الخط : إستمع للمقال يبدو أننا أصبحنا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أمام نمط جديد لخطر الإرهاب، لا يقل خطورة عن سابقيه. نمط إرهابي جديد يتمثل ليس فقط في السعي إلى فرض التطبيع مع الإرهاب والإرهابيين، وإنما أيضا في عملية تبييض الإرهابيين.. و"مَلْكَأَتِهِم" (إن صح التعبير)، أي تحويلهم إلى ملائكة أوتقديمهم في صورة ملائكية (angélisation/angelization). هي عملية غسيل مزدوجة. فمن جهة تعمل على غسل وتبييض السجل الإجرامي والدموي للإرهابي. ومن جهة أخرى تعمل على غسل دماغ المتلقي وتضليل الرأي العام لتجعله يتعاطف مع هذا الإرهابي أو ذاك، لدرجة حتى وإن كان مقتنعا بكون ذلك الشخص إرهابيا، فإنه سيجد نفسه دون أن يشعر متعاطفا معه أو على الأقل غير رافضٍ لفكرة التعاطف ذاتها مع شخص إرهابي أو ذو سوابق إرهابية. إن الحرب التي بدأها المغرب ويواصلها ضد الإرهاب، لم تكن قائمة على مقاربة واحدة ووحيدة، أمنية محضة، وإنما كانت قائمة على استراتيجية شمولية متعددة الأبعاد، شملت مختلف المستويات والجوانب التي من شأنها أن تشكل ساحة أو فضاءً لنشر الإرهاب والتطرف أو منبعا لتفريخ الإرهابيين، سواء كانت تلك الجوانب أمنية أو دينية أو اجتماعية أو حتى إعلامية، بما فيها وسائط الاتصال الحديثة... ولعل هذا البعد الأخير هواليوم الأخطر على الإطلاق... لكون الإعلام لم يعد، كما كان في السابق، فقط مشتلا خصبا إما لنشر الفكر الإرهابي وبث التطرف، أوللتطبيع مع الإرهاب والإرهابيين وتلميع صورتهم وتسويق وجهات نظرهم وأطروحاتهم، وإنما أصبح اليوم يشكل ما يشبه معسكرا إرهابيا ناعما، خاص بتدريب المتطرفين والإرهابيين، لا على حمل السلاح أو سفك الدماء أو بث الخراب، وإنما لتدريبهم على الإفلات من العقاب وذلك على يدجيل جديد مندعاة الإرهاب. فإذا كان دعاة الإرهاب بالأمس عبارة عن مجموعة من "المشايخ" المتطرفين والمنحرفين فكريا وعقديا والمتزمتين دينيا ومذهبيا والعنصريين طائفيا، فإنه اليوم أصبح لدينا دعاة إرهاب من نوع آخر وخاص جدا... جيل جديدمن دعاة الإرهاب ربما أخطر من دعاة الإرهاب التقليديين. فدعاة الإرهاب القدامى أو التقليديين كانوا يتخذون من الدين مطيةً، مُحوِّلين الإسلام من دينٍ يدعو إلى الحياة والمودة والرحمة والسلم والتعايش إلى أداة لصناعة الموت وسفك الدماء وبث الخراب وتقويض الأمن والاستقرار، بالشحن والتلقين والتشبيع بالتكفير والعنف والتطرف... أما دعاة الإرهاب الجدد، فيتخذون من الصحافة والإعلام والعمل الحقوقي أسلحة بديلة، ليس فقط من أجل العمل على فرض التطبيع مع الإرهاب... وإنما لتمكين الإرهابيين أنفسهم، الفاعلين منهم والنائمين، إما من الإفلات من العقاب من خلال دفعهم إلى اللجوء إلى التقية ومحاولة تبريئهم من أي جريمة قد يكونوا تورطوا فيها، وإما على الأقل من الاستفادة من صك "المَلْكَأة" (angélisation/angelization) لتبييض سجلهم الإجرامي وسمعتهم القذرة في حالة وقوعهم في شباك العدالة، وكل هذا يتم بواسطة التسويق لمظلومية مفبركة وتزييف واسع ومُركّب للحقائق وتضليل ممنهج للرأي العام وربما حتى للعدالة... لتكون النتيجة في آخر المطاف -وهنا تكمن كل الخطورة- هي تمكين الإرهابيين المستقبليين من دليل شامل ومنهج تأطيري وتوجيهي حول كيف تصبح إرهابيا بريئا... إن لم يكن في نظر القضاء، فعلى الأقل في نظر الرأي العام... بمعنى آخر إن لم تستطع خداع العدالة والإفلات من العقاب، فعلى الأقل سيتم تبريئك إعلاميا وحقوقيا... وهذا ما حصل ويحصل في السنوات الأخيرة على يد دعاة الإرهاب الجدد بالمغرب، أمثال علي أنوزلا الذي ارتبط إسمه بقضية تمجيد الإرهاب على إثر نشره لشريط دعائي لتنظيم "القاعدة" الإرهابي والذي تبنى أطروحات إرهابيين أدانهم القضاء نهائيا، أمثال عادل العثماني الذي كان وراء التفجيرات الإرهابية لمقهى "أركانة" بمراكش، ناهيك عن تحوله إلى بوق رسمي لما يسمى ب " لجنة الدفاع عن المعتقلين الإسلاميين"، دون أن ننسى احتضانه وتوظيفه لشخص أدانه القضاء على خلفية قضية إرهاب لا تختلف كثيرا عما قام به أنوزلا نفسه في قضية شريط تنظيم "القاعدة" الإرهابي، والحديث هنا عن رضا بن عثمان. ونذكر كذلك علي المرابط الذي عمل في السنوات القليلة الأخيرة وبشكل حثيث، على تبني ملف الإرهابي محمد حاجب وتبييض ماضيه الإرهابي، بل وتعمُّده بشكل ممنهج ومريب على إخفاء حقائق كثيرة تدين حاجب وتؤكد تورطه في جرائم إرهابية موثقة في تقارير استخباراتية ألمانية وفي أحكام قضائية حديثة صادرة عن محاكم في ألمانيا. أما آخر الملتحقين بركب دعاة الإرهاب الجدد، فهي هاجر الريسوني التي وجدت حاليا ضالتها في ملف الإرهابي ذو رتبة تاجر السلاح، علي أعراس، العضو السابق في "حركة المجاهدين بالمغرب" الإرهابية، الذي قامت مؤخرا بمحاورته عبر منصة "هوامش ميديا".... وهو في الحقيقة لم يكن حوارا صحفيا وإنما كان مونولوغا تمثيليا دراميا بعنوان: "دموع في عيون وقحة". لذلك، فإذا كان التصدي للإرهابيين والمتطرفين يستلزم حربا أمنية وفكرية ودينية تقضي بالدرجة الأولى بتجفيف منابع الإرهاب ومحاربة مسبباته، فإن النمط الإرهابي الجديد الذي طفى على السطح وتمدد، يستلزم منا حربا إعلامية بلا هوادة، ليسضد الإرهابيين وحدهم، بل بالأساس ضد دعاة الإرهاب الجدد باعتبارهم منبع هذا النمط الإرهابي الجديد وسببه. فلولاهم لما أعيد تدوير الإرهابيين السابقين بالشكل السخيف الذي أصبحنا نراه اليوم ولما تم إحياؤهم وإنعاشهم، بل و"مَلْكَأَتُهُم" (angélisation/angelization) لدرجة الانتقال من التطبيع مع الإرهاب وفرضه إلى تكريس ومأسسة الإفلات من العقاب... وبالتالي فالحرب بالأساس هي مع الفاعل وليس المفعول به. وعليه، وكما وعدكم "بوغطاط المغربي" في تدوينة سابقة، سنخصص سلسلة حلقات، أولا من أجل تسليط الضوء على تاريخ دعاة الإرهاب الجدد في تلميع وتبييض أمراء الدم ومن والاهم. ثانيا من أجل فضح الأساليب التي اتبعوها تحت غطاءات مختلفة، صحفية كانت أو حقوقية، لقلب الحق باطل والباطل حق. وثالثا والأهم، من أجل نسف -ليس الأرواح كما كان ولازال يبتغي من يدافع عنهم هؤلاء الدعاة الجدد- وإنما لنسف الأباطيل والأكاذيب التي عملوا على ترويجها وترسيخها وأصروا ولازالوا يصرون على إعادة تدويرها باستمرار، عملا بالقاعدة الشهيرة لوزير الدعاية النازي جوزيف جوبلز: "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس"... والبداية ستكون مع علي المرابط... فانتظرونا قريبا في الحلقة الأولى من سلسلة "دعاة الإرهاب الجدد... من فرض التطبيع مع الإرهاب إلى التدريب على الإفلات من العقاب". الوسوم المغرب بوغطاط المغربي