من قال أن “البلايا لا تأتي فرادى.. بل سرايا كالجيش” كان مُحقا على الأقل في قضية المتهم توفيق بوعشرين، المتابع أمام غرفة الجنايات الابتدائية بالدار البيضاء بتهم الاتجار بالبشر والاغتصاب وهتك العرض والتحرش الجنسي. فما أن تنشر الصحافة الوطنية مصيبة من مصائب الرجل إلا ويدخل في مشكلة قضائية أشد منها أو تكاد تكون مثلها، وهو ما يزيد وضعه القانوني تأزيما، ويفتح الباب على مصراعيه أمام متابعات قانونية جديدة في مواجهته، وكأنه هو الشخص الذي كان يعنيه المتنبي في بيته الشهير القائل (قد تتوالى المصائب والمحن على المرء… فلا يصحو من مصيبة إلا والأخرى متشبثة بها”. ففي الوقت الذي لازالت فيه تداعيات الخبرة التقنية على الأشرطة والتسجيلات “الإباحية” المحجوزة بمكتب المتهم تٌرخي بظلالها على سير المحاكمة، وتدفع في اتجاه تعزيز وسائل الإثبات المادية التي تؤثر في القناعة الوجدانية لهيئة المحكمة، خصوصا بعدما أكد مختبر الدرك الملكي صحة تلك الأشرطة والتسجيلات وعدم تعرضها للتحريف، ها هو المتهم توفيق بوعشرين يدخل في خلافات جديدة مع القانون ومع أجهزة العدالة الجنائية، وهو ما ينذر بتعقيد وضعه القانوني المعقد أصلا. ففي فصل جديد ضمن مسلسل خلافات المتهم توفيق بوعشرين مع القانون، ضبطت إدارة سجن عين برجة بالدار البيضاء، نهاية الأسبوع المنصرم، أحد موظفيها وهو متلبس بمحاولة تسريب هواتف منقولة وأشياء محظورة للمتهم داخل زنزانته، وذلك في خرق صريح للمقتضيات القانونية المنظمة لعمل المؤسسات السجنية والإصلاحية، وهو ما استدعى فتح بحث قضائي من طرف النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، وفق ما كشف عن ذلك مصدر قضائي قريب من التحقيق. وفي سياق ذي صلة، أشارت مصادر إعلامية متطابقة أن النيابة العامة قررت اعتقال موظف السجن وأحد أفراد عائلة المتهم توفيق بوعشرين وإيداعهما بالمركب السجني عكاشة، وذلك بعدما كشف البحث أن عملية التسريب هاته انطوت على أشياء ومعدات يمنعها قانون السجون، وأن العملية تم التحضير لها بمقابل مالي، وبإيعاز من زوجة توفيق بوعشرين، وهو ما يشكل من الناحية القانونية جريمة الإرشاء والمشاركة في الارتشاء. ودائما في خضم هذا المنحى التصاعدي لخلافات توفيق بوعشرين مع القانون، “أبى هذا الأخير إلا أن يدخل في منعطف جديد وخطير أثناء جلسة محاكمته مساء أمس الاثنين، بعدما أمسك بتلابيب البذلة السوداء للمحامي عبد الفتاح زهراش وقام بدفعه بقوة وتعنيفه أمام هيئة المحكمة”، وذلك حسب ما أكده دفاع المطالبات بالحق المدني في هذه القضية. فحسب الأستاذ محمد الهيني والأستاذة مريم جمال الإدريسي من هيئة دفاع الضحايا والمطالبات بالحق المدني، فإن “رئيس غرفة الجنايات التي تنظر في هذا الملف أمر كاتب الضبط بتلاوة محضر الجلسة الذي يوثق للاعتداء، وقرر إحالة نسخة من هذا المحضر على النيابة العامة لترتيب المسؤوليات القانونية”، وهو ما يؤشر، مرة أخرى، على متابعة جديدة في حق المتهم توفيق بوعشرين تتعلق “بإهانة والاعتداء على محامي أثناء أدائه لمهامه وفي قاعة المحكمة”. هذا الاعتداء الأخير الصادر عن المتهم توفيق بوعشرين في حق المحامي زهراش، كان له وقع كبير على أصحاب البذلة السوداء، والذين عبّروا بالإجماع، مع استثناء واحد هو المحامي محمد زيان، (عبّروا) عن استهجان ورفض هذا التصرف الذي اعتبروه تطاولا على مهنة المحاماة، واعتداءً سافرا على هيئة الدفاع، يقتضي الصرامة والحزم في التعاطي القانوني معه، بل إن العديد من المحامين الذين حضروا جلسة أمس اعتبروا تصرف المتهم توفيق بوعشرين ” تسلطا وتجاوزا غير مقبول من متهم لا زال يعتقد نفسه يُمسك بمقاليد سلطة يجهلون مصدرها”. ومن المنتظر أن تدخل نقابة هيئة المحامين بالدار البيضاء على خط هذا الاعتداء، خصوصا وأنها واكبت محاكمة توفيق بوعشرين منذ بدايتها وكانت لها مواقف حازمة في حق العديد من المحامين، بمن فيهم النقيب محمد زيان، حيث يتطلع أصحاب البذلة السوداء أن تنتصب النقابة كمطالب بالحق المدني على إثر الاعتداء الجسدي الذي طال الأستاذ عبد الفتاح زهراش من قبل المتهم توفيق بوعشرين. اليوم .. تدخل محاكمة المتهم توفيق بوعشرين مداخل قانونية عديدة ومعقدة، بعدما أصبح يواجه في المستوى الأول شكايات متعددة لضحايا الاغتصاب وهتك العرض والتحرش الجنسي والاتجار بالبشر، ويتابع بالموازاة مع ذلك في قضية الاعتداء على محامي أثناء تأديته لمهامه المتمثلة في الدفاع عن المطالبات بالحق المدني، في وقت تظل فيه قضية المشاركة والتواطؤ في شراء ذمة موظف بالسجن لتهريب مواد ومعدات محظورة إلى داخل المؤسسة السجنية مفتوحة على سيناريوهات متعددة… ستنتهي حتما بفصول متابعة جديدة لأن القانون المغربي يعاقب على جرائم الفساد المالي وعلى المشاركة في خرق إجراءات الأمن داخل المؤسسات السجنية. “واليوم.. مع توالي أفعال وتصرفات توفيق بوعشرين التي تأخذ أوصافا إجرامية وتكييفات قانونية، لم يعد السؤال المطروح لدى الرأي العام هو هل ارتكب المتهم جنسا رضائيا أم جرائم الاتجار بالبشر والاغتصاب وهتك العرض، وإنما أصبحت القناعة الراسخة لدى أوساط واسعة في الرأي العام هي أن المتهم بوعشرين ما كان له أن يُمعن في إذلال ضحاياه، وأن يتطاول على محامي ويعنفه، وأن يشتري ذمة موظف بالسجن… بدون ذلك التسلط الذي كان يستمده من بعض الفاعلين في الحقل السياسي”. بهذه الإشارات ذات الحمولة السياسية اهتارت محامية من هيئة دفاع الضحايا التعليق على ما اعتبرتها انحرافات المتهم بوعشرين.