في خرجة إعلامية تضمنت مجموعة من الحقائق المرتبطة بالوضع الاقتصادي الحالي في بلادنا، في ظل موجة الغلاء التي أثرت على القدرة الشرائية للمغاربة، قال المندوب السامي للتخطيط، أحمد لحليمي، إن الحقيقة التي يجب أن يدركها المغاربة هي أن التضخم أصبح حقيقة هيكلية للاقتصاد المغربي، ويجب أن نتعود على التعايش معه. تصريحات لحليمي جاءت خلال حوار صحفي أجراه مع موقع "medias24" أمس الأحد، كشف فيه أن التضخم في المغرب لم يعد مستوردا بل أصبح محليا وهيكليا في الاقتصاد المغربي، مرجعا السبب في ذلك لنقص المعروض، لاسيما الفلاحي، مشددا على أن الحل لمواجهة هذا التضخم هو القيام ب"ثورة في نظام الإنتاج لدينا". وفي معرض حديثه على سؤال بخصوص الأرقام الأخيرة التي أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط، والتي كشفت فيها أن معدل التضخم بلغ 10.1٪ بنهاية شهر فبراير المنصرم، وكيف وصلنا إلى هذا المعدل الذي لم يشهد المغرب مثيلا له منذ الأزمة التضخمية الشهيرة في الثمانينيات، أكد أحمد لحليمي أن الأرقام التي قدمتها المندوبية واضحة وأن هذا الرقم يوضح أن التضخم مدفوع بشكل أساسي بارتفاع أسعار المواد الغذائية، والتي زادت بأكثر من 20٪ على مدار العام. وأضاف ذات المسؤول أن هذا المستوى من الزيادة في الأسعار مرتفع للغاية لأن هناك أيضًا تأثير أساسي يلعب دوره، موردا: "عندما نتحدث عن زيادة بنسبة 10.1٪، فهو رقم توقف في نهاية فبراير 2023 مقارنة بمستويات الأسعار في فبراير 2022، وهو الشهر الذي كانت فيه مستويات الأسعار لا تزال طبيعية، حيث أن التضخم القوي لم يبدأ إلا في مارس/ أبريل 2022. وأكد لحليمي "علينا أن ندرك أننا في وضع يجب أن تمر فيه الفلاحة بثورة من أجل تغيير نظام الإنتاج، لذلك لم نعد في حالة تضخم مستورد، لأن الموادة الغذائية وخاصة الفواكه والخضروات يتم إنتاجها محليًا، في المغرب"، مشيرا إلى أنه حذّر في أحد مؤتمراته الصحفية الأخيرة، من هذه الظاهرة عندما قال "إن التضخم يجب أن يؤخذ على أنه حقيقة هيكلية ومحلية. وعلينا الآن أن نعتاد على التعايش معه". وقدم لحليمي المنتجات الفلاحية في المغرب كحالة توضح صحة كلامه، مؤكدا أن "الجفاف أصبح عاملا هيكليا في السنوات الأخيرة. مع تطور المناخ وموقعنا في منطقة شبه قاحلة، سنشهد مرة كل ثلاث سنوات، في المتوسط، جفافاً كبيراً. وحتى عندما يكون هناك مطر، فإنه لا يتم توزيعه بشكل جيد. يتم إعطاء الأولوية فقط لجزء من البلاد والشمال وبعض المناطق في الجنوب". وأضاف لحليمي أنه وبناء على هذه المعطيات، فيجب أن ندرك أننا في وضع يجب أن تمر فيه الزراعة بثورة من أجل تغيير نظام الإنتاج، والتحرك نحو السيادة الغذائية والإنتاج لما نستهلكه في المقام الأول، مع تحقيق أقصى قدر ممكن من التقدم التقني والتكنولوجي لتحسين الغلة. وخلال جوابه على سؤال حول ما إذا كان السبب في الارتفاع الذي تشهده أسعار المنتجات الغذائية بشكل حاد يرجع إلى نقص المعروض في السوق، قال لحليمي إنه "وبعد عامين من الجفاف، وسنة شبه جافة في إشارة إلى السنة الحالية، فإننا في وضع حيث ننتج أقل من ذي قبل. لذلك لدينا مشكلة في العرض". أما الأمر الثاني بحسب المندوب السامي للتخطيط فإن ما نستورده أصبح أكثر تكلفة، وسيظل كذلك. لأن تكاليف الإنتاج في جميع أنحاء العالم تتزايد ولا تزال المخاطر الجيوستراتيجية سائدة في السوق، فيما العامل الثالث بحسب ذات المسؤول الذي يوضح أن هذا التضخم سيكون دائمًا فيرجع إلى الاحتياجات الهائلة للاستثمارات التي يحتاجها العالم. كالتحول البيئي والانتقال الطاقي، وإزالة الكربون الصناعي، ودمج التقنيات في أنظمة وخدمات الإنتاج، وكل هذا له تأثير مباشر على تكاليف الإنتاج، والتي ستزداد من سنة إلى أخرى، لتنعكس في أسعار المنتجات النهائية بحسب لحليمي. وباختصار شديد بحسب أحمد لحليمي سنحصل على واردات سترتفع تكاليفها، وإمدادات محلية غير كافية بسبب الكارثة المناخية التي تخلق خللاً في السوق وستتسارع أكثر في السنوات القادمة، مع زيادة عدد سكاننا وتغيير أنماط الاستهلاك، وكل هذا بحسب لحليمي يجب أن يشجعنا على إدراك أن الزيادة في الأسعار ستصبح هيكلية. وأكد المندوب السامي للتخطيط في معرض حديثه عن الحلول الممكنة لمواجهة الوضع الحالي، أن التضخم سينخفض عندما ننفذ الإصلاحات لتحسين إمداداتنا وإنتاجيتنا، مع العمل على تنظيف دوائر التوزيع لدينا (المضاربين)، وهذه قضايا جوهرية تحتاج إلى معالجة بحسب ذات المسؤول. ودعا لحليمي إلى ضرورة التعامل مع الرأي العام باحترام، واعتباره ناضجًا، وإخباره بالحقيقة حتى يكون على دراية بالإصلاحات التي يجب القيام بها، مشيرا إلى أن ما يراه هو أن المسؤولين يفعلون العكس تمامًا، بالقول إن كل شيء على ما يرام وأن مشكلة التضخم ستحل من خلال الآليات النقدية، لسبب بسيط هو أن هذا يسعد المنظمات الدولية التي لم ترغب أبدًا في تغييرها. وأشار لحليمي إلى أنه يوجد حاليًا عدم اتساق كلي بين السياسة النقدية التي يقودها بنك المغرب والسياسة المالية للحكومة، معتبرا بأن القرارات المتخذة حاليا ليست الصيغة الصحيحة للخروج من الأزمة، ومؤكدا أنه من الواجب إخبار المغاربة بأنه يجب عليهم نسيان أرقام النمو البالغة 4٪ سنويا، والتي التزمت بها الحكومة في برنامجها، مشيرا إلى أنه "في الوقت الحالي مازلنا نتوقع 3.3٪ لعام 2023. لكننا بالتأكيد سنراجع هذا الرقم نزولاً في يونيو. سيكون من الصعب بالفعل تحقيق المزيد من النمو في هذا السياق". وختم لحليمي كلامه بالقول: "الرافعة التي يجب تفعيلها هي الإصلاحات الهيكلية لسياسات الإنتاج لدينا. لأن لدينا مشكلة العرض وليس الطلب. علينا أيضًا أن نقبل أن تنمية بلدنا تعتمد الآن على زيادة الأسعار. وأن هذا التضخم جزء من فترة إصلاح ونقلة نوعية في السياسات الاقتصادية. هذه هي الطريقة التي تطورت بها العديد من البلدان في العالم، وهذا ما علمتنا إياه أيضًا أدبيات ما بعد التصنيع. يجب أن نواصل جهودنا لتنمية البلاد والتعود على التضخم".