فرعا أو ذراعا لأي جهاز من الأجهزة التي يستوحيها المعطي منجب من المعجم الشرق-أوسطي، ومن أزمنة الأحزاب البعثية.