على هامش الخرجة غير المدروسة لنزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، والتي دعا فيها إلى تدريس المواد العلمية باللغة العربية، عبر عبد الإله ابن كيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، ورئيس الحكومة السابق، عن مساندته لنزار بركة في هذا التوجه وعن دعمه لاعتماد العربية كلغة لتدريس المواد العلمية بالمدارس العمومية. والغريب في الأمر أن نزار بركة الذي يناقض اليوم نفسه، وينقلب عن مساره التعليمي فيما يشبه طمس الحقيقة وتحريفها، هو نفسه من خريجي البعثة الفرنسية حيث لم يكن طبعا يدرس المواد العلمية باللغة العربية، كما أنه تنعم وتنغم باللغة الفرنسية بعد سفره إلى فرنسا ليتابع دراساته بجامعة “إكس دي مارسي” بمارسيليا، ومن تم العودة الى المغرب ليخطو على سجادة مكسوة بالورود بفضل انتمائه الأسري أولا .. وليس حزب الاستقلال هو من سيجرؤ اليوم على استغلال فرصة عرض القانون المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي على البرلمان، كي يلقن المغاربة توجيهات في المناهج التربوية ولغات التدريس بالأقسام الابتدائية والثانوية، فالجميع يعرف أن هذا الحزب كان له نصيب الأسد في الإشراف على وزارة التعليم سنوات الثمانينات وبداية التسعينات، وأبناؤنا هم من ذاقوا من ويلات نتائج التدابير المرتجلة التي اعتمدها وزراءه، والتي قادتنا اليوم الى هذا الفشل الذريع، وإلى هذا التدني في مستوى التعليم، إلى أن أصبحت مدارسنا وثانوياتنا تحتل آخر الرتب في التصنيفات الدولية والعربية بل وحتى الإفريقية. ثم إننا لا نكاد نفهم لماذا يستمر بعض القادة السياسيين في نهج سياسة الإقصاء والتمييز في حق أبناء الوطن الواحد، ولماذا يمعنون في تزوير الحقائقة وتغليفها بخطاب مبني على ازدواجية المعايير ومستند على مبدإ الكيل بمكيالين حين يتعلق الأمر بمسار أبنائهم التعليمي ومسار أبناء الاسر الفقيرة والمتوسطة؟ فبعد أن حرمت هذه السياسة الاقصائية أبناء الجيل الماضي من منافسة نزار بركة، وكريم غلاب، ووغيرهم في المدارس العليا بفرنسا، هاهم هؤلاء أنفسهم من يأخذون اليوم بناصية القرار، ليحرموا أبناء الفقراء من الجيل القادم من الجلوس في نفس الطاولة مع أبنائهم وأحفادهم، تكريسا وترسيخا لنفس السياسة التعليمية التي اعتمدها آباؤهم وأجدادهم حين عمقوا الفوارق الاجتماعية داخل المدارس المغربية، وحرموا شباب اليوم من أبناء الأسر الفقيرة من ولوج المعاهد والمدارس العليا في المغرب وفرنسا، “حلال علينا وحرام عليكم”. فبينما يسهر نزار بركة على تدريس ابنه وأبناء عائلته بلغة موليير بمؤسسة “أندري مالرو”، وبينما يعترف بنكيران بأن ابناءه درسوا بنفس اللغة وفي أرقى المؤسسات التعليمية الخاصة في المغرب، نجدهم في ذات الوقت يناضلون من أجل حرمان أبناء الطبقات البسيطة من منافسة أبناءهم غدا في المراكز والمناصب العليا وحق اتخاذ القرار، وهاهم يسعون اليوم جاهدين إلى قص أجنحة أبناء الفقراء، كي لا يتقنوا المواد العلمية باللغات العالمية التي تفرض نفسها حاليا ومستقبلا في قطاعات الأعمال والإنتاج. نحن لا نعرف طبعا لماذا يتحدث هذان الزعيمان بانتهازية غريبة، تتناقض تماما مع أساليب ومناهج تدريس أبنائهم، فزوجة عبد الإله بنكيران نبيلة هي خريجة مؤسسة فرنكفونية، ولذا فقد حرصت مع زوجها على تدريس أبنائها في مدارس عليا، بدءا من الابن الكبير، خريج المدرسة العليا للتجارة وإدارة المقاولات، والذي يعمل حاليا محاسبا، ولا يشتغل الا باللغة الفرنسية. اما ابنته الأخرى فهي خريجة المعهد العالي لدراسة التسيير، التابع طبعا للقطاع الخاص، أي أن أداء تكاليف الدراسة الباهظ يتنافى طبعا وادعاءات بنكيران بالفقر والحاجة. أما ابنه الأخير فقد درس بدوره في القطاع الخاص، وولج بعد ذلك الاقسام التحضيرية لثانوية ديكارت، المنتمية للبعثة الفرنسية، باهظة التكاليف، قبل ان يسافر الى فرنسا لمتابعة دراسته. فمن نصدق هنا يا ترى، عبد الإله بنكيران الذي يدعي الفقر و”التمسكين”، بينما هو يدرس أبناءه في أغلى المدارس؟ أم عبد الإله بنكيران الذي يريد ان يزج بأبناء الشعب بعيدا عن مستوى ابنائه، فيدعوهم للاكتفاء باللغة العربية في المدارس العمومية لغياب الاساتذة الاكفاء في اللغة الفرنسية؟ ولعل بنكيران، الزعيم السياسي، نسي او تناسى في لحظة وعي أو غفلة، أنه هو نفسه سعى في شبابه إلى البحث عن تكوين عالي المستوى لنفسه، لكنه تعثر في بداية مساره حين رسب في الأقسام الأولى من المدرسة المحمدية للمهندسين، فرحل بعد ذلك إلى دراسة العلوم الفيزيائية باللغة الفرنسية التي لا يتقنها كثيرا اليوم، وتلك مسألة مرتبطة بالكفاءة لان صاحبنا يهوى الكلام والسياسة. وفي وقت لا نعرف فيه لماذا يتسابق قياديو العدالة والتنمية، وقياديو حزب الاستقلال على تدريس أبنائهم في أرقى المدارس الخصوصية، بينما يستخسرون على أبنائنا حق الحصول على تعليم جيد في المدارس العمومية. حتى جماعة العدل والإحسان التي لا توظف إلا اللغة العربية في بلاغاتها، فإن مؤسسها ومرجعها “الروحي” الراحل عبد السلام ياسين، درَّس ابنته نادية ياسين، بثانوية “ديكارت” المنتمية إلى البعثة الفرنسية، والتي لا قدرة على تكاليف تدريسها إلا لمن له قدرات مالية كبيرة. قد يكون حزب الاستقلال وزعيمه صادقين حينما وصفا قرارات الحكومة بكونها مزاجية، وقالا إن الاغلبية الحكومية غارقة في الأنانيات، وصراعات الزعامة، والربح والخسارة، ولكننا نخبر نزار بركة بأن خرجته الإعلامية لم تكن موفقة ومدروسة حين أراد السير على نفس نهج سابقيه في التمييز بين التعليم الممنوح للطبقات العليا وذلك الذي يلقى به إلى ابناء الطبقات المتوسطة والبسيطة، وبالتالي فإننا ننبهه بالفشل الذي يمكن أن يواجهه من خلال سياسة التخندق، وطلب “ضيف الله” عند حزب العدالة والتنمية، فذاك لا يليق بتاريخ حزبه.