إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكالية قوانين التعمير وتشجيع الاستثمار العقاري بالمغرب
نشر في برلمان يوم 02 - 05 - 2014

يعتبر التعمير فنا من الفنون قبل أن يكون علما، وسياسة من السياسات قبل أن يكون قانونا، وبهذا المعنى يصبح قابلا للتطبيق على كل المجتمعات البشرية سواء بالنسبة للدول المتقدمة أو بالنسبة لباقي الدول التي تقل عنها أهمية[1]. فقانون التعمير مجال متخصص يدخل ضمن منظومة القانون العام، والذي تحكمه قواعد وتقنيات تقليدية للقانون الاداري في جميع تطبيقاته؛ كالقرار الإداري، العقد الإداري، الشرطة الادارية والمنازعات الادارية وغيرها من مجالات تطبيق القانون الإداري، غير أنه انتقل من مجرد تدبير التراب والفضاء من أجل الاستغلال الأمثل للمجال الترابي، إلى منظور أشمل يهم التنمية المستدامة التي تضمن استمرارية جودة هذا الفضاء. لذا فمن غير الممكن لأي مجتمع بشري أن ينهض ويتطور ويستمر إلا بتوفر نظام عام يحقق شروط الأمن والسلامة، والصحة والطمأنينة، وضوابط تقيه من كل اعتداء على أمواله وعرضه، وهو في حاجة أيضا إلى تدابير السلامة التي تقيه من الحوادث الطبيعية والبشرية، كالفيضانات والزلازل وحوادث السير، والانهيارات الناتجة عن قدم المباني أو إهمال صيانتها[2]. وﻴﻘﺼد ﺒﺎﻻﺴﺘﺜﻤﺎر ﻗﻴﺎم ﺸﺨص طﺒﻴﻌﻲ أو ﻤﻌﻨوي ﺒﺎﺴﺘﺨدام ﺨﺒراﺘﻪ أو ﺠﻬودﻩ أو أﻤواﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎم ﺒﻤﺸاريع اﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ أو ذات آثار اقتصادية بهدف خلق رواج اقتصادي في البلاد.
فالاستثمار في معناه الاقتصادي الصرف هو “التضحية بموارد قيمية في الوقت الحاضر لغرض الحصول على أموال وأرباح مستقبلية”. ﻟﻛن ﻤن ﻤﻨظور ﻗﺎﻨوﻨﻲ فهو مجموع المقتضيات القانونية التي تسمح بخلق رواج اقتصادي خاصة فيما يتعلق بجدب اﻻﺴﺘﺜﻤﺎرات الأﺠﻨﺒﻴﺔ ﻤن ﺨﻼﻝ ﺴنﺘﺸرﻴﻌﺎت مالية وجبائية ﻤﺸﺠﻌﺔ ﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻻﺴﺘﺜﻤﺎر، وبذلك يصبح الاستثمار متضمنا لكل العمليات التي من شأنها خلق رأس مال. وفي هذا الشأن، من الضروري التمييز بين تدبير الاستثمار بين القطاع العام والقطاع الخاص؛ فإذا كان بالنسبة للخواص يهدف إلى تحقيق الربح، فالاستثمار العمومي الذي يتم عبر النفقات العمومية يهدف إلى تلبية حاجات المواطنين وإشباعها وضمان استمرار الصالح العام[3].
وباعتباره قانونا يمس حق الملكية، الذي يضمنه الفصل 35 من الدستور المغربي[4] لسنة 2011 ، فإن قانون التعمير يثير مسألة الحفاظ على هذه الضمانة القانونية في علاقتها مع الاستثمار المرتبط بهذا القطاع، أو التساؤل بشكل مبسط عن كيفية التوفيق بين الاستقرار الضروري للقواعد القانونية في مجال التعمير وبين المرونة المرجوة لتحقيق الأهداف العامة المرتبطة بالاستثمار. فالمغرب منخرط بشكل فعلي في النهج الليبرالي الذي يقطع مع المنظور الكلاسيكي للملكية العقارية التي يبيح للمالك سلطة كبيرة في التصرف وعلى قدر من القداسة، لصالح هامش أقل يكرسه في الوقت الراهن هذا التوجه نحو اقتصاد منفتح أكثر ، مما يضفي طابع الديمومة على النزاع القائم بين حرية التملك والتوجه التدخلي للدولة[5] الذي تفرضه الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. فنحن أمام إحدى تجليات هذا النزاع الذي يستند على قاعدة الاستثناء التي نص عليها نفس الفصل (35) من الدستور في الفقرة الثانية؛ إذ جاء فيه أنه ”يمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد”، فحركية الاستثمار المبنية على حيازة واستعمال الفضاء تخضع لمتطلبات الصالح العام التي تحددها السلطات الإدارية عن طريق وثائق التعمير.
إن ضرورة التحكم في الاستثمار العقاري ليكون في صالح التهيئة العمرانية للمدن والقرى على حد سواء، بدل أن يكون متضاربا معها، يجب أن يراعي تحقيق نوع من التوازن بين المصالح المادية للمستثمرين والمصالح العامة التي يرجى الحصول عليها من وراء هذا الاستثمار في هذا المجال البالغ الحساسية.
فمن خلال توضيح هذا السياق الذي يبرز مجال التعمير، كمجموعة من القوانين تروم تأطير المجال لتحقيق أغراض البناء والتعمير وفق مدونة قانونية خاصة تنتظرها الكثير من التعديلات، يتبين منذ البداية وجود نوع من التداخل مع مجال الاستثمار في قطاع العقار بشكل عام كأحد مقومات الاقتصاد الوطني الذي يوضع في سياق أكثر شمولية يجعله يستفيد من مجال غني بالاستثناءات تتجاوز الإطار القانوني العادي الجاري به العمل. فالاستثمار في مجال العقار له هذه الخصوصية، والتي تجعل المهتم بهذا الموضوع يطرح إشكالية انسجام أو تضارب بين قوانين التعمير والاستثمار العقاري؟ أو بصيغة أدق هل يشكل قانون التعمير إطارا حقيقيا قادرا على توجيه واستيعاب متطلبات الاستثمار العقاري؟
المبحث الأول: تشجيع الاستثمار العقاري في إطار قوانين التعمير
لقد كان السعي إلىمراجعة وتحديث منظومة التعمير الجاري بها العمل، والتي ترجع بعض تشريعاتها إلى بداية القرن الماضي[6] ضمن الأولويات التي جاءت بها المحاور الأساسية للرسالة الملكيةالموجهة للمشاركين في اليوم الوطني لانطلاق إعداد مدونة التعمير[7]، وذلك بهدف جعلها مواكبة للحركة العمرانية ومسايرة لوتيرة تنمية العديد من القطاعات الحيوية ذات الأبعاد الاستثمارية والصناعية والسياحية والسكنية. إذن فهناك إطار عام لتشجيع الاستثمار العقاري متمثل في وثائق التعمير لاسيما التنظيمية منها (المطلب الأول) والتي عبرها يتم تنظيم المجال وتوضيح الاختيارات الاستثمارية المرتبطة بالعقار في مجال ترابي معين. وكذا وجود إطار ضيق واستثنائي متمثل في الاستثناءات الواردة ضمن هذه المنظومة؛ سواء في صلب مدونة التعمير أو في نصوص خاصة تصدرها السلطات المعنية من حين لآخر تماشيا مع وثيرة وحركية الاستثمارات في هذا المجال( المطلب الثاني).
المطلب الأول: تنشيط الاستثمار العقاري بناءا على وثائق التعمير
إن مكانة وثائق التعمير يجب أن تكون هي أساس العمل المستقبلي الذي يركن إليه المستثمرين والمنعشين العقاريين على حد سواء، لأنها تحدد ارتفاقات المجال برمته ومختلف التخصيصات الواردة ضمنه بشكل واضح، إلا أنه في الواقع يحتاج إلى تكييف أكبر ليساير الحركية التي يعرفها الاستثمار العقاري.
1- صرامة وثائق التعمير التنظيمي المؤطر لمجالات الاستثمار العقاري:
لقد دأب التشريع في مجال القانون العقاري على خلق نوع من التدرج والهرمية في النصوص المنظمة للعقار والتعمير، حيث يسعى هذا التدرج إلى خلق تراتبية في القوة القانونية التي تبدأ من التخطيط المركزي ومرورا بالتخطيط الجهوي ثم تنظيم المجال المحلي والحضري. وفي جميع المحطات نلاحظ هيمنة كبيرة للمركز على حساب الفاعلين المحليين، الشيء الذي يفرز صعوبة اندماج وثائق التعمير التنظيمي مع واقع الاستثمار العقاري المحلي ويزيد من حدة الصعوبات المرتبطة بمسلسل التنمية الشاملة على هذا المستوى.
إن قواعد التخطيط المجالي أصبح يرصد في الوقت الحالي مختلف قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية بالمدن والقرى، حيث أصبحت تراعي مقومات المجال الجغرافي بكل جهة وتطلعاتها المستقبلية من أجل تأهيل المجالات الترابية، والرفع من قدرتها على استقطاب الاستثمار وخلق الثروة، وتحسين إطار عيش المواطنين. وفيهذا الإطار تم تعزيز الحضور القوي والقريب للوكالات الحضرية في تهيئة مختلف الجوانب الحضرية والعمرانية باعتبارها إدارات متخصصة وذات بعد ترابي قريب من باقي المدبرين المحليين والفاعلين في مجال التعمير على المستوى المحلي.
وفي هذا الإطار يمكن القول أنه بقدر ما تمكن وثائق التعمير التنظيمي من تحديد مجالات الاستثمار المرتبطة بالتعمير بقدر ما تضيق الخناق في هذه الاختيارات لصالح ثلة من هؤلاء المستثمرين لها القوة والسلطة لتمرير الاختيارات الموافقة لها على أعلى مستوى في هرمية الدولة ومؤسساتها. ولاشك أن تأخير العروض المرتبطة بسكن الطبقات الوسطى الذي تم اقتراحه منذ 2010 ولم يعرف النور لحد الآن خير مثال لهذا الطرح؛ حيث أن دراسته والتخطيط له يصطدم بقلة الأراضي، كما كان الحال بالنسبة للسك الاقتصادي، من جهة، وصعوبات التوافق مع المستثمرين في هذا المجال بالنظر لضعف التحفيزات في هذا المجال، لذا فالحكومة قررت البدء فتح المشاريع السكنية الأولى ضمن هذا البرنامج ستحتضنها المدن الصغرى والمتوسطة. حيث من المتوقع أن تكون الدفعة الأولى من المساكن جاهزة سنة 2015 في الجديدة وأكادير وآسفي ووجدة وبنسليمان وفاس والقنيطرة[8]، وهو ما يبين غياب المدن الكبرى في هذه السنة الحالية والذي هو رهين التوافق بين الحكومة و المستثمر العمومي الأول في العقار مؤسسة العمران وباقي المستثمرين الخواص.
وبشكل عام يمثل تصميم التهيئة أهم وثائق التعمير التنظيمي الذي يبرز مكانة وثائق التعمير التخطيطي في تشجيع الاستثمار العقاري بالنظر لارتباطه بمتطلبات التنمية العمرانية في مختلف تجلياتها، ولاسيما فيما يخص تحديد الارتفاقات وتخصيص المناطق التي ستكون أساس أنشطة نوعية مرتبطة باستعمال العقار والغرض الأساسي في كل منطقة. فهي تهدف إلى إحداث منطقة سكنية ومنطقة صناعية ومنطقة تجارية ومنطقة سياحية ومنطقة لزراعة الخضروات ومنطقة زراعية ومنطقة غابوية على سبيل المثال؛.. كما حددتها المادة 19 من القانون 12-90. لذا فإعداده والتصديق عليه أصبح يأخذ بتوافق أكبر بين الفاعلين وهذا يشكل وعيا متزايدا من جانب السلطات العمومية المكلفة بقطاع التهيئة والتعمير، وإدراكا منها لشمولية إشكالاته وتجاذب علاقاته مع باقي مكونات المجال. فالكل أصبح يؤمن بضرورية التنسيق لتجاوز صعوبة وتعقد الأزمة الحضرية والاختلالات واللاتوازنات العديدة للفضاءات العمرانية الحضرية والقروية وفق رؤية منسجمة وشمولية، قوامها نهج صيغ بديلة ترتكز على التشارك والتشاور وتبنى مقاربة جديدة تعتمد على التخطيط التوافقي كوسيلة لضمان تنمية شاملة للتجمعات العمرانية[9].
ولن يتأتى ذلك إلا بوضع تخطيط محكم ومنسجم ومتكامل يوفر الإطار المرجعي الضروري لكل الفاعلين في مجال التعمير، لذلك بات من الضروري تجاوز بعض المشاكل العقارية وإعادة النظر في بعض القوانين في اتجاه خلق انسجام وتكامل بين العقار والتعمير إضافة إلى ضرورة تفعيل دور المؤسسات الفاعلة في ميدان التعمير والمجال الحضري، مما سيخلق فضاء للاستثمار يكون أكثر انفتاحا، والأهم أن يكون أكثر عدلا. لذا فمن المهم التركيز على نقطتين اثنتين لتطوير الدور الاستثماري لوثائق التعمير، وهما كالتالي:
– ضرورة تجاوز المشاكل القانونية والعقارية: وعيا بالأهمية التي يكتسيها قطاع التعمير كأساس للتنمية ولتشجيع الاستثمار، ونظرا لأهمية العقار في عملية التخطيط الحضري حيث يشكل عنصرا أساسيا في مجال التنمية العمرانية، واعتبارا للنتائج السلبية الناتجة عن عدم التحكم في المجال من أجل ضبطه وتنظيمه وتوجيهه، كان من الضروري بلورة إطار قانوني كفيل لسد الثغرات التي تعتري قوانين التعمير الجاري بها العمل، إضافة إلى ضرورة تجاوز مشكل العقار. ولتدارك واحتواء العيوب التي تتعلق بمختلف التصاميم خاصة تصاميم التهيئة، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار جملة من الاقتراحات الوقائية لوضع هذا المخطط في إطاره الصحيح حتى يحقق الهدف المتوخى منه وتكون له آثار قانونية إيجابية. ذلك أن كلا القانونين : 90-12 و 90-25 أصبحا متجاوزين في ظل هذه ما تواجهه الدولة من تحديات تنموية، حيث أثبت الواقع العملي أنهما لا يسايران المشاكل المرتبطة بالتعمير والتهيئة خاصة بالوسط الحضري، لذا يجب تصحيح بعض الأخطاء الناتجة عن تطبيق تصاميم التهيئة، وذلك من خلال تكريس مبادئ اللامركزية في إعداد هذا المخطط، وإلزام الجماعات الترابية باتخاذ كافة التدابير اللازمة لتنفيذه في أسرع وقت على اعتبار أن التباطؤ في تنفيذه يضر بحقوق المواطنين لاسيما ظاهرة تجميد أراضي الخواص لمدة طويلة بدون وجه حق[10].
– ضرورة تعزيز التنسيق لتحقيق الأهداف الاستثمارية المرتبطة بالعقار: إن هيمنة الدولة على إعداد تصاميم التهيئة انعكس سلبا على دور الجماعات الترابية -المغيب أصلا، أثناء تحضير هذه التصاميم، الشيء الذي يجب إعادة النظر فيه، حيث أن إعداد مثل هذه التصاميم يستوجب تظافر جهود كل من الدولة والهيئات المركزية[11]من جماعات ترابية ومؤسسات عمومية وخواص في إطار التشاور الذي نادى به الملك الراحل منذ وقت مبكر، والذي يتجلى في التوصيات الأولى التي افتتحت بها المناظرة الوطنية الثالثة للجماعات المحلية، والهادفة لتحقيق التشاور والتعاون اللازمين للدفع إلى الأمام بتنمية الجماعات المحلية في مختلف المجالات[12]. لكن بالرغم من ذلك فمختلف التطورات ترصد الدور المحوري للوكالات الحضرية الذي تنمى على حساب الجماعات الترابية بشكل واضح.



2- مكانة التعمير العملياتي في تشجيع الاستثمار العقاري
إن مبدأ المرونة يبرز كمعطى محوري في الجوانب المتعلقة بالتعمير العملياتي لأنه يسمح بقدر مهم من تجاوز شدة وصرامة قوانين التعمير الجاري بها العمل بشكل يتيح معه تعزيز الدور الاستثماري لقوانين التعمير. فهذا المبدأ يحد من المشاكل الواقعية التي تطرح باعتبار هذا التعمير العملياتي هو فرصة لاتصال المستثمرين في قطاع العقار مع مختلف الفاعلين في القطاع والمؤثرين فيه، فتسهيل مأمورية المستثمرين عن طريق نهج أسلوب واضح للتعامل معهم، فمجال العقار ينطلق من مبدأ “ضمان مصداقية القوانين رهين بمدى مرونتها”[13]. وفي السياق ذاته، يمكن القول أنه إذا كان التعمير العملياتي، لاسيما من خلال التجزئات ورخص البناء، يهدف إلى تنفيذ ما تم تسطيره في تصاميم التهيئة، فإن تجسيد مقتضياته يبقى أمرا ضروريا لبلوغ الهدف الرئيسي للتعمير المتمثل في تحقيق تنمية عمرانية سليمة عن طريق تنظيم المجال تنظيما متوازنا ومتناسقا عن طريق تعريف دقيق للتجزئات غير القانونية واستثناء العقارات الصغيرة الموجودة داخل المدينة من تطبيق المادة الأولى من القانون رقم 90-25 وتوسيع دائرة التحفيظ العقاري الجماعي في محيط المدار الحضري، وإلحاق طرق التجزئات والمساحات غير المبنية بالأملاك العامة للجماعات المحلية عند التسلم المؤقت للأشغال[14].
إضافة إلى ذلك يجب تعميم رخصة البناء في الوسط القروي والحضري على حد سواء، كما يجب تعميم التغطية بوثائق التعمير خصوصا تصاميم التهيئة على مختلف المدن والمراكز وتمكينها من الأدوات التقنية والقانونية الضرورية لتأطير مجالها وجعلها قادرة على مواكبة وتلبية الحاجيات الجديدة المتزايدة خاصة في ميداني الإسكان والتجهيزات الأساسية، وجعلها قادرة على الاستجابة للوظيفة الاجتماعية والاستثمارية[15]. فالمراكز الحضرية وباقي المناطق القروية تشكل متنفسا حقيقيا للمدن على اختلاف مستوياتها، لذا يجب أن تعنى بأهمية كبيرة لتكون قادرة على جلب الاستثمارات بمختلف مجالاتها التجارية والصناعية والسياحية والفلاحية كما هو الحال بالنسبة للصناعة الفلاحية التي أصبحت تحوز مجالات مهمة بمثل هذه المجالات خاصة بالقرى الأقل نموا بالرغم من خيراتها الفلاحية.
لكن يبقى مجال البناء أهم صورة للتعمير العملياتي في الوقت الحالي لأنه ينصب على نشاط معماري له وثيرته في مختلف المجالات الحضرية. ولتوضيح ذلك يمكن الارتكاز على ما وضعته بعض الوكالات الحضرية لتحقيق الانسجام الحضري في التخطيط من جهة ومسايرة نمو البناء والتعمير على أرض الواقع من جهة ثانية. حيث توضح التقارير التقيميية التي تنجزها الوزارة عمق الإختلالات المتعلقة بتنفيذ وثائق التعمير، خاصة فيما يتعلق باستمرار التباين بين أهداف التخطيط الحضري والتحولات المرصودة على أرض الواقع، والذي يثير عدة تساؤلات حول فعالية تنفيذها بشكل عام[16]. فمن خلال استقراء بعض النماذجالتابعة للوكالة الحضرية بالجهة الشرقية تتبين دينامية غير عادية في السنوات الأخيرة، إذ وضعت برنامجا يهم تزويد مجموعة من المراكز الحضرية والقروية التابعة لنفوذها بوثائق التعمير، وإعادة دراسة تلك التي انتهت صلاحية وثائقها التعميرية، وقد تضمن البرنامج الرباعي (2007/2010 ) إنجاز 39 وثيقة موزعة على الشكل التالي : عمالة وجدة أنكاد (خمسة عشر وثيقة ) إقليم بركان سبع وثائق وإقليم تاوريرت سبع وثائق وإقليم جرادة سبع وثائق، إقليم فكيك ثلاث وثائق[17]. ومنه، فالعمل وفق منظور شمولي وتخطيط مسبق من شأنه أن يفتح المجال أمام المعنيين بشأن الاستثمارات المفتوحة تبعا لذلك، غير أن قصور هذه القوانين جعل السلطات الإدارية المكلفة بالتعمير تسارع إلى منح استثناءات خاصة من أجل الرفع من وثيرة الاستثمار في هذا القطاع.
المطلب الثاني: دور قوانين التعمير الاستثنائية في تشجيع الاستثمار العقاري
إن اللجوء إلى وثائق التعمير بشكل حصري لا يمكن أن يساير التغيرات التي يعرفها مجال الاستثمار العقاري. وهو ما دفع الدولة إلى تبني أدوات وآليات أخرى قانونية من شأنها أن تخفف من جمود وثائق التعمير ومسايرة الوضع الذي يعرفها الاستثمار العقاري. فإلى جانب وثائق التعمير، يعنى الاستثمار العقاري بوجود دوريات أو مذكرات وزارية، جاءت لمسايرة التغيرات التي الاستثمار في المجال العقاري.
يتمثل التدبير الإداري للتعمير الاستثنائي في إصدار مجموعة من المناشير والمذكرات الهدف منها هو إضفاء نوع من المرونة و السرعة في دراسة طلبات الترخيص و التجزيء وترجمة سياسة الحكومة في تشجيع الاستثمار وتبسيط المساطر الإدارية للقوانين السارية المفعول و يفسر ضرورة اللجوء إلى المذكرات و الدوريات في منح الاستثناءات على التعمير.
1- مجال الاستثناءات المرتبطة بالعقار والاستثمارات
إضافة الى الاستثناءات التي فتحها مجال نشاط الدوريات من الضروري الإشارة إلى الاستثناءات المنصوص عليها في قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات وتقسيم الأراضي، ولاسيما تلك الواردة على رخصة التجزئة، وهي كالتالي :
– الإعفاء من التجهيز المسبق
لقد منحت الإدارة المكلفة بالتعمير حق الإعفاء من التجهيز المسبق بعد موافقة المصالح المختصة بالتعمير والصحة، إذ يعطي الاستثناء في حالات معينة يستحيل فيها إنجاز التجهيزات وذلك لعدة أسباب قد تكون تقنية كانعدام الشبكة الرئيسية للطرق والصرف الصحي والماء و الكهرباء. وهي تتعلق أساسا بالموقع الجغرافي لبعض التجزئات (مناطق جبلية و صحراوية )، حيث سمحت اللجنة الجهوية للاستثمارات في إطار المذكرة 27/3020 بعدة استثناءات بخصوص مختلف الملفات المعروضة وكان لها وقع سلبي على المناطق الخضراء التي تم تخصيصها لبناء المجموعات السكنية دون مراعاة هذا الاستثناء لمعدل الكثافة السكانية.
هذا مع الإشارة إلى الاستثناءات على الارتفاقات المعمارية الوارد في المادة 19 من القانون 12.90 على عدة ارتفاقات مثل ارتفاق عدم البناء و النظافة و المرور أو لأغراض جمالية أو أمنية والحفاظ على المصلحة العامة غير أنه حصر الاستثناءات التي يمكن القيام بها سوى على الارتفاقات المعمارية.
– الاستثناءات على معامل استعمال الأرض:
سجلت الممارسة العملية في المغرب على إمكانية تجاوز معامل استعمال الأراضي المحددة بمقتضى المادة 19 من القانون 12.90 خاصة في برنامج 200 ألف سكن وذلك وفق المذكرة الدورية المشتركة بين وزارة الداخلية و الإسكان رقم 377-352 بتاريخ 12 يونيو 1995، والتي أكدت على ضرورة الدراسة والترخيص على الطلبات المقدمة في إطار التنظيم الجاري بها العمل وعند الاقتضاء ملاءمة وثائق التعمير المصادق عليه أو في طور الدراسة مع هذه المشاريع.
ويتناول التدبير الإداري للتعمير في جانبه الاستثنائي على منح نوع من المرونة الإدارية المرتبطة بالعقار، حيث عملت وزارة اعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان و البيئة (آنذاك) على إصدار مجموعة من الاستثناءات بتاريخ 2 فبراير 1999 و ذلك للاعتبارات التالية:
* المقتضيات الخاصة بوثائق التعمير لا تساير التحولات الاقتصادية و الاجتماعية المستمرة ؛
* ضعف شروط إعداد وثائق التعمير و ثقل مساطر تطبيقها و المصادقة عليها؛
* ضعف قابليتها لإدماج الحاجيات غير المتوقعة والغرض التي تتيحها لتشجيع الاستثمار
* كثرة المشاريع الاستثمارية المعطلة؛
* غياب هيئة التحكيم بين الإدارة و المستثمرين من أجل رفع الحصار عن المشاريع الاستثمارية ؛
* غياب قواعد لتشيع الاستثمار وغياب بنية إدارية مؤهلة لتوجيه الاستثمار وتأطيره؛
* ثقل التشريعات في المجال القروي…
ومن أجل رفع الحصار على المشاريع الاستثمارية أعلنت الوزارة عبر هذه الدورية على تدابير مؤقتة في انتظار تعديل النصوص المرتبطة بالتعمير، و تتمثل أهم الاختصاصات الممنوحة للجنة المركزية لدراسة المشاريع الاستثمارية العالقة و تختص هذه اللجنة في التحكيم بخصوص الملفات العالقة و الملفات المتنازع عليها بشأنها بين مختلف مصالح الوزارة.
وما يمكن استخلاصه بخصوص الاستثناءات المنصوص عليها في القوانين المرتبطة بالتعمير و البناء والتجزئات أنها تحاول التوفيق بين المصلحة العامة و المحافظة على حقوق الأفراد بالرغم من كون مجموعة من الاستثناءات تم منحها دون أساس قانوني فإنها أضفت نوع من المرونة على بعض مقتضيات تصاميم التهيئة .
2- الاستثناءات القانونية الأخرى المشجعة على الاستثمار العقاري
بالرغم من الاستثناءات المنصوص عليها في القوانين المنظمة للتعمير وأمام غموض بعض النصوص القانونية الخاصة بوثائق التعمير و انسجاما مع سياسة الدولة في تشجيع الاستثمارات تم إصدار مجموعة من المذكرات والدوريات من أجل منح الاستثناء و تبسيط المساطر الإدارية.فالرسالة الملكية حول موضوع التدبير اللامتمركز للاستثمار، وميثاق الاستثمار، كانتا أساس مجموعة من الدوريات تهدف إلى تسريع المساطر والتأكيد على دور الفرقاء الفاعلين في مجال التجزيء والبناء، ويتعلق الأمر بصفة خاصة الدوريات التالية:
ü الدورية الوزارية رقم 1500 [18]، المتعلقة بتبسيط المساطر وطرق دراسة طلبات رخص البناء والتجزيء وتقسيم العقارات وإحداث المجموعات السكنية، حيث يمكن تقليص عدد الوثائق المكونة للملفات، وذلك في إطار من التعاون والتنسيق ما بين الفرقاء المعنيين.
ü الدورية الوزارية رقم 254 [19]، المتعلقة بالمساطر المتبعة في دراسة مشاريع الاستثمار، التي أدخلت طرقا جديدة لدراسة المشاريع الاستثمارية، تعتمد على المرونة والسرعة ، مع تقديم المساعدة التقنية الضرورية وتفعيل الجهود التي تمكن إنجاز المشاريع ، لقد كان من الأهداف التي وضعت من أجله هي:
– التظلمات التي تنجم عن وثائق التعمير على مستوى العقار
– عدم القدرة على استيعاب الحاجيات غير المتوقعة وفرص الاستثمار التي تكون أحيانا مهمة.
– ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية التي تعاني من عدم البث فيها.
– غياب ضوابط فيما يخص تشجيع الاستثمار.[20]
فهي تنص كذلك على عدم قابلية الرفض التلقائي للمشاريع المتواجدة في القطاعات غير المغطاة بوثائق التعمير، حيث تحال الملفات المدروسة إلى الوزارة المكلفة بالإسكان و التعمير. وهو ما يوضح مجال لحصول تفاوتات في دراسات هذه الملفات على مستوى المناطق غير المغطاة بوثائق التعمير.
ü الدورية المشتركة 3020 (وزارتي الداخلية /الإسكان و التعمير) الصادرة بتاريخ 4 مارس 2003 تحت عدد27 بخصوص شروط استفادة المشاريع الاستثمارية من استثناءات في مجال التعمير. حيث ابرزت البعد الاستثماري المخول للامتيازات الواجب توفيرها و لاسيما الإشارة الى وثائق التعمير كمعرقلة لهذه الاستثمارات ذات الانعكاسات الاقتصادية و الاجتماعية.
هذه الاستثناءات قد تتجلى أيضا في بعض الممارسات العقارية للمؤسسات الخاصة ووكالات التنمية، نموذج وكالة أبي رقراق، التي أعطيت لها سلطات واسعة امتدت إلى استعمال السلطة العمومية ومساطر نزع الملكية وكذا قابلية التبادل والاسترداد للأراضي التي شلتها مشاريعها[21]، وهو ما يحيل إلى سلطات واسعة تهم الاستثمار العقاري، سواء تعلق الأمر بالملك العام أو التعامل مع الخوص.
المبحث الثاني: مظاهر قصور قوانين التعمير في تشجيع الاستثمار العقاري
نظرا لأهمية قطاع الإسكان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، فإن جل دول العالم تحاول أن تجعل من هذا القطاع الحيوي قابلة لجلب أكبر حجم من الاستثمارات. فمنظور الاستثمار يختلف من فئة لأخرى، فالملاكين وأصحاب رؤوس الأموال التي تحبذ التملك في شكل احتكارات باعتبار أن هذا النوع من الاستثمار يعد من أقل أنواع الاستثمارات مخاطرة، نظرا لتأثره الطفيف بالتقلبات والدورات الاقتصادية وارتفاع الطلب على العقارات و خصوصا السكنية منها، مما يجعل قيمة الاستثمارات تتجه إلى الارتفاع مع الزمن. في حين تراهن فئات أخرى على استثمارات متنوعة لا تهم العقار كأصل بل كقاعدة للاستثمار وهذا هو الذي يساهم في انعاش الاقتصاد.
في السياق نفسه، لا شك أن اتخاذ العديد من التدابير التشجيعية لتوجيه وجذب الاستثمارات الخاصة نحو هذا القطاع يبرز نوعا من التضارب مع القوانين التعميرية التي يجب أن تكون أصلا لهذه الأنشطة. إذن فهناك تجاوز واضح لهذه النصوص ولا سيما أن مظاهره تعتبر ذات أولويات كبرى للدولة خاصة في شقيها الاقتصادي و الاجتماعي على حساب الشق العمراني و الجمالي. إذن ما هي تجليات هذه المظاهر (مطلب أول)؟ و ما هي الإشكالات التي يطرحها عدم انسجام قوانين التعمير لهذه المظاهر (مطلب ثاني)؟
المطلب الأول: مظاهر تجاوز حركية الاستثمارات العقارية لقوانين التعمير
يعتبر مجال التعمير والعقار من أهم القطاعات التي تحظى بأولوية ضمن السياسة الاقتصادية والاجتماعية لأغلب دول العالم، ولاسيما كمجال يتصف بالحركية مما يجعله يتأثر بالمظاهر الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع إلى تجاوز قوانين التعمير لتحقيق أهداف لها علاقة وطيدة بالاستثمار العقاري.
1- المظاهر الاقتصادية:
عمدت الدولة إلى وضع العديد من المبادرات؛ كتبسيط المساطر الإدارية، وضع إعفاءات وتسهيلات، ولاسيما فيما يهم الشق الجبائي الذي يعتبر أهم إجراء إداري تحفيزي في هذا الإطار. فقد تم اتخاذ عدى تدابير من أبرزها وضع دليل المساطر المتعلق بالاستثمار، وبإصلاح الإطار القانوني التحفيزي للاستثمار، وتحيين قاعدة المعلومات الاقتصادية والاجتماعية الموجهة للمستثمر والذي يعتمد على الرصيد العقاري ومختلف الجوانب المرتبطة به.إذ أن تبسيط المساطر الإدارية المرتبطة بالاستثمار في السنوات الأخيرة اعتمدت مجموعة من الإجراءات الانتقالية، تتوخى نهج أسلوب اليسر والمرونة لتدبير شؤون التعمير، مما ساعد على معالجة عدد كبير من ملفات مشاريع الاستثمار[22] ، حيث يعهد إلى الولاة الإشراف شخصيا على لجنة جهوية للدراسة واتخاذ القرار بخصوص الطلبات الرامية إلى الاستفادة من الاستثناء في مجال التعمير، وتندرج المشاريع الاستثمارية التي تستفيد من هذه الاستثناءات ، تلك التي لها انعكاسات على المستويات التالية:
* الاقتصادي: ويتجلى خاصة فيما يتعلق بخلق رواج اقتصادي وإتاحة فرص عديدة للتشغيل أثناء إنجاز المشروع أو أثناء اشتغاله أو جلب استثمارات مالية أجنبية مهمة…إلخ.
* الاجتماعي: كإنجاز برامج سكنية اجتماعية أو برامج سكنية تدخل في إطار محاربة السكن غير القانوني، أو مرافق عمومية غير مكسبة.
* العمراني: كإنجاز بنية تحتية خارج الموقع، سوف تستفيد منها قطاعات حضرية، وخاصة الأحياء المرشحة لإعادة الهيكلة.
وقد شكل إحداث المراكز الجهوية للاستثمار مناسبة لتبسيط المساطر الإدارية وتقريب الإدارة من المرتفقين عامة وفئة المستثمرين على وجه الخصوص، وتتولى هذه المراكز نوعين من المهام: الأولى تتمثل في المساعدة على إنشاء المقاولات، بينما تتجلى الأخرى في مساعدة المستثمر، وهذا يعتبر أرضية مهمة للاستثمار في مختلف المناطق الواعدة في البلاد، غير أن هذه الأرضية لتعطي الثمرات المنظرة اصطحبت بإجراءات عملية نجملها فيما يلي:
– التسهيلات البنكية : بالرجوع إلى النظام التمويلي العقاري الذي كان معمولا به في المغرب تعتبر إمكانية تكفل البنك بضمان تمويل كلي للمشروع العقاري غير وارد، حيث لا يجوز أن يتجاوز مبلغ القرض سقف 75%من القيمة الإجمالية للمشروع المراد إنجازه[23]، إلا في حالات استثنائية، تقضي موافقة وزير المالية بقرار محدد لشروط هذه الاستفادة[24]، وقد استهدف المشرع من ذلك جعل المنعشين العقاريين يساهمون ولو بأقل نسبة في تمويل مشاريعهم العقارية وذلك لتقليل المخاطر الائتمانية التي يمكن أن يتعرض لها البنك من خلال إقدامه على تمويل كلي للمشروع[25]، ولذلك فإن بنك القرض العقاري والسياحي مثلا لا يقدم في الغالب بتمويل المشاريع الواردة عليه إلا بنسبة لا يتجاوز 60%حسب ما تم الإطلاع عليه من عقود قرض مبرمة في هذا الشأن.
إلا أن الانتقال بثقل العمليات العقارية لصالح الخواص واكبه تشجيع عملية تمويل شركات الإنعاش العقاري حتى تتمكن من المساهمة في حل المشاكل السكنية من جهة، و لمسايرة توجه الدولة الاستثماري من جهة ثانية.حيث تم توسيع نطاق المنتجات البنكية الموجهة لتمويل العقار في إطار تقنيات القرض العقاري، ذلك أنه أصبحت هذه التقنيات تشمل تمويل المشاريع العقارية لشركات الإنعاش العقاري منذ اكتساب الأرض إلى حدود تمويل الاكتساب النهائي من قبل المستهلكين العقاريين، وعليه يتم الآن تمويل هذه المشاريع وفق عقود قرض عقاري هذه أهم نماذجه:
– عقد التمويل المسبق: الذي يتم من خلاله تمويل المشروع كليا عن طريق تمويل اكتساب الشركة للأرض محل البناء ثم تمويل البناء فتمويل عمليات التجهيز ثم الاكتساب النهائي للمستهلكين.
– عقد تمويل تجزئة الأرض: والذي سيهدف تمويل تجزئة الأرض وتجهيز أقسام التجزئة مع تمويل اكتساب الأرض محل التجزئة[26].
– الإعفاءات الجبائية: مما لا شك فيه أن التحفيزات الضريبية تشكل وسيلة مهمة لإنعاش الاستثمار العقاري، فهو بقدر ما يعتبر مجال لخلق رواج اقتصادي يتعلق بمجال البناء والتعمير، يعتبر –أيضا- إجراء استثنائي يدفع المستثمرين للرفع من استثماراتهم سواء في مجال العقار نفسه أو في المجالات التي لها ارتباط به. ومن أجل إعطاء الحوافز الجبائية أهمية وجاذبية أكبر عمد المشرع المغربي على ربطها بقوانين الاستثمار، حيث صدر سنة 1995 قانون الإطار رقم 18.95 “ميثاق الاستثمار”، والذي قام بمراجعة التشجيعات الجبائية في مجال العقار، وكذا اتخاذ تدابير تحفيزية للاستثمار قصد تحسين مناخه وظروفه[27] ، حيث نجد 12 مادة ذات طابع ضريبي من بين 24 مادة، والتي تمثل الامتيازات التي يخولها ميثاق الاستثمارات في هذا الشأن.
ومن بين الإعفاءات التي جاء بها هذا الميثاق، نجد الأرباح العقارية بالنسبة لكل ربح يحصل عليه الأشخاص الطبيعيون عند البيع الأول لأماكن معدة للسكنى، شريطة ألا يتم هذا البيع بالمضاربة أو يكتسي طابع السكن الاجتماعي[28].كما تم اتخاذ سلسلة من التدابير الهادفة إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية، مثل حرية تحويل الأرباح والرساميل إلى الخارج بالنسبة لمن قام باستثمارات بالعملة الصعبة، وتوفير رصيد عقاري لإنجاز مشاريع استثمارية، وتوضيح مساهمة الدولة في اقتناء وتجهيز القطعة الأرضية اللازمة للاستثمار، وكذا توجيه ومساعدة المستثمرين في إنجاز مشاريعهم وذلك بإحداث جهاز وطني موحد، ثم تبسيط وتخفيف المسطرة الإدارية المتعلقة بالاستثمارات.[29]

من خلال قراءة هذه المؤشرات والنسب المئوية المبينة في الجدول أعلاه نلاحظ أن مختلف المحاور الواردة عرفت نموا ملحوظا. الشيء الذي يبرز حركية القطاع وحيويته في مختلف الجوانب بالرغم من تزامن الفترة الأخيرة من هذه المرحلة مع الازمة المالية والاقتصادية التي مازالت تخيم بظلالها على مختلف القطاعات الاقتصادية.

2– المظاهر الاجتماعية:
يعتبر السكن الاجتماعي ورش اقتصادي واجتماعي وعمراني كبير، وبتوجيهات ملكية سامية، بادرت السلطات العمومية إلى إعطاء انطلاقة جديدة للسكن الاجتماعي لا يتعدى ثمنه 250 ألف درهم ( بدون احتساب قيمة الضريبة TVA) يتميز بمواصفات جديدة وموجه لجميع المواطنين بشروط محددة تدعم المواطن المستفيد وكذا المنعش العقاري عبر مجموعة من الإجراءات التحفيزية لمصاحبة إنجاز برامج السكن الاجتماعي عبر منح امتيازات جبائية مهمة، تتمثل في الإعفاء الشامل من الضرائب والرسوم المستحقة سواء للدولة أو الجماعات المحلية لفائدة المنعشين العقاريين الذين يلتزمون بإنجاز برامج السكن الاجتماعي الذي لا تتعدى مساحته 100 م2 ولا تتجاوز قيمته 200.000 درهم وتشكل سنتي 1994 و2002 (مرحلة انتقالية) أولى برامج السكن الاجتماعي، حيث تم إعطاء رخص استثنائية للمشاريع المرتبطة بهذا البرنامج تطبيقا للدورية رقم 325 بتاريخ 12 يونيو 1995 المشتركة بين وزارتي الداخلية والإسكان. ولقد عرف قطاع الإنعاش العقاري خلال الفترة الممتدة إلى غاية 2007 طفرة نوعية أثرت إيجابيا على الاقتصاد الوطني، غير أنه منذ سنة 2007-2008 سجل القطاع توقفا في إنتاج سكن 200 ألف درهم بسبب عدة عوامل، ومن أبرزها غلاء ثمن العقار وكذا ارتفاع أسعار مواد البناء، ولتجاوز حالة الركود هاته، والتي كانت تهدد قطاع الإنعاش العقاري خلال هذه الفترة ولمواجهة الطلب المتزايد على السكن، عملت الدولة من خلال مجموعة من الإجراءات والتدابير على تحفيز المنعشين العقاريين من أجل تكثيف العرض المتعلق بالسكن الاجتماعي، مع تحديد ثمن الوحدة السكنية في 250 ألف درهم ( بدون احتساب الضريبة) عوض 200 ألف درهم المعمول بها سابقا.[31]
خلال سنة 2008 أقدمت الدولة على خلق منتوج سكني جديد ذي تكلفة منخفضة لفائدة الأسر المعوزة، وهو عبارة عن وحدات سكنية، تتراوح مساحة كل وحدة سكنية ما بين 50 و 60 متر مربع وسعر بيعها لا يتجاوز 140 ألف درهم، وهو سكن يستفيد من إعفاء ضريبي شامل لفائدة المنعشين العقاريين الذين يلتزمون في إطار شراكة مع الدولة بإنجاز برامج تتضمن على الأقل 500 شقة بالوسط الحضري أو 100 شقة بالوسط القروي خلا ل مدة 5 سنوات تبتدئ من تاريخ الحصول على أول رخصة للبناء، إضافة إلى استفادته من العقار العمومي والتجهيز بثمن التكلفة، ويخصص هذا السكن للمواطنين الذين لا يتعدى دخلهم الشهري 1.5 من الحد الأدنى للأجور أو ما يعادله، شريطة ألا يكونوا مالكين لمسكن. والهدف من هذا البرنامج هو محاربة السكن غير اللائق، واستفادة العالم القروي من مشاريع السكن المدعومة من طرف الدولة، وتمكين المنعشين العقاريين الصغار والمتوسطين من الاستفادة من دعم الدولة لإنجاز هذه الربامج. وقد تم إلى حدود نهاية شهر ماي 2011 إنهاء الأشغال ب 13.921 وحدة سكنية.[32]
المطلب الثاني: الإشكالات المرتبطة بتجاوز الاستثمار العقاري لقوانين التعمير
في هذا الجزء الأخير من الدراسة سنحاول ملامسة الإشكالات التي تترتب عن تضارب قوانين التعمير بالباقي الجوانب القانونية و الواقعية التي تهم مجال الاستثناءات التي يطغى تطبيقها في مجال الاستثمارات العقارية.

1- الإشكالات القانونية :
إن الصبغة القانونية لقرارات اللجان الجهوية الخاصة بالاستثمار وكذا المقررات الجماعية المبنية عليها، قد تكون أساس حيف وتجاوز بين المستثمرين الواجب استفادتهم في منح الاستثمارات.[33] ولاسيما بحكم مكانة المستثمرين في بعض المناطق و قربهم من مراكز القرار المحلي أو الوطني.وما يزيد من حدة الآثار المترتبة هو كون نفس المتدخلين المشرفين في المساطر الاستثنائية، سيكونون أمام ضرورة الإشراف على مقتضيات قد تخالف وثائق التعمير.
ويمكن الإشارة إلى أن أساس الخلل في هذا المجال يمكن أن يكون مرده إلى هذه المناشير والدوريات الوزارية[34] التي فعلت مقتضيات أنظمة البناء والطرقات التي وضعت منذ عدة عقود لبعض البلديات والمراكز المحددة ؛ إذ أقحمت في الملف وثائق إثبات الملكية (الإدلاء بشهادة الملكية وبوثيقة تحمل توقيع المالك إذا لم يكن هو طالب الرخصة)، و بالتالي نحن أمام زيادة في التعقيد و ليس المساعدة على التبسيط. إذن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن أن يكون التعمير جالبا للاستثمار؟
بداية، وبالنظر لمكانة الوكالة الحضرية في هذا الإطار فقد أورد السيد عبد الرحمان الشرفي (المدير العام للتعمير والهندسة المعمارية) بأن ذلك يمكن أن يتم عن طريق[35] :
* تهيئة مدن حديثة ذات بنيات تحتية قادرة ومؤهلة لجلب الشركات الدولية ؛
* حل إشكالية العقار والأنظمة العقارية ؛
* فتح مشاورات مع المتدخلين والمنعشين في مرحلة إعداد الوثائق.
لكن أمر التعمير أصبح يثير مصاعب عدة بالتجمعات الكبيرة أكثر من غيرها، حيث أنه ليس بخاف على أحد ان قلة الأراضي التابعة لملك الدولة الخاص داخل المدار الحضري[36] يشكل إحدى المعيقات المحورية باعتبار الأراضي هي احتياط يستغله فئة من المستثمرين العقاريين، وتضاف إليه صعوبة حصر حدود أملاك الدولة بصفة دقيقة إضافة إلى تعقيدات المساطر الإدارية الخاصة بتفويت الأملاك المخزنية[37]. ولا بد من الوقوف – أيضا- على رأي مجموعة هامة من الباحثين والذي يفضي إلى أن الأنظمة العقارية الخاصة بمختلف أنواعها تشكل معرقلا للاستثمار بمختلف أنواعه، كما يضاف له ازدواجية بل ثلاثية التركيبة العقارية للأراضي بالمغرب[38].
2- الإشكالات الواقعية:
عندما يكثر المتدخلون تضيع السلط، وعندما تتعدد مراكز القرار تهدر المسؤوليات، مما سيفضي لا محالة إلى نتيجة واضحة هي نسيج حضاري متمزق.[39]يمكن الإشارة في فقرة أولى إلى بعض الإشكالات القانونية التي تدخل في مرحلة التخطيط، حيث تطرح عدة تساؤلات حول مدى أهلية مكاتب الدراسات وإشكالية التنسيق المطلوبة مع الإدارات المتدخلة في الإعداد. وكذا الوقت الذي تنجز فيه وآثاره بالنظر للتغيرات المتسارعة التي يعرفها مجال الاستثمار العقاري من جهة ، و زيادة تعمق الاكراهات المرتبطة بالعقارات و تنوع و تصلب الأنظمة المنظمة لها.
أما مرحلة التنفيذ، فيمكن القول انه بالرغم من أن التصاميم المديرية و تصاميم التهيئة تتضمن مشاريع تصلح لتكون أرضية للاستثمارات العقارية، تطرح إشكالية تمويلها، حيث إن أكثر من 80 % (في المائة) من مرافق التجهيز لا تنجز و هي دليل على مستوى الفشل،[40] فهي تؤدي إلى فقد مناخ الثقة في الاعتماد عليها، كوعاء مستقبلي للمشاريع، من طرف المستثمرين من جهة، و تولد توترات أخرى اجتماعية من طرف السكان بحسب أهمية المرافق، من جهة ثانية.
إن جمود العقار و ضعف الأراضي الكافية، ولا سيما المناسبة و المجهزة لاستقبال الاستثمار، هو ما يأثر سلبا على التوجهات السليمة و الفعالة لتدبير العقار وحسن استثماره مستقبلا. حيث يرصد بعض المهتمين أن المشكل يتمثل في سوء تدبير الرصيد العقاري المتواجد حاليا و ليس في قلته.[41] فالإقبال يكون على أراضي بعينها بحسب تموقعها في النسيج الحضري والذي يلعب دورا أساسيا في غياب ليونة الطلب والعرض في هذا المجال.[42] ولكثرة ما هي خصوصية ، أصبحت الملكية العقارية تتسم بالسلبية فلم تعد كما كانت في السابق تعبيرا ورمزا للجماعة ولكنها غدت أداة للعزلة وعدم التضامن ،حيث تكاد المضاربة العقارية تجعل كل فرد من أفراد الجماعة مضاربا عن دون وعي و ذلك تحت وطأة الإرادة المتشبثة بحيازة السكن وهاجس الربح المضمون[43].
ويعتبر عامل الوقت واحدا من الانشغالات الرئيسية لقانون التعمير، حيث يلعب دورا مهما في فعالية أو عدم فعالية أدوات التخطيط العمراني، حيث أثبتت الممارسة العملية أن عمليات إعداد ودراسة وثائق التعمير تعرف تأخرا، لأن المشرع لم يحدد تاريخ بدأ وانتهاء كل مرحلة من المراحل التي تعرفها عملية الإعداد .

خاتمة
إن مواكبة قوانين التعمير لمجال إنعاش الاستثمار العقاري، رهين بوضوح وشفافية السوق العقارية والذي ينصب أساسا على تحديد طبيعة العقار، من جهة، وملاءمة قوانين التعمير مع الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنتجها الدولة لتحفيز الاستثمار العقاري ومن جهة ثانية. وفي هذا الإطار يجب تقنين الاستثناءات لتكريس نوع من العدالة العقارية بين المواطنين بشكل عام و بين المستثمرين في قطاع العقار بشكل خاص، وهذا ما بدأت تصبو إليه الوزارة الوصية على القطاع من خلال استصدار مرسوم تطبيقي رقم 424. 13. 2 صادر في 24 ماي 2013 بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد لشكل وشروط تسليم الرخص والوثائق المقررة بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير والتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات والنصوص الصادرة لتطبيقها[44].
إن تشجيع الاستثمار العقاري لن يتحقق إلا إذا واكبته سلسلة من الإصلاحات القانونية والتنظيمية، كتبسيط المساطر الإدارية، وضوح الأنظمة العقارية، الإصلاح الجبائي …، وذلك بتوسيع دائرة التحفيزات للمستثمرين العقاريين وتوضيحها، ومحاولة الحد من التنافسية بين القطاع العام والقطاع الخاص في مجال الاستثمار العقاري. وهذا ما دعا إليه المشاركون[45]، في عدة منابر وندوات، والتي تهدف إلى اعتماد وثائق تعمير مواكبة لسياسة التجديد والتأهيل المجالي في شكل مشاريع حضرية متنافسة، دون إغفال مبادئ المرونة والتساكن الاجتماعي والعدالة العقارية، مبرزين أن المدونة الجديدة للتعمير مفروض أن تعمل على تحفيز وتعبئة الفاعلين والتخطيط المحكم لبناء مجالات متفتحة على التنافسية الجهوية والدولية في أفق مواعيد تحرير التجارة الدولية ورفع الحواجز الجمركية ومواجهة تحديات العولمة، دون إغفال الحفاظ على الهوية الوطنية وإبراز الخصوصيات الجهوية والمحلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.