يبدو أن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية لا تفرق بين اختصاصاتها واختصاصات مؤسسات الدولة، إلى درجة أنها نصبت نفسها لممارسة وصايتها على مؤسسة قائمة بذاتها، وتعتقد أن ترؤس الأمين العام للحزب لهذه المؤسسة يُخول لها التدخل في صلاحياتها، وتعتقد أن تسييرها يخص حزب العدالة والتنمية فقط دون بقية الأطراف السياسية، التي تتشكل منها الأغلبية الحكومية. وهذا ما بدا جليا خلال البلاغ الأخير الذي أصدرته الأمانة العامة لحزب العثماني يوم أمس، والذي طالبت فيه أحد الوزراء بمغادرة الحكومة، في خطوة وصفها محللون ب”العبث”. فكيف لمؤسسة داخل حزب أن تطالب وزيرا بالخروج من الحكومة مادام دستور البلاد واضحا في هذا الشأن، ويمكن لرئيس الحكومة، أن يُفَعل الفصل 47 من الدستور الذي يمنحه إمكانية طلب إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة. التطاول على مؤسسة رئاسة الحكومة المحلل السياسي والأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي اعتبر بلاغ الأمانة البيجيدي “تطاولا” على اختصاصات رئاسة الحكومة، وكأن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية قد تحولت إلى مجلس حكومي أو مجلس لرئاسة الأغلبية. “إن الأمانة العامة للبيجيدي تناست أنها مجرد مؤسسة في حزب، وأضحت توزع تنقيطها على الوزراء، كأنهم موظفين لدى الحزب أو إدارة يترأسها البيجيدي،” على حد تعبير المحلل السياسي. ويضيف الشرقاوي في تصريح خاص ل”برلمان.كوم“، أن الجهة الوحيدة التي يحق لها أن تقرر هل الوزير ارتكب خطأ أم لا، هي مجلس الحكومة، وذلك وفق القانون التنظيمي لأشغال الحكومة، وليس الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية. ويلفت المتحدث إلى الخلط الذي وقع فيه حزب “المصباح”، مشيرا إلى أن “الأمانة العامة للحزب لم تميز بين الرد السياسي الذي يعتبر مطلوبا وعاديا في إطار الصراع السياسي، وما ارتكبته من اعتداء على اختصاصات رئيس الحكومة، المخول له تقديم اقتراح لإعفاء الوزير المعني أو اتخاذ تدابير تأدبية في حقه وليس الأمانة العامة للبيجيدي هي التي تقرر”. ميثاق الأغلبية مُرِّغ في الوحل وكان بلاغ الأمانة العامة للعدالة والتنمية قد صدر كرد على تصريحات القيادي بحزب التجمع الوطنيي للأحرار ووزير الشباب والرياضة، رشيد الطالبي العلمي، على الرغم من أن الطالبي العلمي لم يشر بالإسم في انتقاداته إلى حزب العدالة والتنمية. وتطرح ردة فعل العدالة والتنمية “التصعيدية” العديد من التساؤلات حول حرصه على احترام ميثاق الأغلبية، خصوصا وأن عددا من وزراء حزب المصباح، ضمنهم رئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران، تسببوا في أزمات دبلوماسية مع دول شقيقة بسبب تصريحاتهم. لكن بالمقابل، لم يُسجل في أي مناسبة استغلال حزب التجمع الوطني للأحرار لهذه التصريحات من أجل مهاجمته حليفه في الأغلبية الحكومية، العدالة والتنمية. وفي هذا الصدد، يقول عمر الشرقاوي “إن ردة فعل العدالة والتنمية تُثبت أنه لم يعد هناك شيء اسمه تحالف حكومي، بل هو خليط هجين من الأحزاب، ما يفرقهم أكثر من ما يجمعهم، فميثاق الأغلبية أصبح عرضة للخرق من طرف جميع مكوناتها لكن بدرجات متفاوتة”. ويضيف الشرقاوي، أن وثيقة ميثاق الأغلبية “مُرِّغت” في الوحل، وأصبحت مثل “جفاف” يمكن لأي طرف في الحكومة أن يمسح فيه قدميه. “البيجيدي” والدفاع المستميت عن تركيا وكشفت بعض ردود فعل قياديين بالعدالة والتنمية العلاقة المشبوهة التي تربطهم بحزب العدالة والتنمية التركي، إذ هاجموا الطالبي العلمي عبر وكالة “الأناضول” التركية للأنباء، بسبب انتقداه للنموذج الإقتصادي الذي جاء به أردوغعان بتركيا. هذا الأمر يدفع إلى التساؤل عن سبب تحسس حزب العدالة والتنمية كلما ذُكِر إخوانه التركيين في المغرب، وسبب خروج أتباعه للدفاع عنه ومهاجمة كل من انتقد تركيا؟ عمر الشرقاوي يجيب عن هذا السؤال قائلا: “لا يخفى على أحد الدفاع المستميت الذي يقوم به حزب العدالة والتنمية عن نظيره التركي في المغرب، فكلما ذكر حزب أردوغان في المغرب إلا وتجند مناضلو “البيجيدي” وكتائبه للدفاع عنه وتنصيب أنفسهم كمحامين عنه.”' وأضاف “أن حزب العدالة والتنمية له عقيدة إيديولوجية لها امتدادات في العالم بخلاف حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو حزب ذو توجه ليبرالي، له تاريخ وارتباطات في الدولة تختلف عن البيجيدي”. ويرى الأستاذ بكلية الحقوق بالمحمدية أن “إيديولوجية حزب العدالة والتنمية تدفعه إلى تقمص تجارب يتقاسم معها العديد من المعتقدات السياسية والإيديولوجية، منها حزب العدالة والتنمية التركي الذي يتشابه كثيرا معه ويقتدي به، مشيرا إلى أن درجة هذا التقمص وصلت إلى حد التماهي بين الحزبين المغربي والتركي؛ بحيث تجعل مناضلي البيجيدي يدافعون عن الحزب التركي كأنه حزب مغربي”. ويلفت الشرقاوي إلى أن “البيجيدي” لا يخفي تعاطفه الكبير مع تركيا. مشيرا إلى أن هناك أعضاء بالحزب يدرسون أطفالهم بتركيا، ورجال أعمال فتحت لهم الأبواب في عهد حكومة ابن كيران (…). لكن هذه الأمور لا يمكن القول بأنها محاولة لاختراق المغرب أو تتريكه، ومن الصعب القول بذلك، لأن للبلاد مؤسسات وأجهزة تحميها من أي اختراق. وإذا كان هذا الأمر فيه مصلحة للوطن والاستثمار الوطني، فلن يكون هناك أحد ضده، يضيف الشرقاوي.