الخط : إستمع للمقال خصص عبد الحميد جماهري، رئيس تحرير ومدير نشر يومية الاتحاد الاشتراكي، عموده "كسر الخاطر"، في عدد الجريدة الصادر يوم غد الأربعاء 11 دجنبر 2024، للحديث عن مستجدات الوضع في سوريا، مستعرضا السياق العام الذي أدى إلى اندلاع ثورة تحرير هذا البلد الشقيق من استبداد أسرة الأسد، ومسلطا الضوء كذلك على الدمار الكبير الذي خلفه النظام السابق من قتل وتعذيب وتهجير، مع تقديم توقعاته بشأن مسار الإصلاح ومستقبل سوريا لوضع أسس دولة قائمة على الحرية والديمقراطية. واختار جماهري لعموده "كسر الخاطر"، المتعلق بهذا الموضوع، عنوان "سوريا: عندما يصبح الاستبداد عادة، ولا يترك خلفه سوى الخراب"، وجاء فيه ما يلي : حولت خمسون سنة من الحكم اللامشروع في سوريا الاستبداد إلى عادة عائلية. ولعل المكر التراجيدي هو الذي جعل الكاتب الروسي الشهير فيودور دوستوفيسكي الأكثر تعبيرا عن الوضع السوري قبل رحيل رئيس النظام فيه بشار الأسد، دون أن يكون قد قصد ذلك. عندما تحدث عن ذلك في روايته "قصص بيت الموتى"، التي تحيل إلى السجن، وأدب السجون، كما أسس له الكاتب في الأدب الروسي. كل شيء يحيل إلى ما كانت تعيشه سوريا العزيزة: عادة الاستبداد، تراجيديات السجون المتفرعة عن السجن الأكبر (الوطن)، التي غادر بعض شيوخ المعتقلين زنازنها وهم يعتقدون أن الأسد الأب "حافظ" هو الذي مات، لهذا تم الإفراج عنهم، بعد أربعين سنة من أحداث "حماة" الأولى، الخرائط الضائعة "كجزء من عادة الطغيان" في تدمير الدلائل. 1 هنا من المغرب كانت العلاقة مع سوريا متقلبة. بعضنا، من قلب التيار التقدمي أو التقدمي القومي أو التيار الماركسي القومي، يبني العلاقة، وأحيانا العاطفة على ما اشتركت فيه الأدبيات التقدمية عموما والوطنية خصوصا من شعارات لها وقعها الخاص: حرب التحرير الشعبية، إسقاط الإمبريالية، جمهورية الشعب العربي الموحد تحت راية تحرير فلسطين. ولا صوت يعلو على صوت المعركة مع العدو. مضى زمن تبددت فيه الكثير من القيم والشعارات التي يمكن تلخيصها في رومانسية ثورية لشعوب تبحث عن نافذة لتطل بها على فجر رسم شموسه قبل أن تراه. تم تأجيل الديمقراطية والإصلاح، وتقوى الاستبداد وصار دمويا وكيماويا، ولم تتحرر فلسطين، بل ثبت أن أطول هدنة هي التي أقامها نظام الأسد بعد حرب أكتوبر 1973 وضياع الجولان، أي منذ 1974. لا أحد كان يستطيع أن يسدد طلقة، ولو كانت من مسدس مائي، نحو إسرائيل انطلاقا من الجولان. كثيرون كانوا يغضون الطرف، ويتذرعون بالتوازن الاستراتيجي الذي تحول عند إيران إلى صبر استراتيجي. أكثرنا جرأة أقروا بأن القطيعة ضرورية، وأن بلدا ديمقراطيا أو يسير نحو الديمقراطية ويؤمن بالإصلاح هو البلد الأفضل لتحرير فلسطين، ومكسب لكي تقول الشعوب رأيها بحرية. وأن الشعوب المقهورة والمشدودة إلى الشعارات لا تنتج فكرة واحدة قادرة على صناعة الفرق. عندما اندلع الربيع العربي، الذي سنختلف على هويته وحمضه الثوري من بعد، تخلفت سوريا النظام عن التقاط نبض شارعها، ليبراليا كان أو تقدميا أو إسلاميا. ولما اقتربت ساعة الفرار، وصل الصوت الذي أطلق ذات ربيع متأخرا إلى قصر دمشق بعد 13 سنة. وكان الوقت قد فات. بعض السوريين اقتنعوا أن "الثورة على الاستبداد، تتجسد فيها طاعة الله"، سبحانه وتعالى، ورفعوا الرايات السوداء والبيضاء وزينوها بالتكبير. بعضهم الآخر، اعتبر أنها النشيد الوحيد للربيع، بعد أن كان الإصلاح قد فشل في إسماع صوته وإقناع رموز الدولة بضروراته. ونحن طوال هذا العمر كنا نتلقى، بفرح، «رشوة« التفاح والياسمين والموشحات ملفوفة في قصائد نزار قباني، ونحب دمشق أكثر ولا نرى السكين التي تذبحها. 2 الاستبداد لا يترك خلفه سوى الخراب 3 أمام المشهد الطاغي على الساحة السورية، يرى المحللون الأكثر تشاؤما أن الثورات عاجزة في التخفيف من ثقل الطغيان الذي كان، بسبب ما تحمل فيها من بذور شبيهة، وأن كل ما يقع هو أن الثورات تنقل هذا الثقل من كتف إلى كتف آخر، كما يحدث مع البنادق. الأقل تشاؤما يرون أن حكومة الثورة التي تم إعلانها هي ثأر الحرية من الاستبداد. وفي المشهد العام، نلمس وجود خوف فولتيري، يقوم على أساس أن البلد الدمشقي الجميل ينتقل من استبداد فردي إلى استبداد جماعي، قائم على أفكار طغيان الجماعات وميلها الطبيعي إلى المطلق وتحليل بالقطعيات.. يزيد من هذا الخوف، وجود فاعلين لهم حساباتهم التي رسموها على الخارطة الترابية لسوريا. مناطق تحت نفوذ التحالف الدولي، بقيادة الولاياتالمتحدة، الموجود علانية ضد تنظيم الدولة" داعش" في سوريا بعد خروجه من العراق. مناطق تحت نفوذ هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ. ومناطق تحت النفوذ التركي والجيش الوطني. وعوض أن يدعو "الأولياء الصالحين" في سوريا، سيكون على من يستشرف المستقبل أن تكون له خطوط اتصال مباشرة مع العواصم، ليطلب حاجته من« أرباب« القرار. إلى أي حد سيتفق الجميع على خارطة طريق للوصول إلى دولة سوية؟ يتعلق ذلك بالقدرة على التوازن بين الفرقاء، المدنيين منهم والعسكريين، الثوار المحليين منهم والأمميين، التابعين منهم إلى تركيا والتابعين إلى الولاياتالمتحدة، أو قطر؟ ويتعلق الأمر بتفاهمات ممكنة بين دول الجوار. ويتعلق ثالثا بالتفاهمات الممكنة بين الدول المعنية ذاتها، والتي سرعت بتدخلها من رحيل الأسد. ويتعلق الأمر، في مستوى آخر، بعيد نسبيا، بقدرة المجتمع الدولي على تنفيذ القرار 2254 وخارطة الطريق نحو العملية السياسية، وما انبثق عنها من متن دستوري. وكلها أوراق مبعثرة بين أكثر من مركز قرار. الوسوم الثورة سورية بشار الأسد جماهري عبد الحميد جماهري