في زمن الإصلاح الدستوري وطفرة البرامج الانتخابية التي تجمع على التبشير بمغرب جديد قائم على تكافؤ الفرص واحترام حقوق الإنسان، ما زالت بعض الجهات المسؤولة تتعامل مع المناطق القروية بمنطق المغرب غير النافع الذي كرسه الاستعمار الفرنسي في وتشبعت به عقليات ما زالت للأسف مسلطة على البلاد والعباد. وأنا أتجول في المنطقة الواقعة في طريق قمة "تاسميط" في بني ملال، راعني مشهد مشاريع البناء التي انطلقت في المدار السياحي لعين أسردون والممتد على جنبات الطريق التي شرع في تعبيدها على إثر الزيارات الملكية الأخيرة. وفي مقابل هذه الصورة المتفائلة، صدمت كثيرا حينما التقيت نسوة يحملن أكياس الدقيق وبعض المقتنيات وهن يصارعن وعورة الطريق صعودا إلى الدواوير المتواجدة في أعلى الجبل والمحرومة من أبسط أساسيات العيش الكريم مثل ماء الشرب والنقل والتطبيب. وكانت صدمتي أكثر حينما التقيت فتية تبدو على وجوهم علامات البؤس والفقر في جو الشتاء القارس ولما سألتهم تبين لي أنهم تلاميذ يتابعون دراستهم في إعداديات وثانويات مدينة بني ملال ويقطعون يوميا عشرات الكيلومترات هبوطا وصعودا بين دواوير تفرضين ومودج وتمجراجت والمدينة، بينما يستفيد بعض أبناء الميسورين من مناطق أقل بعدا من خدمات الداخليات في عدد من المؤسسات التعليمية داخل المدينة. فإلى متى يستمر هذا الحيف والإقصاء في حق هذه الفئات المحرومة والمهمشة؟