كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن “حرب سرية” خاضها الموساد بشراكة مع المخابرات الفرنسية للإيقاع بمهندس سوري، خبير في مشروع إنتاج الأسلحة الكيماوية أدت إلى اكتشاف مخطط النظام السوري لإنتاج هذه الأسلحة. وذكرت الصحيفة الفرنسية في تقرير نشرته مؤخرا تحت عنوان :”حرب سرية مخصصة للجواسيس فقط”، أورد ملخصا له موقع “فرانس24 ، أن هذه العملية الاستخبارية جمعت عناصر من الاستخبارات الفرنسية ونظرائهم في الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) للإيقاع بمهندس سوري كان يعمل في “مركز البحوث والدراسات العلمية” الحكومي في دمشق. وأفادت الجريدة أن العملية تطلبت الكثير من الوقت، ومن التحضير اللوجستي والنفسي للدفع به إلى الإفصاح عن معلومات سرية للغاية، إذ فاق عدد الخبراء في علم النفس، حسب مقال الجريدة، عدد أفراد القوات الخاصة والتقنيين خلال عملية للتلاعب به واستقطابه دون أن يدري بالأمر. وحسب الصحيفة، فإن العملية،ابتدأت قبل النزاع السوري في العام 2008، واستمرت بعده، لتتمكن تل أبيب وباريس من الحصول على مخزون هائل من المعلومات حول منظومة الأبحاث وإنتاج الأسلحة الكيماوية في سوريا التي لطالما أقلقت تل أبيب، حسب الجريدة. وقالت إن الهدف من وراء العملية لم يكن التصفية الجسدية لمسؤولين عن البرنامج، بل الحصول على معلومات عن حجمه وطبيعة التعاون القائم بين النظام السوري ودول حليفة له كإيران أو روسيا أو كوريا الشمالية في هذا الملف، إلى جانب آليات استيراد المواد المستعملة في إنتاج الأسلحة الكيماوية المحظورة في السوق الدولية. وللإيقاع بالمهندس الذي كان على علاقة، بابنة مسؤول سوري كبير كما تورد الجريدة، استعمل الموساد الإغراءات المادية للحصول على المعلومات التي بجعبته، خاصة وأنه كان يحلم بتطوير وضعه المادي من خلال تأسيس شركة للاستيراد والتصدير، وهو الطعم الذي استعمل لتجنيده. وأضافت أن مخبرين إسرائيليين تقربوا من المهندس الذي كان يقيم في دمشق، وطبخوا مشروع استقطابه على نار هادئة دامت سنتين، موهمين إياه أن بإمكانه تأسيس شركة في فرنسا، حيث لعبت الاستخبارات الفرنسية في تسهيل حصوله على تأشيرة سفر وعلى الإقامة المريحة في باريس، دون أن ينتبه الخبير إلى أن وراء كل الأبواب التي تفتح أمامه عملية استخباراتية. خلال زيارته إلى باريس، التقى عبر “أصدقائه” برجل أعمال إيطالي سرعان ما تقرب إليه، وساعده في أن يخطو خطواته الأولى في “مشروع العمر” حسب اعتقاده ، قبل أن ينطبق عليه الفخ، مشيرة إلى أن صديقه الإيطالي، وهو عميل للموساد، جعله يلتقي بشركاء (جميعهم عملاء للمخابرات الإسرائيلية) على أساس أن يقيم معهم علاقات تجارية. وحسب ذات المصدر، فقد عبر الخبير السوري عن الرغبة في شراء المواد القابلة للاستعمال في إنتاج الأسلحة الكيماوية، فيما استطاعت المخابرات الإسرائيلية والفرنسية الحصول على معلومات قيمة عن الشركات الأوروبية، التي لا تلتزم بحظر بيع هذه المواد ، مشيرة إلى أن المهندس السوري كان يتسلم الكثير من الهدايا من المبالغ المالية نقدا، ما أدى إلى “التغرير به” وانتزاع المعلومات منه. وذكرت الجريدة أن المخبر السوري استطاع التقرب من مجموعة من الشخصيات ومصادر القرار في دمشق، والحصول على معلومات مهمة، ومن ضمنها تلك التي منحها إلى الموساد، وهي عبارة عن معطيات دقيقة حول مخزون السلطات السورية من غاز الخردل وغاز VX اللذين يستعملان في هجمات بالغازات الكيماوية، ويؤديان إلى إصابات خطيرة وحالات وفيات بين من تطالهم. وعندما انتابت المهندس السوري الشكوك سنة 2011 بأنه استغل لأغراض استخباراتية احتج، لكن محاوره “الإيطالي” أخبره بأن التراجع مستحيل وطالبه بالمزيد من المعلومات، وهو ما مكن الإسرائيليين من تشكيل ملف دقيق عن الأسلحة الكيماوية السورية قدموه إلى نظرائهم الأمريكيين والألمان. وأفادت الجريدة أنه من نتائج العملية الاستخباراتية أن الاتحاد الأوروبي قرر في نهاية العام 2011 تجميد كل ممتلكات “المركز السوري للبحوث والدراسات” وأرصدته في دول الاتحاد وعدة شركات وهمية كانت تستعمل لاقتناء المواد الأولى. وقد تم اتهام النظام السوري منذ العام 2013 من طرف دول غربية ومنظمات حقوقية ك”هيومن رايتس ووتش” باستعمال الغازات الكيماوية ضد المدنيين في عدة مدن منها حلب. وكانت عدة عواصم قد عبرت عن قلقها من أن تقع المخزونات السورية من هذه الأسلحة في أيدي تنظيمات إرهابية، في حال الهزيمة العسكرية للنظام.