الخط : إستمع للمقال في خطوة مفضوحة، أعلن الإرهابي محمد حاجب عودته إلى نشاطه العدائي على منصة "يوتيوب"، بعد أن كان قد أعلن سابقا اعتزاله ما يسميه "النضال" ضد النظام المغربي. هذه العودة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج إخفاقات متتالية، سواء في مساعيه القضائية داخل ألمانيا أو في محاولاته لاستجداء المغرب والتفاوض معه، إضافةً إلى تحركات مشبوهة في صفوف معارضي الخارج وطوابرية الداخل لإعادة تشكيل حملاتهم العدائية ضد المؤسسات السيادية المغربية. أحد أهم العوامل التي دفعت حاجب إلى العودة إلى الساحة الإعلامية المسمومة هو فشله في استصدار أحكام قضائية لصالحه في ألمانيا، بعد أن ظل لسنوات يروج لمظلوميته المزعومة، معتمدا على مزاعم التعذيب والتعسف في اعتقاله. لكن الحقائق جاءت معاكسة تماما لما كان يروج له، حيث كشفت أحكام القضاء الألماني أن المخابرات الألمانية صنفته كإرهابي منذ 2009 بسبب ارتباطه بمعسكرات إرهابية على الحدود الباكستانية-الأفغانية. الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية لكولونيا في 30 نونبر 2023 قطع الشك باليقين، حيث أكد أن حاجب سافر إلى باكستان بدوافع إرهابية وليس لغرض "الدعوة" كما كان يدعي، وصنفته المخابرات آنذاك ضمن قائمة "المقاتلين الأجانب". هذا القرار أدى إلى إسقاط كافة مزاعمه حول التعذيب والاعتقال التعسفي، ما جعل قضيته خاسرة أمام القضاء الألماني. ورغم محاولاته المتكررة لاستغلال تقرير لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة كدليل لإثبات تعرضه لانتهاكات، فإن الحقائق الواردة في التقرير نفسه جاءت عكس مزاعمه. فالتقرير لم يُثبت تعرض حاجب للتعذيب أثناء التحقيق، بل على العكس، رفض شكواه بخصوص التعذيب خلال فترة الحراسة النظرية والتحقيق لعدم مصداقيتها، وهو ما يؤكد صحة الاعترافات التي أدلى بها آنذاك والتي كانت أساس إدانته. أما بخصوص فترة السجن، فإن التقرير الأممي لم يُثبت مطلقًا تعرضه للتعذيب، بل على العكس، لم يجد أي دليل يدعم ادعاءاته، واكتفى فقط بالحث على فتح تحقيق جديد حول مزاعمه دون أن يُلزم الدولة المغربية بأي شيء. كما أن هذا الطلب كان مرهونًا بتقرير نفسي أجري له في ألمانيا، والذي لم يُثبت تعرضه لأي تعذيب، بل تحدث فقط عن "آثار صدمة نفسية" مبنية على روايته الشخصية، وهي رواية تم تفنيدها مرارًا بالدلائل. وعليه، فإن التقرير الذي يروج له حاجب باعتباره "حكمًا نهائيًا" لصالحه، لم يُقدم أي إثبات قانوني يمكن أن يدعم قضيته، ولم يُلزم المغرب بأي تعويض، مما يؤكد مرة أخرى أن ملفه بني على الأكاذيب والتدليس وليس على أدلة حقيقية. إلى جانب الإخفاق القانوني، فقد حاول محمد حاجب مرارا التواصل مع السلطات المغربية عبر وسطاء، آملًا في التوصل إلى صفقة تضمن عودته بشروط تخدم مصالحه الشخصية، خصوصا فيما يتعلق بإمكانية التعويض أو طي ملفه الأمني. لكن الدولة المغربية تعاملت مع قضيته بما يليق بمجرم مدان، ورفضت أي محاولات للمساومة. وحاجب، الذي كان يسخر سابقا من فكرة طلب العفو، وجد نفسه مضطرا إلى استجداء العفو في الكواليس، قبل أن يصطدم بجدار الرفض الصارم من السلطات. السبب الثالث والأهم لعودة حاجب إلى الظهور هو وجود تحركات منسقة بين بعض "أشباه المعارضين" في الخارج مع أطراف من "طوابرية" الداخل، بهدف إعادة تصعيد الهجمات على المغرب عبر "اليوتيوب" ووسائل التواصل الاجتماعي. المعلومات المتوفرة تؤكد أن هناك اتفاقا لتوزيع الأدوار، حيث تَقَرر أن يلعب محمد حاجب دور "الصوت العنيف والمتطرف"، بينما يتولى آخرون، مثل توفيق بوعشرين، تقديم خطاب أكثر هدوءًا يدس السم في العسل. الهدف من هذه الإستراتيجية هو محاولة إضعاف المؤسسات السيادية المغربية عبر حملة مركزة، تتراوح بين خطاب التحريض المكشوف الذي يتبناه حاجب، وخطاب المظلومية والتباكي على "حقوق الإنسان" الذي يتولاه آخرون. وفي سياق متصل، فإن التحركات الألمانية بخصوص قضية حاجب لم تكن خالية من التناقضات. فمن جهة، تكشفت وثائق رسمية تثبت تواطؤ أجهزة استخباراتية ألمانية في دعم حاجب خلال فترات سابقة، حيث أُبلغ هذا الأخير في 14 غشت 2020 من طرف مسؤول أمني ألماني بأنه موضوع مذكرة توقيف دولية صادرة عن المغرب، لكنه طمأنه بأنه لن يتم تسليمه. لكن من جهة أخرى، ومع تطورات الأزمة بين المغرب وألمانيا، بدأت الأخيرة في التراجع عن دعم حاجب تدريجيا. فبعد المصالحة الدبلوماسية بين البلدين في 2022، رفضت ألمانيا منح حاجب أي ضمانات بعدم تسليم معطياته الأمنية، وأسقطت أي حظر على نقل المعلومات بين استخباراتها والاستخبارات المغربية. هذا التحول دفع حاجب إلى مقاضاة جهازي المخابرات الألمانية BfV وBND، لكنه فشل في تحقيق أي مكاسب، مما جعله يدرك أنه أصبح ورقة محروقة حتى لدى الجهات التي كان يراهن عليها. وبعد كل هذه الإخفاقات، لم يبقَ أمام محمد حاجب سوى العودة إلى أسلوبه القديم: السبّ، القذف، التحريض، وبث خطاب العنف ضد الدولة المغربية و مؤسساتها، و ما خروجه للقول بأنه توصل برسالة من رقم دولي مجهول ينادينه ب "أبي عمر" إلا خطة مفضوحة للعودة مجددا لدائرة الضوء لدى المخابرات الألمانية، خصوصا مع تنامي حوادث الدهس و الطعن مؤخرا في أوربا. الهدف الأساسي من هذه العودة ليس فقط تصريف الإحباط الذي يعيشه، وإنما أيضا القيام بدور وظيفي في إطار حملة منظمة. فمع توالي الهزائم الإعلامية والسياسية لما يسمى ب"المعارضة الخارجية"، بات من الضروري تحريك أدوات جديدة للهجوم، وحاجب، بمستوى خطابه المنحط وأسلوبه التحريضي، يبدو المرشح الأمثل للقيام بهذه المهمة. لا شك أن هذا التنسيق الجديد بين حاجب وعملاء الخارج وأذناب الداخل يمثل تحديا إضافيا، لكنه ليس جديدا ولا مفاجئا. المغرب، بمؤسساته القوية، وأجهزته الأمنية المحترفة، وشعبه الواعي، قادر على إفشال هذه الحملات كما أفشل سابقاتها. في النهاية، محمد حاجب ليس سوى بيدق جديد في لعبة خاسرة، وصراخه عبر مواقع التواصل لن يغير شيئا من حقيقة إدانته بالإرهاب، ولا من كون قضيته حُسمت قانونيا وأخلاقيا. أما من يحاولون إعادة تسويقه، فهم أيضا يدركون جيدا أنهم يستثمرون في ورقة محروقة، وأن مغامرتهم هذه محكومة بالفشل كما فشلت كل المحاولات السابقة. الوسوم الجزائر المغرب داعش فرنسا