لم يكن للصورة التي نشرها “برلمان.كوم” خلال هذا الأسبوع لإحدى محطات وقوف الحافلات بكندا، المزودة بأرجوحات تقي الزبائن توتر لحظات الانتظار، إلا أن يشعرنا بعد الابتهاج للعناية التي يوليها ذلك البلد لمواطنيه، أن يصيبنا في الوقت نفسه بغصة ونحن نعاين حال محطاتنا. إذ، إن كان فعلا من شريحة تستحق لقب “المقاومين الجدد” ستكون حتما شريحة ركاب الحافلات المغربية، نظرا لما يبدونه من صمود خرافي في وجه مختلف الهجمات التي تقصفهم من مسؤولين بسيل عياراتها التحقيرية والمسقطة من حساباتها لأي اعتبارات إنسانية. فبعد المعاناة التي صارت روتين صباح مساء هؤلاء وجزء من حياتهم اليومية سواء مع قلة الحافلات أو الأعطاب التي تلحق بها وحملها لأكثر مما تستوعب. وكذا الازدحامات التي لا يستفيد منها سوى محترفو رياضة الأصابع. فضلا عن الكراسي المتهالكة والزجاج المنكسر وأحيانا القطع الحديدية التي تغلق بها النوافذ بما يشبه زنازن متحركة. فبعد كل هذا فطن المسؤولون بفضل أفكارهم الخلاقة والنيرة، ما شاء الله، خاصة عقب انضمام فيالق إضافية هاربة من بطش التسعيرة الجديدة للطاكسيات، إلى أن يوشحوا صدور بني جلدتهم بنياشين من نوع خاص ويستقبلونهم عند كل موقف ل”الطوبيسات” بصناديق قمامة في مشهد لم يعد معه شك في كون الانتقاء مقصود والمعنيين محددين بالصفة ولا مجال في ذلك للصدفة ب “هاد لاري أو تلك”. وتكفي جولة بشارعي “رضى كديرة” و”النيل” اللذين يفصل بينهما شارع “الجولان” بمنطقة اسباتة في الدارالبيضاء، ليتأكد بأنه على طول تلك المسافة الفاصلة بين حمام الفن وشارع “10 مارس” أن النية مبيتة وما من موقف للحافلات إلا ومؤثث بصندوقين خضراوين لرمي الأزبال. الأمر الذي يذهب معه البعض إلى تفسيره ب”ها ما تسواو وما تستاهلو يا اصحاب الطوبيس” كتبخيس لكرامة هذه الفئة المغلوبة على أمرها وسبة علنية في وجوههم، وكأن أصحاب هذا الاختراع لا تكفيهم أجواء التوتر التي يقاسيها المواطنون داخل الحافلات ليعملوا على تسخينهم أكثر بروائح ومشاهد أزبالهم قبل دخول موقعة “التزاحيم” والاحتكاكات اللفظية والجسدية. صورة لإحدى محطات الحافلات بمدينة الدارالبيضاء وعودا على بدء، يبدو أن المقاومين الجدد وإن كانوا قد وجدوا أنفسهم في ما سبق مدعوين للتسلح قبل كل ركوب بصدريات واقية “جيلي كونتر بال” وحزام أسود في إحدى فنون الحرب، صاروا الآن مطالبين باصطحاب أقنعة مضادة للغازات السامة “ماسك أ غاز” تحسبا لأي مناورة محتملة. فالمعركة معلنة والحرب خدعة.