في الوقت الذي كان من المفروض أن يوجه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، اهتماماته ومجهوداته في إبداء الرأي حول الوضعية الاجتماعية المتأزمة للمواطنات والمواطنين جراء ارتفاع الأسعار وانعكاساتها على القدرة الشرائية خاصة الطبقة الهشة والمتوسطة، قدم تقريرا حديثا اختار له عنوان " الأخبار الزائفة: من التضليل الإعلامي إلى المعلومة الموثوقة". وكأن المجلس الذي تتحدد صلاحياته بالخصوص في الإدلاء برأيه في القضايا ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وتحليل الظرفية الوطنية والدولية وانعكاساتها، والمساهمة في بلورة ميثاق اجتماعي، انتهى من تناول كل القضايا المرتبطة بصلاحياته في المجال الاجتماعي والاقتصادي، ليتفرغ لموضوع لا يندرج في اختصاصاته، وهي مهمة لهيئات كان من الأجدر لها أن تطرحه وتعالجه. اذن لا اختصاص المجلس ولا سياق عام كذلك يفرض على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تقديم هذا الرأي في إطار الإحالة الذاتية وأثار فيه الانتباه، بالخصوص لما تشكله الأخبار الزائفة من " تهديد للثقة في مؤسسات الدولة، والأمن المجتمعي، وانتهاك الحياة الخاصة للأفراد"، وهذا ما يجعل المجلس على الرغم من أهمية تركيبته، وأدواره، كان بمبادرته الجديدة في حالة شرود واضح. الأمر هنا لا يتعلق بالدفاع عن Fake News، وانما مجرد تساؤل، قد يبديه أي متفائل أو متشائم حتى ما بينهما أي "المتشائل"، كما جاء في رواية الكاتب الفلسطيني إميل حبيبى، بعنوان: ".. الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي الحسن المتشائل "، حول أسباب اختيار مجلس اقتصادي واجتماعي وبيئي، لموضوع، ليس فقط بعيد كل البعد عن مهامه، وإنما خارج سياق ما يعيشه المغاربة، من ظروف اقتصادية واجتماعية وبيئية، يكاد يجمع الكل على أنها جد صعبة، فضلا عن لهيب الأسعار، قساوة المناخ خاصة بالمناطق الجبلية والأرياف. لقد كان حريا بالمجلس، أن ينصرف انشغاله، في ظل الظروف الحالية، الى تقديم آرائه وفق ما تسمح له بها اختصاصاته في مجال تحليل الظرفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الوطنية والدولية وانعكاساتها، وذلك حتى يتسنى لأصحاب القرار اتخاذ التدابير الضرورية الهادفة إلى حماية المواطنين من ارتفاع أسعارالمواد الاستهلاكية، وتأثيراتها السلبية على الحياة اليومية للمواطنين، وعلى السلم الاجتماعي كذلك. لربما هذا ما سيكون مفيدا واسقاطات له انعكاسات أكثر إيجابية من التحذير من " الخطر الذي تشكله الأخبار الزائفة، التي تكون على شكل مقالات صحافية أو فيديوهات أو صور أو تعليقات... وتؤدي، إلى صناعة رأي عام مواز ومزيف"، حسب ما نقلته عن رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رضا الشامي. ومن بين الملفات الأخرى التي كما كان حريا بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الانكباب عليها، حلحلة الخلاف حول قانون الإضراب، الذي يوجد حاليا مجمدا داخل ردهات البرلمان منذ طرح مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسته. فالمجلس مؤهل لتقديم رأي كفيل بتيسير مسطرة التوافق حول بنود هذا المشروع خاصة وأن تشكيلته تضم ممثلين عن مختلف الفرقاء من حكومة ومركزيات نقابية وأرباب العمل ( باطرونا). كما تسعف تجربته السابقة في التعاطي مع مشروع القانون المتعلق بالمنظمات النقابية المحال عليه سنة 2020 والذي قدم في رأيه مجموعة من التوصيات منها ضرورة إجابة مشروع القانون على التحديات التي يعرفها السياق الوطني ( إشكاليات التمثيلية، وضعف الانتماء النقابي والمهني، وضعف الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية)، فضلا عن تكريس نهج الحكامة والديمقراطية في تسيير هياكل المنظمات النقابية والهيئات المهنية المهنية. وبتمثيليته الواسعة بإمكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن يساهم في النهوض والارتقاء بمستوى ثقافة الحوار الاجتماعي الذي تعتبره منظمة العمل الدولية، أداة في خدمة التنمية المستدامة كشكل من أشكال الحكامة والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأممالمتحدة في أفق 2030. وعلى الرغم من إيجابية مضامين تقرير المجلس حول الأخبار الزائفة، والتي قدم فيه جملة من التوصيات للتصدي لانتشار الأخبار الزائفة، كالدعوة الى ضمان تأمين الوصول إلى المعلومة الموثوقة، ودعم مبادرات إنشاء نظم لرصد المعلومات الزائفة في أوساط المهنيين للتحقق منها قبل نشرها، فإن هذه المبادرة كان ستكون أكثر إيجابية، لو سهر عليها مهنيون الذين دعاهم المجلس إلى تعزيز قدراتهم في رصد الأخبار الزائفة والتحقق من صدقيتها قبل نشرها، تفعيلا لمبدأ أخلاقيات المهنة؛ مع تحلي المواطنين، بالحسّ النقدي وبذل مجهود من أجل البحث عن الأخبار الصحيحة وعدم الانسياق وراء الإشاعات. بيد أن الأخبار الزّائفة التي تنتشر أسرع من الاخبار الموثوقة، بالشبكة العنكبوتية، وغياب الضمير والحس الأخلاقي للفاعلين والمتاجرة بالثورة الرقمية، كلها عوامل ساهمت في زعزعة منظومة الإعلام الجماهيري وإنهاكها، بل وأصبحت تهدد حتى أسس الديمقراطية. فالمشكلة المطروحة – والتي لن تكون غائبة على ذهن مسؤولي المجلس- تكمن في أنّ الشركات الكبرى للتكنولوجيات الحديثة المهيمنة على سوق وسائل الإعلام والاتصال، تساهم بطريقة أو أخرى في ترويج المعلومات والأخبار، بدون التأكد من مصادرها الموثوقة، لأن ما يهمها هو استقطاب أكبر عدد من نقرات المبحرين و" الليكات" في العالم الافتراضي. ولمواجهة الخطر الداهم الذى يشكله تسويق المعلومات والأخبار الزائفة، كان مخترع شبكة الإنترنت تيم برنرز-لي، حذر سنة 2017 في رسالة مفتوحة، بمناسبة الذكرى 28 لإنشاء الإنترنت من الخطر الذي يشكله تسويق وتعميم المعلومات الخاطئة والأخبار الزائفة. كما حذر من مغبة وقوع عالم الإنترنت تدريجيا تحت هيمنة الحكومات والشركات الرقمية. إلا أن التصدي لتسونامي الأخبار الزائفة التي تعتبر أحيانا كثيرة أشد فتكا من جائحة كوفيد 19، يطرح العديد من الاسئلة، خاصة على مستوى المحتويات ومضامين الرسائل المطلوب التقيد بها، وحدودهما وطرق معالجة الاخبار والمعلومات، وطبيعة التشريعات والقوانين والتنظيمية، ومواثيق تخليق الممارسة الاعلامية والتواصلية. كما أنه يلاحظ أنه بقدر ما يسجل اقبالا متصاعدا من لدن مختلف فئات المجتمع على استعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، وابحارا متزايد في الشبكة العنكبوتية خاصة من الشباب، بقدر ما يسجل، توجسا مبالغ فيه أحيانا، بدعوى "الاستخدام السيئ" لهذه الوسائط من طرف البعض، متغافلين عن إيجابية هذه التقنيات الحديثة وفي مقدمتها الإنترنيت الذي رفع من سقف حرية التعبير عاليا، وأتاح إمكانيات هائلة في مجال الحصول على المعلومات لمختلف الشرائح الاجتماعية.