إذا كنت صحفيا ولا تصطف إلى جانب فريق توفيق بوعشرين، فاعلم أنك من “صحافة التشهير”! وإذا كنت صاحب منبر إعلامي ينشر وجهات النظر المختلفة حول “محاكمة القرن”، ولا يقتصر فقط على تبييض صك متابعة المتهم، فأنت صاحب جريدة صفراء مشمول بالجرد الانتقائي والاستقصائي الذي وضعه الصحفي عمر المخفي للجرائد المقربة من السلطة! وإذا كنت (بكسر التاء) من النساء الضحايا اللائي لم يتراجعن عن تصريحاتهن التمهيدية أمام الضابطة القضائية، ورفضن إبرام تسويات تحت الطاولة مع محيط المتهم توفيق بوعشرين، فاعلمي أنك من “حريم التجريم”. وإذا كنت (بفتح التاء أو كسرها) واحدا ممن يشكلون الرأي العام المناصر للضحايا في ملف ناشر أخبار اليوم المتهم بالاغتصاب والمتاجرة بالبشر، فاعلم أنك رأي عام “مُمخزن” و”موّجه” تتحكم فيه فلول صحافة السلطة وإعلام التشهير. وإذا كنت محاميا تنوب عن الضحايا، وتؤازر المشتكيات اللواتي أصررن على متابعة المتهم، فأنت-بدون شك- محامي بعيد عن نبل مهنة الدفاع… قريب من أجندات السلطة. إنها ليست تصنيفات افتراضية، بالرغم من ظاهرها التمييزي، وإنما هي ثُلّة من المعايير التي يعتمدها حاليا بعض أعضاء “لجنة العدالة والحقيقة” في ملف المتهم توفيق بوعشرين من أجل تمييز من يقف معهم ومن هو ضدهم. ألم تهاجم خديجة الرياضي مجموعة من المنابر الإعلامية الوطنية، واصفة إياها بصحافة التشهير، لمجرد أنها نشرت وجهة نظر مغايرة لتلك الصادرة عن المتهم ومحيطه؟ ألم يصف سليمان الريسوني نعيمة ووداد وسارة بجوقة “حريم التجريم”، بينما انبرى يُعدّد مناقب أمال وعفاف وحنان؟ ألم يُمجد عبد العالي حامي الدين أعضاء في هيئة دفاع المتهم بينما عكف رفاقه في اللجنة على تسويد سمعة دفاع المشتكيات؟ قد يبدو مفهوما، من الناحية المبدئية، هذا التصنيف “البرغماتي” الذي يعتمده أعضاء لجنة العدالة والحقيقة في ملف الصحفي توفيق بوعشرين، على اعتبار أنهم ينطلقون من مبدأ الدفاع اللامشروط عن المتهم، إلا أن الذي يبقى عصيا عن الفهم هو ذاك التناقض الصارخ الذي تسقط فيه اللجنة بين مواقفها ومواقف أعضائها، والتباين الواضح بين تصريحاتها الرسمية وتصريحات ممثليها وأعضائها في وسائل الإعلام. فالبيان رقم 1، الذي نشره أشرف اطريبق منسق لجنة الحقيقة والعدالة والناطق الرسمي باسم أعضائها، أشاد ب”المواكبة الإعلامية والتغطية الصحفية” لأشغال الندوة التي نظمتها اللجنة، بينما خرجت الرياضي وسليمان الريسوني للتشهير بالصحافة والصحفيين، وتصنيفهم حسب ميولاتهم وقربهم من المخزن أو بعدهم من توفيق بوعشرين، وهو ما أفرز تصنيفات جديدة في الصحافة بين “صحافة الموالاة” و” صحافة التشهير”، في اقتباس لنظام المحاصصة السياسية في لبنان، وتمييزات زعيم القاعدة السابق عندما قسّم العالم بين فسطاطي الخير والشر. لقد كانت النقابة الوطنية للصحافة واضحة في مواقفها منذ اندلاع الشرارات الأولى لهذه القضية، حيث سارعت بمطالبة سلطات الادعاء بتوضيح التهم المنسوبة للسيد توفيق بوعشرين، واحترام مقومات المحاكمة العادلة، وبعدها التزمت الحياد والتجرد بعدما أيقنت بأن الجرائم المنسوبة تدخل ضمن جرائم الحق العام، وأن طرفي القضية معا من جسم الصحافة: فالمتهم صحفي وناشر لجريدة يومية والضحايا إما صحفيات أو مستخدمات في الوسط الإعلامي. وقد فسح هذا الموقف الحيادي من جانب النقابة المجال للسلطة القضائية لاتخاذ المتعين قانونا في النازلة، بعيدا عن التأثير الخارجي أو النقاشات الملتبسة والمزايدات العدمية. واليوم، نلاحظ كيف أن محيط المتهم، وتحديدا من يُقدّمون أنفسهم باحثين عن العدالة والحقيقة في ملفه، باتوا يصنفون وسائل الإعلام حسب إملاءاتهم الشخصية ويكيلون التهم والأوصاف الذميمة للصحفيين بسبب تعاطيهم مع قضية توفيق بوعشرين. فهل قذف وإهانة وسائل الإعلام هو المدخل الأساسي لتوفير العدالة في هذه القضية؟ وهل سب وشتم الضحايا وهيئة دفاعهم هو دليل براءة المتهم؟ أم أن الهدف من التراشق بالاتهامات وإطلاق الأوصاف البذيئة من طرف بعض أعضاء اللجنة المنصوبة، هو امتداد فقط “لمحاماة الفوضى” التي كرّسها منذ انطلاق المحاكمة بعض أعضاء هيئة دفاع المتهم توفيق بوعشرين.