تماطلت الحكومة كثيرا في الاستجابة لمطالب المركزيات النقابية بخصوص الزيادة في الأجور، ولم تتمكن جلسات الحوار السابقة في حلحلة النقاط الخلافية بينهما حيث عجز وزير التشغيل والإدماج المهني محمد يتيم، في إقناع النقابات الأكثر تمثيلية بالزيادة الهزيلة التي اقترحتها عليها الحكومة، ما جعل وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت يدخل على خط الحوار الاجتماعي. وبعدما تسربت خلال الأيام القليلة الأخيرة معلومات تفيد بتوصل الحكومة والمركزيات النقابية إلى تفاهمات بخصوص زيادة 500 درهم بالنسبة للسلالم ما دون 10 بالرتبة 5، وزيادة 400 درهم ابتداء من السلم 10 بالرتبة 6 على ثلاثة أشطر، والزيادة في التعويضات العائلية، في حدود 100 درهم على كل طفل بالنسبة للأطفال الثلاثة الأوائل، والرفع من الحد الأدنى للأجور بنسبة 10 بالمائة؛ سارع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني إلى برمجة اجتماع مع النقابات مساء اليوم الخميس بمقر رئاسة الحكومة لتوقيع اتفاق الزيادة في أجور العاملين بالقطاعين العام والخاص. مشكلة الحكومة الحالية مثل سابقتها، أنها لم تكن تعيرُ الحوار الاجتماعي ما يستحقه على مستوى تثبيت السلم الاجتماعي الضروري لخلق الشروط والظروف المناسبة للإقلاع التنموي، والرفع من نسب النمو الكفيلة بمضاعفة الثروة، وخلق مزيد من فرص الشغل لفائدة الشباب. ولذلك فقد غابت عن العثماني ووزرائه أهمية انتظام جلسات الحوار ولم تكن طريقة الحكومة في التواصل مقنعة للنقابات بصفة خاصة وللمواطنين بصفة عامة. أما النقابات فهي مدعوة بدورها إلى اعتبار طاولة الحوار الاجتماعي ليست منصة للمطالبة بالزيادة في الأجور فقط، بقدر ما هي مطالبة بالعمل جديا على رفع وعي المأجورين بدورهم الأساسي في تنمية البلاد، وتحسين أدائهم بالإدارة والأوراش مع ما يتطلبه ذلك من استحضار العلاقة الجدلية بين الحقوق والواجبات. الأكيد أن هناك اختلالات عميقة تشوب أداء الإدارة المغربية، وظروفا غير مناسبة في علاقة العمال والمأجورين بالمقاولات والمؤسسات الخاصة، حيث تغيب اعتبارات الكفاءة والمهنية لحساب علاقات الزبونية والمحسوبية، وهذا ما يجعل المناخ العام في الإدارة والمقاولة لا يساهم في خلق الحوافز المحركة للعمل والابداع، وتلك معضلات ينبغي التصدي لها وجعلها من ضمن الأولويات التي ينبغي على الحكومة والنقابات وأرباب المقاولات معالجتها في أقرب الآجال. وهناك تحديات ترتبط بتنزيل الجهوية المتقدمة في الشق المرتبط بالموارد البشرية، حيث ستكون هناك حاجة ماسة لإعادة انتشارها بشكل منصف بين الجهات، ناهيك عن إلزامية حسن الاختيار على مستوى التعيين في مناصب المسؤولية بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة، ومحاربة الفساد والاتكالية وهدر الزمن الإداري الذي يساهم في تعطيل مصالح المواطنين. هكذا ينبغي أن يكون الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات شاملا ومرتبطا بما يفيد البلاد والعباد، ولعل أهم نقطة في ذلك هو تحسين وضعية المأجورين والرفع من قدرتهم الشرائية، والحرص على عدم اختلال التوازن بين الأجور والأسعار كي لا يؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبة الفقر، دون إغفال تحفيز الطبقة المتوسطة ودعمها والحد من الضغوطات التي مورست عليها طيلة ولاية حكومة بن كيران وإلى حدود منتصف ولاية حكومة العثماني، لأن دور هذه الطبقة حاسم في إنعاش الرواج التجاري وازدهار قطاع الحرف والخدمات والسياحة الداخلية.