غالانت: إسرائيل على علم بتدهور صحة الأسرى بغزة منذ وقت طويل    العراق تشيد بجهود الملك محمد السادس في دعم القضية الفلسطينية    الكشف عن جريمة مروعة في هولندا ضحيتها شابة مغربية    جمهورية العراق تجدد تأكيد موقفها الثابت الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    فرنسا ترحل المهاجرين المغاربة غير الشرعيين    مصحة خاصة في المغرب تعرض 800 فرصة عمل للممرضات المصريات براتب مجزي وحوافز مغرية    مبادرة تشريعية تروم اعتماد أسماء الأدوية العلمية بدل التجارية لإنهاء أزمة انقطاعها    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    طنجة: 11 مدرسة تتأثر ب"بوحمرون": السلطات تتحرك لتطويق الوباء وحملات التلقيح تتكثف    خبراء يحذرون من مخاطر سوء استخدام الأدوية والمكملات الغذائية    اختتام النسخة الحادية عشرة من "لحاق الصحراوية 2025" بالداخلة في أجواء احتفالية    باريس سان جيرمان يمدد عقده مدربه إنريكي إلى غاية 2027    الإنفلونزا الشتوية تودي بحياة 13 ألف شخص وتغلق المدارس بأمريكا    مولاي رشيد يترأس حفل عشاء أقامه جلالة الملك بمناسبة الدورة ال49 لجائزة الحسن الثاني للغولف والدورة ال28 لكأس للا مريم    إبراهيمي: الحكومة المتغولة تمرر أي قانون دون التفاعل مع تعديلات المعارضة أو احترام الشارع    إضرابات بالمكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي احتجاجا على تأخر إخراج القانون الأساسي    مراكش: فتح بحث قضائي في حق مواطن أجنبي و5 سيدات ضبطوا بداخل مركز للتدليك بطريقة مشبوهة    "الجمعية" تحذر من تحول "بوحمرون" لحالة وبائية وتستنكر استمرار قمع حرية الرأي والتعبير وتدهور القدرة الشرائية    أزيد من 55 ألف منصب شغل مرتقب في جهة سوس باستثمار يبلغ 44 مليار درهم    انتشال ثاني جثة بسبتة خلال فبراير الجاري والسابعة منذ مطلع سنة 2025    انعقاد الدورة العادية للمجلس الإداري للمركز الاستشفائي الجامعي سوس ماسة    فاس: لحسن السعدي يزور عددا من المشاريع المنجزة في مجال الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ترامب يجمد المساعدات لجنوب إفريقيا    مرحلة الإياب تنطلق بمواجهات حارقة تتقدمها قمة المتصدر أولمبيك الدشيرة ومطارده رجاء بني ملال    مانشستر سيتي يتقدم بدعوى جديدة ضد رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز    النقابة الوطنية للعدل تدين "انتهاك الحريات النقابية" وتعلن عن تصعيد احتجاجي    الأهلي يعلن تعافي بن شرقي وداري وعودتهما إلى التدريبات    من دير البلح... "القسام" تسلم 3 أسرى إسرائيليين للصليب الأحمر بخامس دفعة تبادل    "أليوتيس" 2025 : انعقاد اللجنة المشتركة المغربية الموريتانية في مجال الصيد البحري وتربية الأحياء المائية    تحقيق يكشف أبرز المتأثرين بسياسات ترامب الداخلية والخارجية    تصفيات المونديال..الفيفا يلغي مباراة الأسود ضد الكونغو برازافيل    كيوسك السبت | المغرب يرتقي إلى المركز الثاني إفريقيا في مؤشر الابتكار    تأهيل البنية التحتية والتنمية المستدامة وتجويد الخدمات محور دورة فبراير 2025 لمجلس جماعة مرتيل    أتلتيكو مدريد يوجه رسالة للحكام قبل الديربي    الصين: انطلاق دورة الألعاب الآسيوية الشتوية بهاربين    دونالد ترامب يعين نفسه رئيسا لمجلس أمناء مركز كينيدي الثقافي    أحلام ترامب بنقل سكان غزة إلى المغرب    أطروحة ترصد تواصل الحكومة بالأزمات    لقاء بالبيضاء يتناول كفاح آيت إيدر    موريتانيا تمنح للسائقين المغاربة تأشيرة دخول متعددة صالحة لثلاثة أشهر    وفاة شاب بأزمة قلبية مفاجئة أثناء مباراة لكرة القدم في طنجة    التوقيع على اتفاقية إعلان الشارقة ضيف شرف الدورة ال30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    طفلة طنجاوية تفوز بجائزة أفضل طفلة مسالمة ومتسامحة في إسبانيا    انتفاضة الثقافة    قمة عربية أو عربية إسلامية عاجلة!    متى يُسْقِطُ الإطار المسْمار !    «بيرسا كوموتسي» تترجم أعمالا فلسطينية إلى اليونانية    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    كاني ويست يعلن إصابته بمرض التوحد    الدوزي يشوق جمهوره لجديده الفني "آش هذا"    وزارة الصحة تؤكد تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين    مجسّد شخصية زاكربرغ: رئيس "ميتا" تحول إلى "مهووس بالسلطة"    ‪ إلغاء لقاح الحمى الشوكية للمعتمرين    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في الخطاب التاريخي للعاهل المغربي خلل القمة الخليجية-المغربية بالرياض
نشر في برلمان يوم 05 - 04 - 2019

خطاب يعري تداعيات استراتيجية “الفوضى الخلاقة ” على النظام الإقليمي العربي
في خطاب تاريخي وجهه العاهل المغربي خلال الجلسة الافتتاحية للقمة الخليجية المغربية يوم 20 ابريل الجاري بالعاصمة السعودية الرياض، دعا العاهل المغربي إلى مزيد من التضامن العربي من أجل التصدي للاختراقات المفتعلة التي يتعرض لها العالم العربي بوسائل مختلفة، أدت في جزء منها إلى تغيير أنظمة، وتقسيم دول وتشريد ملايين وقتل مئات الألاف. لكنها لا تزال تتابع مخططاتها بهدف زعزعة المجتمعات التي حافظت على استقرارها خاصة المغرب ودول الخليج.
تشخيص الحالة العربية:
العاهل المغربي، و بصراحة عهدها كثيرون في تصريحاته، عرض تحليلا دقيقا لمخلفات ما تم تقديمه كربيع عربي، انتهى بالمنطقة العربية إلى قلب أنظمة و محاولات تغيير أخرى و ” تقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا . مع ما يواكب ذلك من قتل و تشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي” ، ليخلف يستخلص العاهل المغربي ” خرابا ودمارا ومآسي إنسانية”، وليضع العالم العربي يعيش ” خريفا كارثيا، يستهدف وضع اليد على خيرات باقي البلدان العربية، ومحاولة ضرب التجارب الناجحة لدول أخرى كالمغرب، من خلال المس بنموذجه الوطني المتميز”
تشخيص التهديدات:
انطلاقا من سؤال طالما طرحه المتابعون لأوضاع العالم العربي منذ بداية الاضطرابات الموصوفة ب” ربيع العرب” : ماذا يريدون منا؟ يصف العاهل المغربي الوضع العربي بالخطير، في ظل الخلط الفاضح في المواقف، وازدواجية الخطاب بين التعبير عن الصداقة والتحالف ، ومحاولات الطعن من الخلف.
فالتهديدات تظهر واضحة إذن من خلال ما يحاك من مؤامرات تستهدف المس بالأمن الجماعي للدول التي استطاعت الحفاظ على أمنها واستقرارها، وعلى استمرار أنظمتها السياسية، أي دول الخليج العربي و المغرب والأردن.
غير أن هذه المخططات العدوانية يخلص العاهل المغربي ” متواصلة و لن تتو قف. فبعد تمزيق وتدمير عدد من دول المشرق العربي ، ها هي اليوم تستهدف غربه. وآخرها المناورات التي تحاك ضد الوحدة الترابية للمغرب”
وبربط منهجي استدلالي/ أكسيومي دقيق يخلص العاهل المغرب إلى أن التهديدات المشتركة، تفرض حتما الرد، و المواجهة و الاحتراز الموحد. فهي ليست عابرة، بل هي مبرمجة، و لذا فالركون لوهم الاستثناء لم يعد مجديا في ظل الحالة العربية المأزومة.
و يبرر العاهل المغربي تشخيصه للحالة العربية بكون ” الأمر لا يتعلق بقضية في دولة معينة، وإنما بحاجتنا إلى وعي جماعي بهذه التحديات، وبإرادة حقيقية لتجديد عقدنا الاستراتيجي مع شركائنا، بناء على محددات واضحة المعالم ، تضبط علاقاتنا خلال العشريات المقبلة”.
و الواقع أن التهديدات و المؤامرات التي عرضها العاهل المغربي، تتقاطع بشكل كبير مع استراتيجية الهدم الناعم التي تبنتها نظرية الفوضى الخلاقة الهادفة إلى التغيير الكامل لخريطة الشرق الأوسط، معتمدة في ذلك على أليات إعادة البناء بعد هدم الأسس والتقاليد القديمة و دعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة لدول الشرق الأوسط ،و محاولة البحث عن فاعليين محليين و إقليميين يقومون بتنفيذ الخطة بالوكالة بما يسمح إبعاد الجهد الأميركي المباشر والاكتفاء بصياغة وتنظيم بناء النظام السياسي في هذه الدول.
و في قراءة للمشهد العربي منذ دخول الولايات المتحدة للعراق، نجد أن أهم مدخل تبناه أصحاب الفوضى الخلاقة هو تعزيز الصراع الطائفي والعرقي و بث الشرخ الطائفي والعرقي الملازم لتركيبة شعوب ودول المنطقة.
أو بتغذية القيادات العصبية، بما يسمح بضرب مؤسسات الدولة واستبدالها بولاءات عشائرية وحزبية، وهذا ما عكفت عليه وتبنته الإدارة الأميركية في عدد من دول المنطقة، منها ليبيا حالياً، حيث تتحكم بمؤسسات الدولة انتماءات قبلية، و كذلك بالعراق حيث استُبدلت فيه مؤسسات الدولة بتوافقات حزبية ذات صبغة طائفية وقومية.
أما الألية الثالثة فتتمثل في تعميق الاختلالات الأمنية، على اعتقاد أن خلق حالة عدم الاستقرار واليأس واللاعودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل استبدال النظام في هذه الدول، وذلك بإطالة أمد الصراع المصحوب بالأسلوب الدموي للقتل والدمار، مما يجعل المجتمع في حالة من اليأس والضغط النفسي، وهو ما قد نراه باليمن أو بسوريا. فكان واضحا كيف أن تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي تم التساهل معه لفترة طويلة، بهدف أن يلعب هو أيضا دورا بالوكالة في إشاعة الفوضى و حالة اللأمن.
و لصد هذه المخاطر الممنهجة، يخلص العاهل المغربي إلى أن الحل لتدبير هذه التهديدات و دفعها تقتضي إعادة بناء النظام الإقليمي العربي على أساس الوحدة ووضوح المواقف، بين كل الدول العربية.
و في توصيف وجودي صريح يستنبط العاهل المغربي أن اللحظة التاريخية التي يفرضها التدافع، تقوم في عمقها على ضرورة فك الارتباط بين معادلة ” ماذا نريد” و “كيف يريد الآخرون أن نكون.”
بناء استراتيجية جديدة لإعادة هيكلة النظام الإقليمي العربي:
التحالف الخليجي المغربي في القيادة:
من الثنائي إلى الإقليمي:
تعرف العلاقات المغربية الخليجية تطورا متناميا منذ عقود أطرتها علاقات تعاون ثنائي بين المغرب و دول الخليج الست، شملت مختلف القطاعات السياسية و الاقتصادية و الثقافية و البشرية و العسكرية و الامنية. و كانت دول مجلس التعاون الخليجي الست قد دعت في ختام قمتها التشاورية بالرياض في شهر ماي من عام 2011 كلا من المغرب و الاردن الى الالتحاق بمنظومة المجلس.
و كان بيان 2011 قد برر ترحيب دول مجلس التعاون الخليجي بانضمام الأردن والمغرب للمجلس بكونه يأتي ” انطلاقا من وشائج القرب والمصير المشترك ووحدة الهدف وتوطيدا للروابط والعلاقات الوثيقة القائمة بين شعوب دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية”. و كذا ” إدراكا لما يربط دول المجلس بالدولتين من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، إضافة إلى اقتناعها بان التنسيق والتعاون والتكامل فيما بينها لا يخدم شعوبها فحسب بل يخدم الأهداف السامية والأمة العربية جمعاء”
و من منطلق وحدوي- برغماتي بررت دول مجلس التعاون دعوتها بكونها تتأسس على النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي وميثاق جامعة الدول العربية اللذين يدعوان إلى تحقيق تقارب أوثق وروابط أقوى.
و على الرغم من اختيار المغرب و الاردن لصيغة الشراكة الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون، دون الالتحاق العضوي بالمجلس، فإن الدعوة أسست لعهد جديد من العمل العربي المشترك المبني على التفاعل والتكامل في كل المجالات يتم تنفيذها ثنائيا أو جماعيا و تؤطرها مؤسسيا اللجن السياسية الثنائية و الاجتماعات السنوية لوزراء الخارجية، و كذا اجتماعات فرق العمل الثنائية.
أما بالنسبة للمغرب تعيينا،فقد كانت فلسفته المبنية على توازن العمل الثنائي و الجماعي هي القاعدة المركزية في تدبيره لشراكاته، و هو ما عبر عنه العاهل المغربي في خطابه التاريخي بقوله ” لقد تمكنا من وضع الأسس المتينة لشراكة استراتيجية، هي نتاج مسار مثمر من التعاون ،على المستوى الثنائي، بفضل إرادتنا المشتركة”. مؤكدا على أن ” الشراكة المغربية الخليجية، ليست وليدة مصالح ظرفية، أو حسابات عابرة. وإنما تستمد قوتها من الإيمان الصادق بوحدة المصير ، ومن تطابق وجهات النظر، بخصوص قضايانا المشتركة”.
و لذا تأتي القمة الخليجية-المغربية الاولى ” لإعطاء دفعة قوية لهذه الشراكة، التي بلغت درجة من النضج ، أصبحت تفرض علينا تطوير إطارها المؤسسي، وآلياتها العملية.”
التنوع داخل الوحدة
لكن العاهل المغربي، بوفائه لتعدد اليات الشراكة ، كان حريصا على تأكيد قناعته باحترام ” سيادة الدول” و” توجهاتها في إقامة وتطوير علاقاتها، مع من تريد من الشركاء”، علاوة على ضرورة احترام الاختيارات “السياسية والاقتصادية” لكل بلد.
و على منوال قاعدة لسنا وحدنا في الملعب، حذر العاهل المغربي من وجود ” تحالفات جديدة ، قد تؤدي إلى التفرقة، وإلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. وهي في الحقيقة، محاولات لإشعال الفتنة، و خلق فوضى جديدة ، لن تستثني أي بلد. وستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة ، بل وعلى الوضع العالمي.”
مما يعطي للقمة أهميتها الاستراتيجية، باعتبارها من جهة نتيجة طبيعية للتراكم الإيجابي الذي رامته علاقات التعاون والتضامن الخليجي-المغربي، لكنها من جهة أخرى، تأتي قمة استثنائية في ظرف استثنائي تعيشه المنطقة العربية.
التوجه شرقا و تنويع الشراكات: خيار مغربي
ومن جهته فالمغرب رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه، قد توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شراكاته، سواء على المستو ى السياسي أو الاستراتيجي أو الاقتصادي.
وفي هذا الإطار، تندرج زيارة العاهل المغربي للهند عام 2015 ثم إلى روسيا خلال شهر مارس من العام الحالي، مع برمجته لزيارة رسمية لجمهورية الصين الشعبية قريبا.
فألية التقارب بين بلد وآخر لم تخضع في تقدير هذه الفلسفة لاعتبارات الحلفاء الغربيين التقليديين الذين رسموا لعقود طويلة معنى متجاوزا للتحالف لم يكن يخدم في اعلب الاحيان الا مصالحهم.
وهو ما يبدو جليا في توضيح العاهل المغربي بأن بلده المغرب ” حر في قراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد. وسيظل وفيا بالتزاماته تجاه شركائه، الذين لا ينبغي أن يروا في ذلك أي مس بمصالحهم” ، و كذا في وضعه القمة الخليجية-المغربية في سياقها باعتبارها ليست موجهة ” ضد أحد بشكل خاص، و لاسيما حلفاءنا . إنها مبادرة طبيعية و منطقية لدول تدافع عن مصالحها ، مثل جميع الدول ، علما أن أشقاءنا في الخليج، يتحملون تكاليف وتبعات الحروب المتوالية ، التي تعرفها المنطقة” .
الامن المشترك بوصلة النظام الاقليمي العربي الجديد
إعادة هيكلة مفهوم الأمن القومي:
كان تنويه العاهل المغربي بعمق روابط الأخوة و التقدير، وقوة علاقات التعاون والتضامن بين دول مجلس التعاون الخليجي و المغرب إشارة قوية لكون تطور المعطى الجيوستراتيجي يفرض اليوم تغيير المفهوم التقليدي لبناء الكثل الجغرافية، إذ ” رغم بعد المسافات الجغرافية ، التي تفصل بيننا ، توحدنا والحمد لله ، روابط قوية ، لا ترتكز فقط على اللغة والدين و الحضارة ، وإنما تستند أيضا ، على التشبث بنفس القيم والمبادئ ، وبنفس التوجهات البناءة.,,,كما نتقاسم نفس التحديات ، ونواجه نفس التهديدات ، خاصة في المجال الأمني” .
لذا وجب بناء عقيدة امنية جديدة تستجيب لتحولات النظام الدولي، و تبث نفسا جديدا في منظومة الدفاع المشترك للنظام الإقليمي العربي، أو لمكوناته كما هو الشأن اليوم مع التحالف الخليجي-المغربي،. حيث كان العاهل المغربي واضحا في رسم الحدود فوق الحدودية لمفهوم الأمن وهو يصرح بأن ” الدفاع عن أمننا ليس فقط واجبا مشتركا، بل هو واحد لا يتجزأ. فالمغرب يعتبر دائما أمن و استقرار دول الخليج العربي ، من أمن المغرب. ما يضركم يضرنا وما يمسنا يمسكم” .
فبالرغم من كون العقيدة الأمنية للتحالف الخليجي-المغربي جديدة في بنائها النظري، إلا أنها تستمد شرعيتها من تراكمات التعاون خلال العقود الأربعة الأخيرة، حيث « حرص على تجسيد(ها) في كل الظروف والأحوال، للتصدي لكل التهديدات، التي تتعرض لها المنطقة، سواء في حرب الخليج الأولى، أو في عملية إعادة الشرعية لليمن ، فضلا عن التعاون الأمني و الاستخباراتي المتواصل”. و بنفس القوة يذكر العاهل المغربي أيضا بمواقف دول الخليج المساندة للمغرب في الدفاع عن سيادته ووحدته الترابية منذ اندلاع هذا نزاع الصحراء المفتعل” .
و للتذكير فقط، فقد لعب المغرب و دول الخليج دورا هاما خلال العام الماضي في إغناء و تعزيز المناقشات التي احتضنتها الجامعة العربية سواء بشأن إنشاء أو بخصوص إنشاء قوات دفاع مشتركة مجلس الجامعة العربية للسلم والأمن, لكن يبدو أن الخلافات السياسية بشأن التحالفات و التدافعات الأمنية و السياسية القائمة على أرض الواقع، لا تزال تعيق استكمال هذا المشروع الذي لا يزال يحتاج إلى مزيد من الوقت.
ملف الصحراء داخل نسيج الامن الإقليمي العربي العام:
في غمرة هذا التطور الاستراتيجي الخليجي-المغربي، يواجه المغرب تحديات كبيرة في تدبير ملف صيانة شرعيته السيادية على صحرائه. و هي تحديات تتجاوز العتبة التقليدية المبنية على تحريض الجبهة الانفصالية البوليساريو المدعومة من طرف الجزائر. إذ هي تشهد دخول أطراف خارجية تستهدف زعزعة الشق الغربي لشمال إفريقيا الذي حافظ على أمنه و استقراره خلال هزات ما يعرف ب” الربيع العربي”، و ذلك من خلال الدفع نحو ” نزع الشرعية عن تواجد المغرب في صحرائه، أو تعزيز خيار الاستقلال و أطروحة الانفصال، أو إضعاف مبادر ة الحكم الذاتي ، التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصد اقيتها” .
المنظمة الأممية وأعطاب النظام الدولي الجديد:
و لذا، و كما جاء على لسان العاهل المغربي يبدو ” الوضع خطير هذه المرة ، و غير مسبوق في تاريخ هذا النزاع المفتعل ، حول مغربية الصحراء .”، لأن آليات التآمر بدأت تعمل من داخل الأمانة العامة للأمم المتحدة التي تم اختراقها، إلى الحد الذي توفقت فيه من ” شن حرب بالوكالة ، باستعمال الأمين العام للأمم المتحدة ، كوسيلة لمحاولة المس بحقوق المغرب التاريخية والمشروعة في صحرائه ، من خلال تصريحاته المنحازة ،و تصرفاته غير المقبولة ، بشأن الصحراء المغربية” .
فالأمين العام للأمم المتحدة الذي سقط في شباك ” الدعاية المدعومة بدموع التماسيح” التي تم إعدادها بشكل محكم، أبانت بما يكفي أن الرجل لا يملك الحد الأدنى في تدبير الأزمات. فقد وقع ضحية مسرحية محبوكة هندس لها معاونوه الذين كانوا يعلمون مسبقا الإعدادات البروتوكولية التي هيئتها له الحركة الانفصالية البوليساريو عند استقباله. فانتزعوا منه تصريحات غير قانونية و غير لائقة في حق المغرب، ثم ورطوه في مخالفات أدبية كان من المفروض أن يسائل عليها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كقبوله الركوب في سيارة غير سيارة الأمم المتحدة ( التي كانت موجودة حين الاستقبال) ، تحمل علما ل”دولة وهمية” لا تعترف بها منظمة الأمم المتحدة التي يمثلها. ثم تورطه في وقوف و تحية علم دولة وهمية تحت نشيد ” لدولة وهمية” لا تعترف بهما منظمته.
الأمر الذي أثار حفيظة الشعب المغربي الذي خرج منتفضا ضد تصريحات و سلوكات بان كيمون المسيئة لمنظمة الأمم المتحدة قبل أن تسيئ للمغرب.
و طبعا لم تكن هذه المؤامرة الوحيدة، بل هي السياق الذي كشف وجود أيادي خفية تحاول المس باستقرار المملكة المغربية على غرار ما تحاول المس منبأمن دول مجلس التعاون الخليجي، و إن اختلفت الوسائل و الأساليب,
العاهل المغربي كان واضحا و منطقيا في وضع سيادة المغرب على مائدة الشراكات الاستراتيجية و الدفاعية و الأمنية الخليجية المغربية. لأن دول الخليج واضحة في دفاعها المستميت عن سيادة المغرب على صحرائه، كما المغرب منخرط عضويا في الدفاع عن سيادة كل الخليج و أمنها من خلال مواقفه السياسية و تعزيزاته الامنية و العسكرية و الاستخباراتية في خذمة التعاون و التضامن الخليجي المغربي.
خلاصات:
هذا إذا هو المضمون الاستراتيجي الذي يعطي لخطاب العاهل المغرب بالرياض خلال القمة الخليجية المغربية، قوته ووزنه في فهم التهديدات غير التقليدية المتربصة بالمنطقة العربية. ولعله من الهام جدا أن يقرأ الخطاب في سياقه الاستراتيجي العام، لأنه يساعدنا كثيرا على فهم دلالات التضامن الخليجي المغربي الهادف إلى ضخ نفس جديد للنظام الإقليمي العربي و لمنظموته الدفاعية و الأمنية المشتركة مستقبلا.
المرحلة القادمة لما بعد صيف 2016 ستكون ساخنة حتما، و تفرض تشكيل جبهة عربية جديدة للمشاركة في تشكيل المشهد السياسي العالمي بعد رحيل أوباما و بان كيمون و آخرون.
أما مستقبل ليبيا و سوريا و العراق و اليمن و مالي و غيرها فكلها تتوقف على ضرورة الوعي بما يحاك من مؤامرات ضد منطقة الشرق الأوسط من طرف أصحاب نظرية الفوضى.
إذ أنها تقوم على استراتيجية تنزع إلى تركيز الجهد نحو تغيير نمط وسلوكيات ومعتقدات شعوب هذه المنطقة واستبدال ثقافاتها بثقافات تراها ضرورية لبناء مفهومها لنظام عالمي جديد، و هو ما تشير إليه مقولة أحد مهندسي النظرية بالقول: “علينا تدمير الأنماط والنماذج والعلوم القديمة في الأدب وغيرها وهذه مهمتنا التاريخية”
و إذا ما أخذنا ألية استغلال المكون الإثني ، نفهم كيف تلعب هذه القوى المتخفية نحو تحويل التنوع الإثني إلى معطى مؤثر يحول المعطى الاثني إلى لاعب سياسي في التأثير على الاستقرار السياسي و الاقتصادي و الأمني و على مفهوم التلاحم القطري بوجه خاص، سواء عل المستوى الرمزي أو باستهداف تحويله إلى وحدة طائفية تتنازع على التقطيع الترابي

حالات للتدخل الناعم:
المكون الإثني بحمولة عرقية المكون الإثني بمكون مجالي المكون الإثني بحمولة ثقافية المكون الاثني بمشروع سياسي
الألية الطائفية الألية الطائفية الآلية الحقوقية الآلية السياسية
الألية الانفصالية الألية الانفصالية الآلية التعليمية و الإعلامية التعبئة، الدعاية، الترويج الخارجي
التدافع على ارض الواقع
و افتعال شبه البنيات شبه المستقلة
التدافع على ارض الواقع
و افتعال البنيات المستقلة
الدستور، والدعاية الآلية الاحتجاجية وافتعال جماعات لضغط المستقلة
حالات
حالة الأكراد، حالة الشيعة بالبحرين حالة السودان، حالة البوليساريو حالة العراق وليبيا حالة اليمن وسوريا
د.المصطفى الرزرازي (خبير دولي و أستاذ إدارة الازمات بجامعة سابورو غاكوين-اليابان)
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن مواقف صاحبها ولا تلزم موقع برلمان.كوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.