يبدو أن المعطي منجب يستعد لإعلان شهر أكتوبر من كل سنة، موعدا دوريا متجددا لإشهار ورقة التهديد بالدخول في الإضراب عن الطعام، وإعلان حالة العصيان وعدم الامتثال للقوانين التي تسري على عموم المغربيات والمغاربة، ومعهم كل الأجانب المقيمين بالمغرب، عملا بمبدأ إقليمية النص الجنائي. ففي شهر أكتوبر من السنة المنصرمة، وتحديدا في الثالث عشر منه، توجه المعطي منجب رفقة كتيبته المدججة بالنضال المزعوم، وفي طليعتها خديجة الرياضي ومحمد رضى، إلى مطار الرباطسلا بغرض خرق إجراءات إغلاق الحدود، التي اتخذها في حقه قاضي التحقيق بسبب شبهة تورطه في جرائم غسل الأموال و"تسويد" التحويلات المالية الممنوحة لهيئات المجتمع المدني. لكن، بعدما التزمت شرطة الحدود وقتها بتطبيق الأوامر القضائية السارية المفعول، خرج المعطي منجب إلى بهو المطار ليهدد ويتوعد بالدخول في إضراب مستدام عن الطعام، بدعوى أن حالته الصحية متدهورة جدا وأنه بحاجة ملحة للاستشفاء بفرنسا تحديدا! والمفارقة الغريبة، أن المعطي منجب لم يسافر حينئذ بسبب قرار المنع القضائي من السفر، ومع ذلك لم يتعرض وضعه الصحي لأي عارض طبي! رغم أنه جعل من سفره مسألة حياة أو موت، بدعوى "تخشب قلبه وشرايينه" وأنه لا يمكن "تسريحهما" إلا في فرنسا التي يحمل جنسيتها. ولعلها من باب الصدفة، أو ربما هي خطة مدروسة، سوف يعود المعطي منجب لمطار الرباطسلا في الحادي عشر من شهر أكتوبر الجاري، أي في نفس التوقيت تقريبا، ليهدد مرة أخرى بالدخول في الإضراب عن الطعام ويتوعد السلطات بتدويل قضيته إن هي لم ترضخ لرغباته، التي حصرها في رفع إجراء إغلاق الحدود، ليتسنى له السفر نحو إسبانيا هذه المرة وليس فرنسا، مع بعض التنازلات الأخرى من قبيل إرجاعه لعمله، ومنحه حق التصرف في الأموال التي تتهمه النيابة العامة وقاضي التحقيق بغسلها خارج إطارها الشرعي! ومن المفارقات العجيبة أيضا، أن المعطي منجب سوف يصطحب معه، مرة أخرى هذه السنة، نفس كتيبة الرفاق المدججين، وفي مقدمتهم خديجة الرياضي ومحمد رضى وباقي المؤلفة قلوبهم. لكن المستجد هذه السنة، هو أن المعطي منجب سوف يتدثر بالكذب والتضليل بعدما ادعى بأن مرافقيه "هم مجموعة من الحقوقيين الذين التحقوا للتعبير عن تضامنهم"، والحال أنهم حضروا معه من البداية في عملية شبيهة باستعراض للقوة تصدح بعدم الامتثال، ولم يلتحقوا به في وقت موالي كما ادعى ذلك المعطي منجب في تدوينته. والملاحظ أن المعطي منجب لم يلتحف رداء الكذب والتضليل فقط في مسألة "المرافقين الذين هم أشبه بقواعد الدعم والإسناد لخرق إجراءات غلق الحدود"، بل حاول كذلك تضليل الرأي العام عندما استشهد بالمادة 160 من قانون المسطرة الجنائية، لإعطاء الانطباع بأن قرار إغلاق الحدود الصادر في حقه صار تعسفيا، بدعوى أنه تجاوز أمد الشهرين القابلة للتمديد خمس مرات!! ومن باب الإنصاف هنا، فالمعطي منجب لم يكن بكل تأكيد هو صاحب هذه الكذبة، لأنه ببساطة جاهل بقواعد الإجراءات الجنائية، وإنما كان يجتر ويلوك ما يوحي له به محمد رضى، الذي يسدل على نفسه وصف "خبير في القانون"، في غفلة من مامون الكزبري وعبر الرزاق السنهوري وموسى عبود وقدري الترجمان وغيرهم من فقهاء القانون. لكن محمد رضى الذي "غرق" توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني ومحمد زيان، بسبب اجتهاداته السمجة ورهاناته على تدويل القضايا الجنائية، هو الذي "سيغرق" هذه المرة كذلك المعطي منجب بسبب جهله المفرط في القانون. فهذا "الخبير" المزعوم طالع المادة 160 ولم ينتبه للمادة 182 الآتية بعدها في قانون المسطرة الجنائية! فكان مثل تلك "الشاة التي رأت الماء والمرعى ولم تنتبه للحافة بعدها". فالمادة 182 من قانون المسطرة الجنائية تنص على ما يلي "إذا ظل المتهم في حالة سراح أو إذا أفرج عنه إفراجاً مؤقتاً أو غير مقرون بالوضع تحت المراقبة القضائية، فإن هيئة التحقيق أو الحكم التي اتخذت القرار تبقى وحدها مختصة في تقرير إغلاق الحدود في حقه وسحب جواز السفر، كما يجوز لهيئة التحقيق وهيئة الحكم إذا رأت ذلك ضرورياً أن تعين له محل إقامة يحظر عليه الابتعاد عنه دون رخصة قبل اتخاذ أمر بعدم المتابعة أو صدور قرار اكتسب قوة الشيء المقضي به". فالمشرع المغربي بموجب هذه المادة، يخول لقاضي التحقيق تقرير إغلاق الحدود وسحب جواز السفر وتعيين محل الإقامة "مع استمرار سريان هذه الإجراءات حتى صدور الأمر بعدم المتابعة أو صدور قرار اكتسب قوة الشيء المقضي به"! فهل سأل محمد رضى والمعطي منجب نفسيهما أين هو قرار عدم المتابعة أو القرار المكتسب لقوة الشيء المقضي به؟ بالطبع لم يصدر لحد الساعة أي قرار قضائي مماثل، مما يعني سريان الإجراءات المتخذة في حق المعطي منجب. لكن كيف يمكن لمحمد رضى أن يزيد في "إغراق وتغريق" المعطي منجب من الناحية القانونية؟ بكل بساطة لأن الفقرة الأخيرة من المادة 182 أعلاه تنص على ما يلي "يعاقب كل من تملص من إحدى الالتزامات المبينة أعلاه بحبس تتراوح مدته ما بين ثلاثة أشهر وسنتين وبغرامة يتراوح مبلغها ما بين 1.200 و12.000 درهم". وهنا يطرح التساؤل التالي: هل يدرك محمد رضى هذه المقتضيات الزجرية ومع ذلك يحرض المعطي منجب على التملص من إجراءات غلق الحدود؟ فإذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن محمد رضى يمعن في استدراج "ضحيته الجديدة" نحو الإدانة بالعقوبات السالبة للحرية المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة أعلاه. وفي المحصلة، لا بد من التأكيد على أن مغالطات المعطي منجب كانت كثيرة ومتعددة بنفس قدر وحجم الكلمات التي استخدمها في تدوينته الطويلة. فالرجل خشي أن يصارح الرأي العام ويقول لهم أنه كان "موظفا شبحا لسنوات طويلة"، فادعى في المقابل بأن الحكومة هي من أوقفت وضعية "استيداعه الوظيفي"! فهل هناك نظام أساسي للوظيفة العمومية يسمح بتمديد الاستيداع لما يربو من عقد من الزمن؟ وعموما الله يعطينا زهر المعطي منجب: عقارات في الصخيرات وفي أكدال وفي بنسليمان وأرصدة في المغرب وفرنسا وجواز سفر أحمر يحول بينه وبين الخضوع لابتزازات جيرالد دارمانان بشأن التأشيرات.. وحتى عند دخوله في إضراب عن الطعام، فهو لا يقتات إلا من العسل الحر! في وقت هجرنا فيه النحل جزاءا بما اقترفت أيدي "الأستاذ والمؤرخ" من تلاعبات في تحويلات المجتمع المدني.