لنكن واقعيين، فرنسا بالنسبة للمغرب والمغاربة أكثر من صديق أو حليف، فرنسا إحدى شرايين حياة الدولة والمجتمع المغربي. ما يقع لفرنسا من هيجان للسترات الصفراء، تحول إلى ضربات مجهولة من داخل المربعات الأمنية والسياسية المتطرفة، وأيضا من دوائر خارجية، على الأقل على مستوى التهييج الإعلامي والتواصلي، يضعنا نحن المغاربة أمام واجب تاريخي من نوع خاص. واجب محاربة التطرف والانحراف نحو المجهول، مجهول قد تصيبنا بعض شظاياه في مقتل. إنه نفس الواجب الذي أقنع المغاربيين والأفارقة لحمل السلاح للدفاع عن استقلال فرنسا أمام زحف النازية. واجب تختلط فيه المصلحة الإقتصادية والسياسية والثقافية أيضا، فرنسا هي إحدى الحدود العميقة للمغرب، تفرض علينا الانتصار لها ولأمنها واستقرارها. الجاليات المغاربية موجودة بكثافة في فرنسا، والمغاربة جزء مهم في النسيج الديموغرافي والعمالي الفرنسي، ومكون لايستهان به في الأوساط الفرنسية، بارتباطاتهم المتنوعة. أيضا الجاليات العربية والمسلمة تشكل طعما سهلا لالصاق تهم التطرف والإرهاب. المغرب مطالب اليوم بتحمل مسؤولية تأطير أبناء الضواحي الباريسية لتحذيرهم من الانجرار وراء التطرف الأصفر. هي مسؤولية تاريخية واعية بالمصالح والرهانات والمخاطر، مسؤولية إنسانية أخلاقية تجاه فرنسا، تتجاوز القانون والأعراف الديبلوماسية نظرا للضرورة وحالة الاستعجال، مستحضرين مواقف فرنسا، التي كانت دائما قوية و بطولية للانتصار لقضايا المغرب المتنوعة، بل إنها شكلت في محطات كثيرة واقيا ضد “الرصاص”، ولاينبغي معاقبة فرنسا ككل، انتقاما نفسيا لما كان يكيله لنا إعلامها في محطات كثيرة. هذا الدور التأطيري ليس واجبا على الدولة المغربية فقط، بل يمتد إلى كل الفاعلين من أحزاب ونقابات ومثقفين وإعلام. أكثر من ذلك ومن باب التدخل الإيجابي والأخلاقي، في إطار التعاقد الضمني المغربي الفرنسي على صيانة الاستقرار والوحدة، ليس هناك أي مانع من توجيه أبناء المغرب هناك، لأن يتجندوا للدفاع عن فرنسا ضد العنف والتطرف، لأنه في آخر المطاف دفاع عن مصالح المغرب والمغاربة ككل. الأزمة الفرنسية لاينبغي الوقوف عندها كالمتفرج أو المتشفي، وإنما يتعين التحرر من الذاتية وحب الانتقام، لإجراء قراءة موضوعية للمآلات والمخاطر المحتملة على المغرب جراء هذه الانتفاضات غير المؤطرة، على قضاياه الكبرى وعلى استقراره وأمنه بشكل أدق.