خلال هذه السلسلة الرمضانية، سيغوص "برلمان.كوم" بقرائه في عالم شخصيات طبعت تاريخ المغرب المعاصر في مجالات متعددة؛ الفن والرياضة والفكر والسياسية والعمل الاجتماعي، بالإضافة إلى المال والأعمال. "برلمان.كوم"، وليقربكم أكثر منها، ارتأى تقديم نبذة عن تلك الشخصيات التي سلط الضوء على حياتهم وأهم أعمالهم، والأحداث التي أدخلتهم سجل التاريخ المغربي المعاصر من بابه الواسع.
ومن بين تلك الشخصيات، الراحل محمد رويشة الإنسان والفنان الذي احترم فيه المغاربة وطنيته الصادقة وحبه المتدفق بقلبه الكبير لكل الناس.
تعلق محمد رويشة الذي ازداد سنة 1950 بمدينة مريرت بالأغنية الشعبية الأمازيغبة في بداياته الفنية، وقاده ارتباطه بالأرض، وولعه بالتراث ليصقل شخصيته بشكل عصامي، ويعطي الإنطباع منذ نعومة أظافره بأنه سيكون فنانا كبيرا بمعنى الكلمة. أجمل ما يمكن أن يوصف به محمد رويشة هو الكرم الذي سارت يذكره الركبان، وهذه الشيمة هي التي جعلته يزاول الفن لا لأجل المال ولكن ليجعل منه جسرا من القيم النبيلة نحو قلوب الناس . رويشة وعشقه لمدينة خنيفرة “خنيفرة ما ننساك حتى نموت حداك” هكذا كان يردد الفنان الكبير هذه اللازمة في أغانيه، وقد ظل بالفعل وفيا لمعشوقته مدينة خنيفرة، لم يغادرها إلا نحو دار البقاء، بعد أن ترك وصيته بأن لا يدفن في غير ترابها الذي لا توجد رقعة منه إلا وقد وطأتها قدماه. رويشة وتشبثه بالتراث وقيم تامغرابيت لم يلهت محمد رويشة وراء المال، ولم يستهويه الإستقرار بالأحياء الراقية للمدن الساحلية كما فعل كثير من الفنانين، ومقابل ذلك ظل وفيا لبلدته خنيفرة، التي اتخذها مستقرا له، ورضع فيها حليب تامغرابيت. تشبث نجم خنيفرة وهرمها الفني بالتراث، جعله ملتزما في أغانيه بقيم الأصالة، عاكسا لروح الثقافات الشعبية التي تزخر بها مختلف مناطق المغرب. ولذلك حرص على أن لا يوظف في أنماطه الموسيقية الآلات الجديدة لتنميق الإيقاع، ولم يقبل يوما تلميع صوته بالمؤثرات الصوتية كما دأب أغلب المغنين على ذلك. رويشة ملك الوتار الذي نقل الأغنية الأمازيغية إلى العالمية استطاع محمد رويشة بتواضعه المؤثر في القلوب أن يبصم بعصامية ناذرة على مسار فني حافل ومتميز، غنى فيه حول الأمومة والغربة والشوق والحب.. وغيرها من المواضيع الاجتماعية، وترك بصمته الخالدة على آلة “الوتار” التي أضاف الوتر الرابع لأوتارها الثلاث، فأضفى على إيقاعاتها نغمات تجمع بين رقة الموسيقى ولوعة الشجى. لم يمهل الموت الفنان الكبير محمد رويشة كثيرا فقد رحل عنا إلى دار البقاء سنة 2012 وعمره لا يتجاوز 62 عاما خلف خلالها ألبومات غنائية متعددة الأنماط باللغة الأمازيغية والدارجة المغربية. غير أن في سنوات عمره الأخيرة تمكن هرم الأطلس المتوسط من إيصال الأغنية الأمازيغية إلى مستوى العالمية عبر رائعته “إيناس إيناس” .