تذكر الروايات التاريخية أن أول استعمال للمدافع في رمضان كان عام 865 هجرية في مصر، زمن السلطان المملوكي الظاهر سيف الدين خشقدم، حيث كان ولع المماليك بالمظاهر العسكرية كبيرا، حتى أنهم أنشؤوا مدارس ومعاهد متخصصة في إعداد الجند والقادة. وبحسب المعطيات التاريخية المتوفرة، قد تسلم السلطان مدفعا حربيا كهدية فأراد اختباره على مرأى من رجال دولته، وصادف ذلك وقت أذان المغرب في شهر رمضان المبارك، فهلل الناس فرحا لسماع صوت المدفع الذي كان يشتغل في ذلك الحين بالأحمال والبارود، ظنا منهم أن السلطان ارتأى إعلام الناس بدخول وقت المغرب من خلال طلقات المدفع التي تسبق وقت الأذان بهنيهة يسيرة. وأضافت ذات المعطيات، أنه لما بلغ ذلك إلى علم السلطان حوله إلى تقليد توارثه السلاطين من بعده، لينتقل هذا التقليد إلى كثير من بلدان العالم الإسلامي ومن بينها المغرب، الذي عرف طفرة كبرى في الصناعات الحربية في أواخر العهد المريني وفي زمن السعديين، حيث ستنشأ دور للسلاح بمراكش وفاس، وسيخصص جنود من فرق "النار" بالجيش السعدي لإطلاق المدافع في فترة الإفطار في جل المدن العتيقة. وكان يطلق على المدفع حينها اسم "المهراس" ولشهاب الدين الحجري مؤلف شهير خاص بصناعة المدافع ألف في الحقبة السعدية، وهي الحقبة التي عرفت بروز العديد من التقاليد المخزنية، كما أطلق على اسم مستخدم المدفع "مدفعجي" والراجح أنها تسمية تركية تسللت إلى اللهجة المغربية الدارجة بفعل احتكاك السعديين بالأتراك في تلك الفترة، وتوارثت الأجيال هذه المهنة إلى اليوم ولا زال المدفعجيون يستخدمون "المهارس" القديمة في فاس ومكناس والبيضاء وسلا والجديدة ومراكش، وإن كان الأمر تراجع عن ما كان عليه الوضع قبل عقود، فلم تعد المدافع تطلق نيرانها بعدد من المدن، وحتى في تلك المدن التي لا يزال صوت المدفع يسمع فيها، فإنه يقابل بتجاهل كبير من طرف ساكنتها، في ظل وجود تطبيقات الآذان على هواتفهم التي تذكرهم باقتراب موعد الإفطار. ورغم تراجع حضورها، فإن هذه الحرفة لا تزال تحتفظ ببعض مميزاتها وأصالتها، حيث أن المدفعجيون يستعملون البارود ونفس التقنيات القديمة في تحضير الذخيرة ولسان حالهم يقول، "إن خمسة قرون مضت لم تكن كافية البتة لطي صفحة تاريخ مهنتهم التي تصر على مقاومة كل عوامل التغيير".