الخط : إستمع للمقال لم يكن المعطي منجب وعلي لمرابط وحسن بناجح والكوبل الفيلالي ومعهم الصحافي الإسباني فرانسيسكو كاريون يعتقدون، حتى في أكثر الحالات تشاؤماً، أن محمد زيان سيقطع تلقائيا إضرابه المزعوم عن الطعام، وأنه سيمنعهم من فرصة ارتداء "حق الله" والتباكي عليه في حساباتهم الشخصية على الفايسبوك. كما لم يَكُن الإرهابي محمد حاجب يَعتقد، في أكثر الحالات تفاؤلا، بأن السجين محمد زيان سَيَتراجع عن "الشهادة" في سبيل مناجم طاطا، ويُعوِّضها بما دون ذلك وهي "الشهادة" في سبيل تَحسين وضعيته السجنية وتَدسيم وجباته الغذائية تمهيدا لشهر رمضان الفضيل. فكل هؤلاء الغرابيب السود شَلحُوا عنهم عباية السواد، وتوشَّحوا جبة البياض، وكانوا ينتظرون فقط تراجع صحة محمد زيان، أو التظاهر بذلك، لكي يملؤوا مواقع التواصل الاجتماعي عويلا ونعيبا ونعيقا. بل إن المعطي منجب سارع لنصب تابوت الموت لمحمد زيان في جداره الفايسبوكي، وانبرى حسن بناجح يحيك من مزاعمه خيوط الرداء الأخضر الذي يسجى به الموتى، في حين هرع علي لمرابط لحفظ سورة "ياسين" لترتيلها وتبتيلها في تشييع الرجل لمثواه الأخير. أما محمد حاجب فقد ظن أنه الفِراق بطعم الشهادة، عندما استشرف "بلوغ التراقي حيث تلتف الساق بالساق ويقول إلى ربك يومئذ المساق"، جاهلا بأنه كان ساعتها يَعوي شريدا في الفايسبوك، بينما كان محمد زيان يَلهف وقتها ما لذ وطاب من مأكولات مُقتصدية سجن العرجات. هكذا كان غربان الفايسبوك يُمنون النفس! وهكذا كانوا يتجسمون محمد زيان وهو محمول على النعش، مثله مثل باقي القرابين الذين غرَّر بهم المعطي منجب وساقهم إلى ملاذهم السجني بالعرجات وتيفلت وعكاشة وغيرها من المؤسسات العقابية والإصلاحية. لكن السؤال الذي لم يفهمه هؤلاء الغرابيب السود: هو لماذا تراجع محمد زيان عن إضرابه المفترض عن الطعام؟ ولماذا رفض أن يكون هو نفسه "البضاعة" المعروضة للبيع في بورصة الفايسبوك؟ فالرجل كان قد خاطب مدير السجن كتابة مُعلنا عن دخوله في إضراب عن الطعام، مُعلِّلا ذلك برغبته في الحصول على حقه من ذهب وفضة "وبلاتين" مناجم طاطا، باعتباره من ملاك هذه المناجم المملوكة على الشياع والمشاع للمغاربة! لكن بعد انصرام سويعات قليلة من هذا الخطاب التصعيدي! سيُقرِّر محمد زيان-برعونة الحملان-تعليق الإضراب عن الطعام لأسباب قال هذه المرة أنها "شخصية"! وهذا التراجع الخطير وغير المفهوم، دفع نشطاء المواقع التواصلية إلى طرح العديد من الاستفهامات التي لازالت عالقة: فهل حصل فعلا محمد زيان على نصيبه من "البلاتين"، وقرَّر بذلك رفع الإضراب عن الطعام؟ وهل سيقتسم هذه الغنيمة مع علي لمرابط والمعطي منجب والكوبل الفيلالي ومحمد حاجب أم أنه سيحتفظ بكل الفيء ل"دواير الزمان" بعد مغادرته السجن؟ بل إن هناك الكثير من المدونين الذي اعتبروا أن محمد زيان ربما أصيب بمتلازمة "الاضطراب القطبي الثنائي bipolaire": ففي الليل خاض إضرابًا عن الطعام بسبب مزاعم استرجاع كنوز المناجم! وفي الصباح بادر بتعليق الإضراب واشترط الزيادة في حصة الأكل وعدم إقفال أبواب الزنزانة عليه. فهل استبدل محمد زيان نضاله "الذهبي" بالنضال "الخبزي"؟ هكذا كتب أحد المدونين ساخرا وهو يعلق على ما اعتبره "أقصر و(أبسل) إضراب عن الطعام في تاريخ سجون العالم". ولم يقتصر أسلوب السخرية والتقريع عند هذا الحد، بل هناك من المدونين المغاربة من اعتبر أن "محمد زيان كان يبيع الوهم للمغاربة. فالرجل قايض ذهب وفضة مناجم طاطا بوجبة شخصية دسمة وفسحة مشمسة داخل السجن"! هكذا أضحى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي يَرَوْنَ محمد زيان اليوم: رجل يجاهر بالإضراب عن الطعام لأسباب "المصلحة العامة"، ويشترط تعليقه في هنيهة من الزمن لأسباب "المصلحة الشخصية"! بل إنَّ ذهب وبلاتين طاطا سرعان ما تحولا إلى نشويات وبقوليات وخبزيات في أول فطور طالب به محمد زيان إدارة سجن العرجات. ولئن بات مفهوما الآن السبب في تراجع محمد زيان عن إضرابه القصير عن الطعام، عَبْرَ تغليبه لحاجات البطن على مناجم الذهب، فإن السؤال الذي يبقى أكثر تسهيدا للرأي العام: هو لماذا اختار محمد زيان التهديد بالإضراب عن الطعام في السياق الزمني الحالي؟ فكثيرون هم من يجهلون أن محمد زيان كان يمارس مهنة المحاماة خلال فترة توقيفه عن العمل، رغم تبليغه بقرار التوقيف بموجب مقررات لهيئات المحاميين والنيابة العامة. وكثيرون أيضا لا يعلمون أن محمد زيان كان يتقاضى أتعابا من المواطنين، بدعوى الدفاع عنهم ومؤازرتهم أمام المحاكم، في وقت كان فيه ممنوع أساسا من ارتداء بذلة المحاماة بموجب أوامر قضائية ومقررات تأديبية! وقليلون كذلك من يعرفون أن محمد زيان كان قد تحرش جنسيا بإحدى الموكلات، وأنه راسل وزارة العدل نيابة عن موكلين آخرين في فترة كان فيها ممنوعا من مزاولة مهنة المحاماة! فهذه التجاوزات المهنية الخطيرة، دفعت غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف بالرباط لاستدعاء محمد زيان من أجل محاكمته تأديبيا، بسبب مزاولة المهنة رغم قرار التوقيف، وتحصيل الأتعاب بدون سند قانوني، فضلا عن ازدراء المحكمة وتعريض قُضاتها للسب والشتم والتهديد! ولأن محمد زيان لا يجيد المرافعات القانونية أمام المحاكم، فقد ارتأى في المقابل تقليد المعطي منجب في بكائياته ومظلوميته الشهيرة في محاولة للضغط على المحكمة لتوقيف هذه المتابعات التأديبية. فقرر محمد زيان التظاهر بالإضراب عن الطعام! وعندما سأله مدير السجن عن السبب، لم يَجِد سوى مناجم طاطا للمطالبة باسترجاعها من شركة المناجم وتمكينه من نصيبه الشخصي فيها. وعندما جَنَّ عليه الصباح، أدرك محمد زيان أنه ليس بنفس مستوى المعطي منجب في "التبوحيط" و"التنوعير"، فقرَّر تعليق الإضراب عن الطعام، مع تحقيق بعض المآرب "الشخصية" على حساب المصلحة العامة التي طالما تَظاهر بالدفاع عنها في كل خرجاته النشاز. الوسوم السجن محمد زيان