“الإصلاح العميق والشامل للنظام الشرطي”، هو العنوان الأبرز للاستراتيجية الشاملة والمندمجة، التي اختارت المديرية العامة للأمن الوطني، أن تكون هذه السنة في قلب الاحتفال بالذكرى الواحدة والستين لتأسيس هذه المؤسسة الوطنية العريقة. ففي جو من التعبئة والتحلي بروح المسؤولية والمهنية العالية، احتفلت أسرة الأمن الوطني يوم أمس الثلاثاء 16 ماي، بهذا الحدث الوطني الهام، الذي كان مناسبة للمديرة العامة لاستحضار منجزاتها وتضحيات أبنائها على امتداد أكثر من ستة عقود من تاريخها. هذه المعاني أثثت مضامين خطاب المديرية العامة للأمن الوطني ألقي في حفل كبير احتضنه عشية أمس المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة بحضور حشد من كبار الشخصيات الرسمية في مقدمتها المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف الحموشي ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت ووزير العدل والحريات محمد أوجار ، بالاضافة إلى رئيس بلدية القنيطرة عزيز رباح وكبار المسؤولين بالإدارة العامة للأمن الوطني وشخصيات أخرى وطنية وأجنبية . حفل تميز أيضا باستعراض جزء من الوسائل اللوجيستية والموارد البشرية التي تتوفر عليها المديرية العام للأمن الوطني. استراتيجية جديدة عناونها الأبرز الإصلاح العميق والشامل للنظام الشرطي واستعرض الخطاب جملة من الأوراش والمشاريع المستقبلية، الرامية لتطوير منظومة الخدمات الأمنية، وجعل الأمن ركيزة للتنمية، ومحفزا للاستثمار، ومساهما في إرساء الأجواء الآمنة للتمتع بالحقوق والحريات، كما جاء في ذات الخطاب ، الذي أبرز أن الإستراتيجية الجديدة للمديرية العام ترتكز على الإصلاح العميق والشامل للنظام الشرطي، من خلال انتهاج حكامة أمنية جيّدة، تراهن على تكيّيف عمل وحدات الشرطة مع الطلب العمومي في مجال الأمن، ومع التحديات الجديدة التي تفرضها التهديدات الإجرامية، مع موجبات وضرورات حماية حقوق الإنسان. وجاء في الخطاب أيضا أن العنوانين الفرعية لهذه الإستراتيجية الشاملة تتجسّمت في صورة مخططات عمل قطاعية، انصبت على إحداث بنيات شرطية جديدة لمواكبة الامتداد الحضري للتجمعات السكنية الكبرى، وضمان الاستجابة الفورية لانتظارات المواطنين في مجال الأمن. مقاربة متطورة لمفهوم شرطة القرب وفي هذا السياق، أبرز الخطاب أنه تم تبني مقاربة متطورة لمفهوم شرطة القرب، تقوم على إعطاء دينامية جديدة للخط الهاتفي 19، وتراهن على تغيير منظومة شرطة النجدة، وتتطلّع إلى التقليص من الحيز الزمني للتدخلات الأمنية في الشارع العام.
وبعد أن أشار إلى خلق قاعات للقيادة والتنسيق في عدد من الولايات الأمنية، في أفق تعميمها في الأمد المنظور، وهي عبارة عن مراكز متكاملة للقيادة والإشراف، تتولى تلقي نداءات وإشعارات المواطنين، والرد عليها بالسرعة والفعالية اللازمة، وتدبير التدخلات الأمنية بمكان تسجيل الحوادث، وتنسيق الجهود الميدانية مع باقي المصالح والمؤسسات الحكومية المعنية، أبرز خطاب المديرية العامة أنه تم إحداث العديد من الوحدات والفرقة الأمنية المتخصصة، والمجموعات النظامية لحفظ الأمن، في خطوة استباقية، هاجسها الأول تعزيز الشعور بالأمن لدى المواطنين والمقيمين والزائرين، ومكافحة التهديدات المتنامية للظاهرة الإجرامية. كما ركز الخطاب على أن الإصلاح العميق والشامل للنظام الشرطي، كجوهر للإستراتيجية الأمنية الجديدة، لم يقتصر فقط على الإصلاح البنيوي أو التنظيمي، بل امتد ليشمل الصورة العامة للشرطي، سواء الذي يعمل في الشارع العام أو في مراكز الحدود أو في مختلف المرافق والوحدات الأمنية، وذلك باعتباره خط التماس الأول مع المواطن، وكذا الأجنبي السائح أو المقيم. وقد استدعت عملية تغيير وتطوير صورة الشرطي، يصيف الخطاب، اعتماد زي وظيفي جديد لنساء ورجال الأمن الوطني، بمواصفات جمالية ونظامية تراعي هيبة الدولة، وتتلاءم مع مختلف الوضعيات التي يشتغلون فيها، وتَدعمُ أيضا آليات الشفافية والتخليق، من خلال إدماج بيانات تشخيصية ضمن هذا الزي، تسمح بتعريف الموظف، وبيان الفرقة أو المصلحة التي ينتمي إليها. واشار الخطاب أيضا إلى أنه يجري حاليا التخطيط لبناء المقر الجديد للمديرية العامة للأمن الوطني بمدينة الرباط، وهو تجمع إداري متكامل سيحتضن جميع المصالح المركزية للأمن الوطني، كما تتواصل عمليات بناء مقر جديد للفرقة الوطنية للشرطة القضائية ومختبر الشرطة العلمية بمدينة الدارالبيضاء، وكذا مدرسة جديدة للتكوين الشرطي بضواحي الرباط. بناء وتأهيل العنصر البشري المؤهل لتجسيد صورة الأمن وبسط سلطة القانون وعلاقة بالصورة العامة للشرطي، تطرق خطاب المديرية العامة للأمن الوطني إلى الأهمية التي أولتها هذه الأخيرة لبناء وتأهيل العنصر البشري، المؤهل لتجسيد صورة الأمن وبسط سلطة القانون، من خلال اعتماد ميثاق جديد للتوظيف والتكوين الشرطي، يرتكز أساسا على القطع مع جميع أعمال الغش في الامتحانات، وتدعيم آليات الشفافية والنزاهة في الاختبارات، والانفتاح على تخصصات وبروفايلات جديدة، فضلا عن تطوير مناهج التكوين والتدريب الأمني. وأشار إلى أن هذا الميثاق الجديد للتكوين مكن من الارتقاء بمعاهد الشرطة إلى مراكز أكاديمية للعلوم الأمنية، بمقدورها تصدير التجربة المغربية في مجال التكوين الأمني للعديد من الدول الصديقة والشقيقة. تدعيم التعاون جنوب جنوب تجسيدا للدبلوماسية الملكية على الصعيد الافريقي وتابع خطاب المديرية العامة أنه تجسيدا للبعد الجديد للدبلوماسية المغربية، الذي تبناه الملك محمد السادس، والذي يراهن على الحضور المغربي الوازن في عمقه الإفريقي، وتدعيم آليات التعاون جنوب جنوب، فقد نظمت المديرية العامة للأمن الوطني خلال سنة 2016 ما يناهز 137 دورة تكوينية في مجال التعاون الأمني الدولي، من بينها 17 نشاطا لفائدة ضباط وأعوان الشرطة من كل من تنزانيا والسودان وغامبيا وبوركينافاسو وإفريقيا الوسطى والسنغال ومدغشقر وساحل العاج وغينيا كوناكري. الأمن كمرفق عمومي، والأمن كحق دستوري، والأمن كداعم لحقوق الإنسان… ثلاثية متلازمة من جهة أخرى أبرز الخطاب أن المديرية العامة للأمن الوطني سعت جاهدة، في مخططها المرحلي لسنتي 2016 و2017، إلى كسب رهان “الأمن الُمواطن”، وذلك عبر الانتقال من “الأمن كمرفق إداري إلى الأمن كمؤسسة خدماتية”، ومن الأمن “كقوة عمومية إلى الأمن كحق أساسي من حقوق الإنسان”. لأنه لا سبيل للتمتع بالحقوق والحريات، يؤكد الخطاب، بدون نعمة الأمن، ولا سبيل لإرساء الأمن والاستقرار بدون احترام حقوق الإنسان. ومن هذا المنظور، يضيف الخطاب ، حرصت المديرية العامة للأمن الوطني على تبسيط وتجويد الخدمات الأمنية التي توّفرها للمواطنين المقيمين داخل أرض الوطن، وكذا لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، مشيرا إلى أنه هذه العملية راهنت على التقليص من أجال إصدار الوثائق والسندات الإدارية، وتأمينها عبر إدراج معايير أمان بيومترية تفاديا لتزييفها وتزويرها، فضلا عن تيسير مسطرة الولوج إلى قائمة هذه الخدمات. وبعد أن أشار إلى أن هذه المسطرة شملت أيضا الأجانب المقيمين والسياح الزائرين وكذا طالبي الهجرة واللجوء، شدد على أن الهدف الأساسي والمركزي الذي راهنت عليه مصالح الأمن، هو تنزيل التصور الملكي السديد لمفهوم المرفق الأمني المواطن، بحيث تمت مراجعة آجال ومساطر إصدار سندات الإقامة، وطلبات التأشيرة، وكذا مواكبة السياسة الجديدة لقضايا الهجرة، فضلا عن تدعيم جميع الوثائق الإدارية بخصائص آمان مرتفعة. سياسة تواصلية أكثر انفتاحا على محيطها الخارجي على صعيد آخر، أوضح خطاب المديرية العامة أنه توطيدا لمفهوم الإنتاج المشترك للأمن، فقد تبنّت مصالح الأمن الوطني سياسة تواصلية أكثر انفتاحا على محيطها الخارجي، وأكثر تفاعلا مع طلبات المجتمع المدني، وأكثر تجاوبا مع وسائل الإعلام، إيمانا منها بأن الأمن بقدر ما هو مكسب جماعي فهو أيضا تكلفة جماعية، واقتناعا منها كذلك بأن التدبير الرشيد والمندمج لقضايا الأمن هو المدخل الأساسي لإرساء الحكامة الأمنية الجيدة. وفي الشق المتعلق بالإحساس بالأمن، باعتباره أحد أهم تجليات الحق الدستوري في الأمن، فقد راجعت مصالح الأمن فلسفة زجر الجريمة من خلال تدعيم آليات الوقاية لبلوغ أقصى درجات المكافحة، يقول خطاب المديرية العامة ، مشيرة في هذا الصدد إلى أنه تم إحداث فرق متخصصة لمكافحة الجرائم المستجدة، والجرائم الموسومة بالتنظيم، كما تم تعزيز الحضور الأمني، وتكثيف التدخلات لتوقيف الأشخاص المبحوث عنهم. ولم يفت خطاب المديرية العامة للأمن الوطني وهي تحتفل مع أسرة الأمن بالذكرى 16 ماي أن تستحضر شهداء الواجب للترحم على أرواح الذين ضحوا بحياتهم في سبيل تحقيق أمن الوطن والمواطنين.