بيان المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات حول الذكرى العاشرة لتأسيس المعھد الملكي للثقافة الأمازيغية بيان في الذكرى العاشرة لتأسيس المعھد الملكي للثقافة الأمازيغية تدارس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات وضعية المعھد الملكي للثقافة الأمازيغية بعد مرور عشر سنوات على إنشائه، وبعد تناول مختلف الجوانب القانونية والھيكلية وكذا أداء المعھد على المستوى الاستشاري والأكاديمي والإشعاعي، انتھى المرصد إلى الخلاصات التالية التي يعلنھا بمناسبة الذكرى العاشرة التي وافقت يوم 17 أكتوبر الجاري: 1- أن العشر سنوات الماضية، قد تميزت علاوة على انبثاق دينامة اجتماعية ملموسة في الإنتاج بالأمازيغية سواء على الصعيد العلمي الأكاديمي أو الفني والأدبي والإعلامي، وبتنامي الشعور بالانتماء إلى الأمازيغية لدى مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، وبتراجع نسبي لذھنية الميز القديمة، قد تميزت بازدواجية المرجعية السياسية والقانونية في تدبير الشأن الأمازيغي، بين مرجعية حكومية أساسھا المنظور المتضمن في ميثاق التربية والتكوين، والذي تمّ إرساؤه في مرحلة حكم الملك الراحل الحسن الثاني، وبين مرجعية خطاب أجدير وما ترتب عنھا من وثائق ومرتكزات تتعارض مع ما تمّ التنصيص عليه في الميثاق المذكور، والذي لم يتعدّ الاعتراف بدور مساعد للأمازيغية بوصفھا "لھجات" متفرقة، في إنجاح وظائف اللغة العربية الرسمية. وقد نتج عن هذه المرجعية المزدوجة اضطراب وارتباك مؤسساتي كبير، وخاصة في مجال التعليم، حيث اعتمد البعض داخل الوزارة نفسھا وفي الأكاديميات والمندوبيات المذكرات الوزارية التي وضعت في إطار التوجھات الجديدة التي أعلنھا خطاب أجدير، بينما ارتكز البعض الآخر على ميثاق التربية والتكوين، الذي لا ينص عّلى وجود فعلي لتدريس اللغة الأمازيغية. ھذا التناقض الذي أدى إلى عرقلة إدراج الأمازيغية في مجالي التعليم والإعلام بصفة خاصة، والتعامل معھا في انعدام شبه تام للجدّية والحزم اللازمين، أفضى إلى اقتناع القوى المدنية والسياسية الحليفة للحركة الأمازيغية، بضرورة ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور كما نادت بذلك الحركة بوضوح منذ سنة 1996 . وھو ما تحقق مع دستور فاتح يوليوز المعدّل. 2- من جھة أخرى تميزت العشر سنوات المنصرمة بازدواجية المھام المنوطة بمؤسسة المعھد الملكي للثقافة الأمازيغية، والمتمثلة في دوره الاستشاري من جھة، ودوره الأكاديمي العلمي من جھة ثانية. وقد استطاع المعھد فيما يخص مّھمته الاستشارية التي يقدم بموجبھا الرأي والمقترح المتعلق بتدبير ملف اللغة والثقافة الأمازيغيتين داخل المؤسسات، أن يضع بتنسيق وتعاون مع الوزارات الوصية، ما بين 2003 و 2006 عددا ھاما من المرتكزات والتوجھات العامة الرئيسية، التي تمّ بناء عليھا إدراج الأمازيغية في مجالات التعليم والإعلام بصفة خاصة، كما تدخل المعھد في إطار مھمته الاستشارية لدى السلطات العليا في موضوع دسترة اللغة الأمازيغية عام 2006، وفي ملف منع الأسماء الأمازيغية واستعمال حرف تيفيناغ في الفضاء العمومي وإحداث القناة الأمازيغية الثامنة. غير أن ھذا الدور الاستشاري للمعھد عرف ارتباكا واضحا بسبب ضعف الصلاحيات المخولة له قانونيا، مما أدى إلى تقليص ديناميته ودوره في علاقته بالمؤسسات الحكومية، وكذا إشعاعه في المجتمع، كما نتج عنه عدم استجابة المؤسسات الشريكة له، والتي تحتكر كل القنوات الرسمية في التعامل مع المجتمع والتأثير فيه، حيث لم تبد ھذه المؤسسات، من الناحية العملية، الاستعداد الكافي للتنسيق والتعاون، مما جعل العديد من خيارات المعھد وتوجھاته تبقى حبيسة جدرانھ، أو يتم تنفيذھا بشكل سيء ومحدود. وقد ساھم في ھذا الضعف تحفظ إدارة المعھد وانتھاجھا سياسة خجولة وانطوائية، ظھرت بشكل واضح في غياب مؤسسة المعھد عن النقاش الدستوري الذي دام لعدة شھور، في الوقت الذي احتلت فيه القضية الأمازيغية الصدارة في ھذا النقاش في مختلف مناطق المغرب، كما ظھرت في انعدام أي حل نّاجع لتوزيع إصدارات المعھد التي تظل غائبة طوال السنة عن سوق الكتاب، على أھميتھا البالغة ووجود حاجة اجتماعية ملحة إليھا. وقد كان لاختلال التوازن لفائدة عمادة المعھد على حساب المجلس الإداري بسبب ضعف أداء أعضاءه، دور كبير في ھذا الوضع الذي يوجد عليه الدور الاستشاري والإشعاعي للمعھد منذ سنة 2006 ، وھو ما يطرح السؤال عن أسباب عدم تجديد تشكيلة المجلس الإداري حتى ھذه اللحظة. 3- أن الوضعية الراھنة لمؤسسة المعھد الملكي للثقافة الأمازيغية، بعد ترسيم اللغة الأمازيغية والاعتراف بالمكون الأمازيغي للھوية المغربية في الدستور المغربي، تتسم بغموض كبير، فمن جھة لم تتم دسترة المعھد كما حصل بالنسبة لمؤسسات أخرى، وخاصة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط، رغم أن ذلك كان مطلبا للعديد من التنظيمات السياسية والمدنية خلال النقاش الدستوري الذي دام عدة شھور. ومن جھة ثانية أظھرت الوثيقة الدستورية بأنّ موضوع الأمازيغية سيتمّ تدبيره في إطار المؤسسات المنتخبة، وبقانون تنظيمي ينص عّليه دستور البلاد، مما يطرح السؤال حول مستقبل المعھد والدور المنوط به بعد ترسيم اللغة الأمازيغية، ويجعلنا أمام سيناريوھين محتملين: السيناريو الأول: أنّ عدم دسترة المعھد قد يعكس عدم الرغبة في دسترة رصيده ومكاسبه الكبرى التي حققھا بتنسيق مع المؤسسات الحكومية وخاصة وزارة التربية الوطنية، وھي المكاسب المتمثلة في إلزامية اللغة الأمازيغية، وتعميمھا الأفقي والعمودي، وتوحيدھا، واعتماد الحرف الأمازيغي تيفيناغ في كتابتھا، أي التوجھات الكبرى التي رسختھا قبل إنشاء المعھد جميع مكونات الحركة الأمازيغية. وفي ھذه الحالة، فإن ذلك سيعني حتما أن القانون التنظيمي المقبل سينص عّلى خلاف ھذه المبادئ التي علاوة على أنھا تمثل مصدر مصداقية المعھد الملكي للثقافة الأمازيغية، وبالتالي مصداقية الحل اّلرسمي الذي تمّ اعتماده كتسوية لمرحلة ما قبل الدسترة، فإنھا تعدّ بمثابة ثوابت فكرية للحركة الأمازيغية المغربية بكل مكوناتھا من الشمال إلى الجنوب، وسيعني ذلك حتما الرغبة في تدبير الشأن الأمازيغي في إطار إيديولوجيا عربية اختزالية ومناوئة، لا تسمح بتنمية الأمازيغية والنھوض بھا، بقدر ما يھمھا الإبقاء على ھيمنة العربية بوصفھا وحدھا اللغة والھوية الرسميتين فعليا، وھو ما سيشكل تعارضا مع دستور البلاد، وعودة إلى الوراء بالقضية الأمازيغية، كما سيفتح الباب على مصراعيھ أمام كل الاحتمالات، حيث من شأن ھذا الإجراء أن يحول ترسيم الأمازيغية من مكسب تاريخي إلى بداية صراع جديد أخطر من سابقه. السناريو الثاني: أنّ التوجھات التي أرساھا المعھد الملكي للثقافة الأمازيغية بتنسيق مع وزارات التربية الوطنية والاتصال والثقافة والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وديوان المظالم وغيرھا من المؤسسات العمومية، ھي ثوابت نھائية لا رجعة فيھا، وأنّ إقرار قانون تنظيمي ھو بھدف تدبير موضوع إدراج الأمازيغية في المجالات الحيوية حسب ترتيب للأولويات يحدده القانون المذكور، مما سيجعل المعھد الملكي في ھذه الحالة يتحول من مؤسسة استشارية إلى مؤسسة أكاديمية محضة، يتلخص دورھا في تقديم الخبرة لمؤسسات الفضاء العمومي وللمجتمع في موضوع المعيرة والتنميط والتقعيد اللغوي والبحث العلمي والثقافي، وھي مجالات قطع فيھا المعھد شأوا بعيدا، وسيترتب عن ذلك أن المعھد قد يحتفظ بوضعية المؤسسة الملكية، أو قد يتحول إلى مؤسسة وطنية مرتبطة بالوزارة الأولى، دون أن يكون لذلك أي أثر على مھامه ووظائفھ الواضحة. وإذا ما اعتبرنا أن السيناريو الأول صدامي يتسم بانعدام الحكمة السياسية، فإنّ السيناريو الثاني ھو الذي ينسجم مع السياق الديمقراطي ومطالب القوى الديمقراطية الحية، سواء منھا التي عبرت عن نفسھا من خلال مذكرات أغلبية التنظيمات الحزبية والمدينة والنقابية، أو من خلال الحراك الشعبي في الشارع والممثل في حركة 20 فبراير، وھي المطالب التي تھدف إلى حل نھائي ومنصف لوضعية الأمازيغية داخل المؤسسات، في إطار مبادئ العدل والمساواة وحقوق المواطنة.